تدوينة غامضة كتبها صحافي مصري قال فيها «مساء السبت سأحضر مزادا في شقة بشارع علوي بوسط القاهرة أمام مبنى الإذاعة القديم، الشقة مغلقة منذ 1941 وفيها كراتين وأوراق ورسائل من العقاد وطه حسين، وأمراء وعظماء، لأنها كانت جميلة جدا. أهم كرتونة هي التي تشمل كل ملفاتها الطبية وتقارير علاجها ووفاتها. وختم قائلا إنها مقتنيات الأديبة مي زيادة، والتي ستباع في مزاد علني.
وأضاف الصحافي «أن الورثة جمعوا كرتونة فيها أوراق تشمل مصاريف جنازتها وحساب الحانوتي القبطي، وقال لقد كانت مي عاشقة للموسيقى، فعندها عدد من الجرافونات وأسطوانات كثيرة ورسائل بخط سيد درويش، وتذاكر حفلات مسرحيات للريحاني ويوسف وهبي، وكمية الصور لها تقدر بحوالي 2000 صورة مع كل عظماء مصر وأغراضها الشخصية وجواز سفرها وبطاقتها، وخطابات الغرام بينها وبين جبران خليل جبران.
وفور نشر التدوينة، سارعت الحكومة المصرية، ممثلة بوزارة الثقافة، إلى تقصي الأمر، حيث شكل وزير الثقافة حلمي النمنم لجنة لمعاينة الشقة.
وبدأت رحلة البحث عن شقة مي زيادة بوصول اللجنة التي يرأسها الدكتور شريف شاهين، رئيس دار الكتب والوثائق القومية برفقة العميد أسامة رستم، رئيس قطاع الأمن، بالهيئة ورئيس إدارة الترميم بالهيئة وعدد من خبراء الجرد والترميم، في شارع علوي بوسط العاصمة القاهرة للبحث عن الشقة والعقار رقم 8 بالشارع، ولم يجدوا الشقة ولا مقتنيات الأديبة الراحلة، حيث أغلقت منذ 74 عاما بعد وفاتها.
وقال وزير الثقافة المصري، إنه كان على ثقة وقناعة شخصية أن مي زيادة لم تسكن منطقة وسط القاهرة، ولا توجد لها شقة من الأساس بالمنطقة التي كانت منطقة الأثرياء في ثلاثينات القرن الماضي، حيث كان يبلغ سعر إيجار الشقة الواحدة 20 جنيها، وهو مبلغ لا يمكن لـمي زيادة وقتها أن تستطيع تحمله، لأنها لم تكن من الأثرياء، موضحا أن أغلب الشقق في وسط البلد تملكها شركة مصر للتأمين، وأنه وفقا لوضع الشقة القانوني ففي حالة العثور عليها سيتم بحث تحويلها إلى متحف خاص، أو نقل مقتنياتها للمتاحف التابعة للوزارة وتخصيص قاعة لها.
مثقفو مصر يهمهم الأمر أيضاً!
من جهتهم، اهتم مثقفون مصريون بالأمر، وأدلوا بتصريحات تؤكد أن الراحلة «مي زيادة» كانت تقطن في أكثر من مكان، وكان العنوان الأول هو 1 شارع علوي الذي أصبح كراجاً الآن، ثم شقة أخرى في شارع «عدلي» بوسط القاهرة، وكانت مغلقة، وصالونها الثقافي كان في مصر الجديدة.
كما أكدوا أن كل مقتنيات مي زيادة بيعت في مزاد علني منذ عقود مضت، كما جاء في كتاب «مأساة النبوغ»، للكاتبة سلمى حفار الكزبري، ولم يمهلها الدائنون لبيع ممتلكاتها لأنها لم تدفع الإيجار بسبب الحجر الذي أوقعه عليها ابن عمها جوزيف زيادة، فباعت مؤسسة الأهرام أثاثها ومقتنياتها بالمزاد العلني، وبالتالي لم يكن لمي زيادة أي ممتلكات أخرى حتى يمكن بيعها بالمزاد.
لكن الصحافي صاحب التدوينة رد بثقة، وقال إن معلوماته صحيحة، وإنه شاهد كل مقتنيات الأديبة الراحلة خلال عرضها في مزاد.
وأضاف الصحافي نبيل سيف صاحب التدوينة أن الشقة التي كان بها مقتنيات مي موجودة ليست ملكها، وإنما لها وجميع كل مقتنيات الأديبة الراحلة، وأنه يحضر بانتظام كل شهر تقريبا مزادات تباع فيها مقتنيات وشقق.
مضيفا أنه لا يذهب لهذه المزادات بصفته الصحافية، وإلا لم يكن سيسمح له بالدخول، ولكنه يهوى جمع المقتنيات والوثائق.
وأعلن أنه يمتلك مقتنيات ضخمة يتحصل عليها سنويا، ويعرضها في معرض مكتبة الإسكندرية السنوي، وهي مقتنيات خاصة بمشاهير مصر وعظمائها من التي تباع في تلك المزادات. وقال إنه بالنسبة لمزاد مي زيادة فالشقة كانت لها، ومغرم بجمع المقتنيات، ولديه مقتنيات مي ومجموعات أخرى كاملة ومتكاملة لمشاهير. مشيرا إلى أن غضب المثقفين في مصر على بيع مقتنيات مي ليس له ما يبرره، خاصة أن مقتنيات الكاتب الكبير أنيس منصور تم بيعها من قبل الورثة، وفشلت مكتبة الإسكندرية في الحصول عليها لأسباب خاصة.
وقال إن مقتنيات نجيب محفوظ محفوظة بوزارة الثقافة من 9 سنوات، بإهداء من أسرته على أمل إنشاء متحف ولم يتم فيها شيء، ومقتنيات الفنان الكبير الراحل أنور وجدي اشتراها صديق له يدعى مكرم سلامة من جامع قمامة في وسط القاهرة.
مي زيادة بدايتها.. حياتها
يشار إلى أن مي زيادة كانت شاعرة وأديبة فلسطينية من أصل لبناني، ولدت في الناصرة عام 1886، اسمها الأصلي ماري إلياس زيادة، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد، وهي ابنة وحيدة لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد.
تلقت مي زيادة دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في عينطورة بلبنان، وفي العام 1907 انتقلت مي مع أسرتها للإقامة في القاهرة، وهناك عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها الألمانية والإسبانية والإيطالية. في الوقت ذاته، عكفت على إتقان اللغة العربية.
الحب في حياة «مي زيادة»
وأسست مي ندوة أسبوعية عرفت باسم ندوة الثلاثاء، جمعت فيها – لعشرين عاما صفوة من كتاب العصر وشعرائه، كان أبرزهم: أحمد لطفي السيد، ومصطفى عبدالرازق، وعباس العقاد، وطه حسين، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، أنطون الجميل، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وأحمد شوقي.
وقد أحب أغلب هؤلاء الأعلام مي زيادة حبا روحيا ألهم بعضهم روائع من كتاباته. أما قلب مي زيادة، فقد ظل مأخوذا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده. رغم أنهما لم يلتقيا ولو مرة واحدة، ودامت المراسلات بينهما لعشرين عاما: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.