بقلم هاني الترك: OAM

اثناء جلوسي على المقعد الطبي في عيادة طب الاسنان لصاحبها الدكتور ناصر الحاج.. والدكتورة الجذابة تجري عملية جراحية لأسناني سرحت في خيالي وتذكرت قصة ديانا  سيلزا  الآتية.. تخرجت من جامعة سيدني في طب الاسنان في منطقة ياغونا.. لم تتزوج ابداً وعاشت وحيدة فريدة حتى اصبحت عانساً.. لم يشاركها حياتها اي حيوان أليف مع انها تحب الحيوانات وتعطف عليهم وتطعمهم حينما تراهم بجانب منزلها او عيادتها او جيرانها وذلك انطلاقاً من معتقدها أنه يجب الا يجوع اي حيوان.

بلغت ديانا من العمر 80عاماً وتوفيت وحيدة وبقيت ميتة في منزلها ثلاثة ايام لا احد يعرف بموتها الى ان جاء كلب جيرانها التي اعتادت ان تطعمه باحثاً عنها نابحاً على باب منزلها حتى حضر الجيران.

واوصت في وصيتها التبرع بكل ثروتها التي تمتلكها وتقدّر بـ 3،27 ملايين دولار الى جمعيات الرفق بالحيوان.. اضافة الى عملة نقدية خلفتها وراءها تقدّر بـ 60 الف دولار.

وهذه العملة لها ذكريات خاصة في السودان.. فكانت القوات البريطانية تحتل السودان.. وصدر الأمر من الحكومة البريطانية الى قائد القوات البريطانية في السودان شارلز غوردون الانسحاب من السودان عام 1884.. الا ان غوردون رفض تنفيذ الأمر.. اعتصم مع 7000 جندي سوداني ومصري في الخرطوم..واحاط الخرطوم جنود جيش مهدي احمد الذي هزم قوات غوردون.. وكان غوردون قد اصدر اثناء الحصار عملة خاصة للتعامل فيها في الخرطوم موقّع عليها اسم غوردون وهزم بعد ذلك غوردون وقطع جنود المهدي رأسه وعلقوه على عصا في الشارع.

واشترت سيلزا بعض القطع الموقعة من غوردون في مزاد علني بتاريخ 24 تشرين الثاني نوفمبر في سيدني عام 1985.. والجدير ذكره ان فيلم الخرطوم الذي تم اخراجه في الخرطوم قام ببطولته الممثل العملاق شارلتون هيستون .

على اي حال لم يحضر جنازة سيلزا سوى 10 اشخاص من الذين كانوا يعرفونها.. فقد عاشت وحيدة وماتت وحيدة.. ولم يحضر مراسم الدفن سوى حفنة من الاشخاص.

القصة السابقة تذكرتها الاسبوع الماضي اثناء علاج اسناني بالأيدي الرقيقة لطبيبة الاسنان الماهرة ابنة الجالية اللبنانية ايليديا بستاني في عيادة  Smile Line للدكتور ناصر الحاج.. وانا اتردد على علاج اسناني في عيادة الدكتور الحاج منذ حوالي عشر سنوات.. والدكتور ناصر مهني أكاديمي من الدرجة الاولى .. فهو حاصل على دكتوراه في طب الاسنان ويدرس في جامعة سيدني.. ويحمل شهادة كبيرة من مختلف الجامعات والمعاهد المهنية لطب الاسنان .. والأعظم من ذلك فهو صاحب اخلاق شخصية ومهنية عالية.. يعشق استراليا ويفتخر بجذوره العربية.. يتكلم ويقرأ العربية بطلاقة حتى ان والديه اسموه ناصر تيمماً باسم رائد القومية العربية جمال عبد الناصر.. وهو يقرأ صحيفة التلغراف.. اهديته كتابي The Palestinians in Australia اذ انني اعتز بجذوري الفلسطينية مهد الديانات والحضارات .. وقد قرأه ويحتفظ به في مكتبة عيادته.

سألته الاسبوع الماضي على اي اساس تختار اطباء الاسنان والموظفين في عيادتك فقال: «اهم شيء الاخلاقيات الشخصية والمهنية اضافة الى المستوى المهني».. فهو يعين موظفين بصرف النظر عن الديانة.. لا فرق على الاطلاق بين الديانتين المسيحية والاسلامية كما كان العرب اثناء عهد القومية العربية.. قبل ان تقتحم العالم العربي الاصولية المتزمتة والتعصب.. وبعد انتهاء العملية الجراحية لأسناني قلت للدكتور ناصر لو كان العرب يحملون ويعملون بهذه العقلية العلمية الاخلاقية الوطنية العالية لكان في امكاننا استرجاع امجادنا الغابرة.. فقال بالفعل نحن كنا في الماضي في الاعالي وسقطنا حالياً الى هوة الظلام.

وبعد انتهاء العملية الجراحية اهديت كتابي للدكتورة بستاني.. وشكرتها على العملية الجراحية التي اجرتها بمهنية عالية وقلت لها: هل تعرفين ان عائلة البستاني ضليعة في اللغة العربية وقواعدها حتى ان الشيخ البستاني هو احد العلماء القلائل في العالم الضالعين باللغة العربية وقواعدها؟

قالت لي بكل صراحة انها لم تكن تعلم ذلك.. وقالت انها تهوي القراءة بنهم وسوف تقرأ كتابي بشغف انا الفلسطيني الاصل وهي اللبنانية المولودة في استراليا.. في عيادة الدكتور ناصر الحاج الذي اعتبره من خيرة العقول النيّرة والناجحة في استراليا وعيادته Smile Line التي يرسم الموظفون فيها البسمة من الأفواه على الوجوه وتبشر بأنه مهما طال الزمن سوف ينهض العالم العربي من كبوته ويستعيد البسمة المشرقة التي سرقها حكامه العتيدون.