اضطهاد المسيحيين في العالم

 

عالجت في الحلقة الاولى ظاهرة اضطهاد المسلمين عبر التاريخ. وأسأل اليوم: هل المسيحيون هم حقاً الجماعة الدينية الاكثر اضطهاداً في العالم؟
رئيس الوزراء البريطاني السابق كامرون أكّد في كلمة مطولة له في البرلمان ان معظم المسيحيين في جميع أنحاء العالم يعانون من الاضطهاد بسبب ايمانهم المسيحي. ورئيس الوزراء البريطاني لم يكن اول شخصية بارزة تدعي ذلك.
البابا بنديكتوس 16 قالها صراحة في رسالة السنة الجديدة عام 2011، كذلك أكدت انجيلا ميركل خلال زيارة إحدى الكنائس في تشرين الثاني من سنة 2012. والامير تشارلز تخوف من التهم الباطلة التي تساق ضد المسيحيين لتبرير إضطهادهم، خاصة في منطقة الشرق الاوسط.
جميع التقارير الواردة تشير الى ان الوضع الذي يعاني منه المسيحيون في اوطانهم، هو مأسوي اذ يجري، في أكثر من دولة، تدمير المجتمعات المسيحية القديمة كما يحدث الآن في العراق وسوريا ودول أخرى من الشرق الاوسط.
مسيحيون في دول إسلامية.
منذ سنة 2003 جرى الاعتداء على 70 كنيسة وتدميرها في العراق وحدها، بعد ان بدأت منظمات اسلامية متطرفة تدعوا الى ازالة الوجود المسيحي من الدول الاسلامية اعداداً لغرض الخلافة…
ووصف الرئيس لافرنسي هولاند ان ما يجرى في الشرق الاوسط هو “جريمة ضد الحضارة وضد الانسانية…”
وتحل اليوم 9 دول اسلامية في طليعة قائمة الدول التي تمارس اضطهاد المسيحيين، وهي العراق، افغانستان، سوريا، الباكستان، الصومال، السودان، ايران، ليبيا ومصر…
واصبح المسيحيون في بعض الدول الاسلامية مجموعات قيد الانقراض، او في طريقها الى الزوال نتيجة للاعتداءات المباشرة عليهم وعلى أماكن سكنهم، ولأعمال القتل والخطف وارغامهم على النزوح.
للأسف الشديد، كانت الشيوعية هي المضطهد الاول في العالم للجماعات المسيحية (في دول الاتحاد السوفياتي، وكوريا الشمالية والصين وفييتنام وغيرها…) لكن يبدو الآن ان هذه المهمة اوكلت الى مجموعات اسلامية متطرفة، حتى بدا وكأن نزاعاً دينياً شاملاً يجرى الاعداد له يوماً بعد يوم تحت شعار “صراع الحضارات”.
مراجع في الفاتيكان ابلغت الامم المتحدة ان حوالي 100 ألف مسيحي يقتلون سنوياً في العالم وان المسيحيين هم مضطهدون، ليس فقط في دول الشرق الاوسط بل في 151 دولة حول العالم.
انواع الاضطهاد ؟
لايقتصر الاضطهاد على القتل والتعدي الجسدي وممارسة العنف ضد المسيحيين، والاعتداء على كنائسهم وممتلكاتهم ووجودهم المادي فقط. بل يوجد اساليب عديدة تندرج في خانة الاضطهاد. بالنسبة للمسيحيين، لقد حذر السيد المسيح من هذا النوع من الاضطهادعندما دعا تلاميذه للحذر ممن يقتل الجسد ويهلك النفس…
انطلاقاً من هذا القول يمكن فهم ان ما يحدث في العالم من اساليب وتدابير تهدف في آخر المطاف الى التضييق على المسيحيين وجميع المؤمنين بالإله واحد وتدمير عقائدهم. وباعتقادي ان حالة كوريا الشمالية تختصر هذه الفكرة في كل معانيها. فمن يقبض عليه وفي حوزته كتاب مقدس يجرى إعدامه دون محاكمة بحجة التبشير. وهذا يعني ان الفكر الالحادي الشيوعي يقف متشدداً في وجه الفكر المسيحي المؤمن، لا بل يسعى للقضاء عليه بالكامل.
واذا كانت كوريا الشمالية تتخذ موقفاً علنياً ضد الفكر المؤمن، فان بلداناً عدة تتظاهر بالمسيحية يسعى حكامها للقضاء على العقيدة المسيحية.
عودة الى التاريخ تشرح ما اعنيه، قبل ان اعود الى ايامنا المعاصرة.
الثورة الفرنسية
مرت الحرب على الكنيسة بمراحل عديدة واتخذت اشكالاً مختلفة. لكن الثورة الفرنسية التي دامت عشر سنوات (1789- 1799) تشكل مرحلة هامة في تاريخ الاضطهاد، وكانت باعتقادي الاختبار الاول للثورة الشيوعية لاحقاً وللقدرة على التحكم بالسلوك الشعبي…
انطلقت الثورة الفرنسية تحت شعارات “العدالة والحرية والاخوة” وفي ظل عبء اقتصادي وديون متراكمة على الدولة وفي اجواء فكرية تدعو الى “التنور والتحرر” من الطبقة الحاكمة وطبقة رجال الدين.فاجتاح الثوار سجن الباستيل واقاموا محاكم ميزانية وبدأوا باستخدام المقصلة (Guillotine) لاعدام اخصام الثورة. وفرض الثوار بقيادة روبيسبيار اجواءً من الرعب، خاصة في باريس. ويذكر المؤرخون انه جرى اعدام حوالي 40 ألف مواطن في ساحة الحرية في باريس وحدها.
وأصدر قادة الثورة قراراً بإلغاء الملكية وانهاء الطبقة الاقطاعية وحظر صلاحيات رجال الدين وفصل “الدين عن الدولة” واقرار حقوق الانسان، ومنح الحرية للمرأة، وتعديل النظام التربوي ليتلاءم مع روح الثورة وتعاليمها، وفرضت هذه التغيرات بواسطة القتل المنظم من جهة ومؤاذرة ودعم الاعلام ورجال الفكر. وساهمت نوادي وجمعيات سرية بنجاح هذه الثورة، وأحّلت سفك الدماء.
وخلال اقل من 10 سنوات جرى تدمير الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا التي لم تعد “الفتاة البكر للكنيسة” بعد ان هيمن الفكر الاشتراكي الملحد في البلاد. وجرى إلغاء معظم الاعياد الدينية ولم يعد نهار الاحد يوم صلاة وعطلة، وألغيت الشعائر الدينية وابطل دور واهمية القديسين في حياة الناس. غير ان المجتمع الفرنسي المحافظ رفض القبول بمساعي نزع المسحة الايمانية والطابع المسيحي من حياة الناس.
وساهم هذا النزاع الثوري العقائدي بتأجيج النزاع الفكري في البلاد بين الايمان والالحاد، وظهرت طبقة من المفكرين الوجوديين والملحدين الذين ذهبوا حتى الى انكار وجود الله، ورفضوا التحدث عنه لئلا يصبح الله موجوداً، وتستمر روح الثورة الآن داخل النظام والطروحات الفلسفية، ومن صفوف الطبقة الحاكمة وفرنسا اليوم، وباسم المساواة ومكافحة العنصرية تواجه كل الشعائر الدينية المسيحية والاسلامية، وهذا هو شكل صريح من أشكال التمييز الديني ومحاربة الايمان.
الثورة الشيوعية:
انطلقت الثورة الشيوعية في روسيا (1917- 1922) تحت شعار: «يا عمال العالم إتحدوا…» للتخلص من طبقة الاثرياء والقضاء على حكم القياصرة. بدأت الثورة مع انطلاق مظاهرات عمالية في مدينة لينينغراد (بيترسبرج) ودامت 7 سنوات لتشمل كل أنحاء روسيا. وقاد هذه الثورة لينين بعد أن هيأ كارل ماركس المناخ العقائدي لها مع مجموعة أخرى من المفكرين النورانيين. ومع التخلص من قيصر روسيا نيكولاس الثاني وعائلته الذين اعدموا ودفنوا سراً في إحدى الغابات، بدأ تطبيق العقيدة الماركسية المادية التي ألغت وجود الله الخالق والفاعل في حياة الناس واستبدلته بالمجلس الشيوعي الاعلى. فالانسان يولد بفعل التناسل، ينمو يتناسل، ينتج ويموت. فلا حياة أبدية بعد الموت ولا وجود لدينونة… انها المادية المطلقة التي عبر عنها داروين بشكل مختلف عندما طرح نظرية «التطور» التي ألغت فكرة وجود إله خالق. فكل الكائنات هي نتاج العناصر الطبيعية الاربعة: التراب والهواء والنار والمياه.
مع كارل ماركس أصبح الدين هو أفيون الشعوب تستغله الطبقة الحاكمة لفرض سيطرتها، وان صحت هذه المقولة، فان إلغاء الدين هو أيضاً أفيون الشعب الذي فرضته الطبقة الحاكمة في النظام الشيوعي لفرض هيمنتها وبالقوة.
فقد تسبب فرض الفكر الشيوعي في روسيا بمقتل 9 ملايين شخص عارضوا هذه العقيدة الجديدة. وجورج ستالين الذي وصفه رفاقه في الحزب بالقائد الدموي، أمر بقتل 6 ملايين مواطن من المفكرين والمؤثرين في الرأي العام.
مع الشيوعية فرض الالحاد ديناً جديداً وأرغم ثلثي سكان روسيا على اعلان إلحادهم حفاظاً على حياتهم ومصالحهم، بينما مارس الآخرون ايمانهم بالخفاء. ومع اقامة الاتحاد السوفياتي الذي ضم دول شرق اوروبا اصبحت الانظمة الشيوعية الحاكمة تفاخر باعلان الحادها، وعدّلت برامج التعليم وحلّت الشيوعية مكان الله. كذلك كان الامر في الصين وكامبوديا وكوريا الشمالية وسائر الدول التي اعتمدت الشيوعية نظام حكمها، بما في ذلك دول جنوب اميركا.
اليهود والشيوعية.
ان اردنا ان ننظر الى الثورة الشيوعية على انها صراع ديني، لم يعد خافياً ان العديد من المؤثرين في الثورة والعقيدة الشيوعية ومن ساهموا بفرضها في روسيا كانوا من اليهود، وعلى رأسهم كارل ماركس وستالين. ويعترف المؤرخون ان السنوات العشرين الاولى للثورة قادها مفكرون وسياسيون يهود وان البوليس السري كان تحت سيطرتهم. ويذكر المؤرخ البريطاني ليونيل كوشان العديد من الامثلة على تحكمهم بالقرارات والمؤسسات الهامة، ليس في روسيا وحدها، بل في معظم دول الاتحاد السوفياتي. فالمجلس الاعلى للاتحاد السوفياتي، على سبيل المثال، كان يضم 23 يهودياً الى جانب 20 روسياً و6 أوكرانيين و5 بولانديين و3 من جورجيا من مجموعة 101 عضواً وأنهم لكتلة منسجمة تمكنت من التحكم بقرارات المجلس الاعلى.
وبرزت أسماء مؤثرة في توجه العمل الثوري مثل ليون تروتسكي، ياكوف سفيلووف، غريغور زينوفيو والمئات وغيرهم..
كما ذكر السفير الامريكي في روسيا آنذاك ديفيد فرانسيس ان قادة الثورة البولشيفية هنا، معظمهم من اليهود، ومعظمهم عادوا من المنفى. وبالتالي ان مصلحة روسيا لا تعني لهم أي شيء، كما لا تهمهم مصالح دول أخرى، فهم يعملون لنشر الثورة في العالم بأسره…
وأنهي مع رأي المؤرخ نورمان كانتور Contor انه حتى سنة 1950 لعب اليهود دوراً هاماً لا يقدر في الاتحاد السوفياتي والعالم لنشر الفكر الماركسي، رغم انكارهم ذلك بحجة التمييز العنصري والسامية.
إقرأ في الحلقة المقبلة :
لماذا تضطهد الولايات المتحدة المسيحية ؟؟