بقلم بيار سمعان

اطلقت مؤخراً الدعوة لعقد اجتماعات بين اطراف النزاع في سوريا على امل ايجاد حل سياسي للازمة التي دامت حتى اليوم 5 سنوات.
فهل تتجه الازمة السورية نحو الحل ام انها تسير نحو المزيد من التعقيد والتأزم؟؟
ربما العودة الى البدايات ومتابعة التطورات تسمحان بفهم اعمق لما يجري على الساحة السورية اليوم.
نتذكر جيداً ان انطلاقة «الربيع العربي» كما جرى الترويج له في الاعلام آنذاك، قابلها تسمية اخرى صدرت عن الادارة الاميركية واطلقتها كونداليزا رايس عندما تحدث عن «الفوضى الخلاقة».
منذ البداية تبين وجود تضارب في ارادة الشعوب العربية والرغبة في السير نحو انظمة ديمقراطية، بينما هدفت السياسة الاميركية الى خلق حالة من الفوضى، لا نزال ننتظر لمعرفة ماذا سيولد عنها.
نتذكر جيداً التبدل الذي ادى الى الاطاحة في نظام «العقيد معمر القذافي» في ليبيا، وتغيير الحكم في تونس والاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك بعد ان قضى سابقاً على صدام حسين في العراق..
تبدلات جذرية ابعدت حكام لكنها بالواقع لم تعالج الازمات السياسية والاقتصادية ولم تقرب هذه البلدان نحو الديمقراطية، اذ لا تزال الاوضاع في هذه الدول متفجرة، او قابلة للتفجير، دون سابق انذار.
الوضع السوري، بدأ بمظاهرات تطالب بتغيير النظام ومشاركة الاكثرية «السنية» في الحكم واستبعاد حكم العائلة (آل الأسد) وتبني  نظام اكثر شفافية وديمقراطية وتمثيل اجتماعي. وانقسم المجتمع السوري اولاً الىاكثرية سنية تعارض الحكم العلوي، وبدأت مظاهر انشقاق في الجيش السوري، مما مهّد لانشاء «الجيش الحر». وتحولت المظاهرات السلمية الى اعمال عنف وخطف وتصفيات وردود فعل على كل عمل متطرف.
وفيما يتناحر السوريون، ظهر تنظيم «داعش» و«النصرة» ومجموعات اصولية مشابهة تسعى الى اقامة دولة الخلافة. وبسحر ساحر، استفادت هذه المجموعات من ضعف النظام في سوريا والعراق لتقتطع لها موطئ قدم. اطلقت عليه تسمية «دولة الاسلام» لذا فقدت المعارضة السورية بريقها بعد ان جرى تصوير «دولة الاسلام» السنية على انها مثال التطرف والارهاب ودولة القتل والذبح والتصفيات لجميع المكونات الاثنية والدينية التي تختلف عنها او ترفض مبادئها.
ويشاع ان دول خليجية موّلت هذه الدولة الناشئة لتضييق الخناق على حكم بشار الأسد.. تساؤلات عديدة طرحت حول نشأة هذاالتنظيم وتسليحه وتوفير تغطية اعلامية له، ولو بطرق سلبية..؟؟
وعلى اثر شدّ الخناق على حكم بشار الاسد وخسارة النظام لمساحات شاسعة من الاراضي السورية لصالح اخصامه، بدأ المشهد السوري يزداد تعقيداً مع دخول حزب الله وايران على خط المجابهة: ايران تريد ان تدعم حليفها خوفاً من انتقال العدوى الى الداخل، وحزب الله تحجج باتخاذ خطوات متقدمة لمواجهة التطرف السني خارج الاراضي اللبنانية.
بالطبع هناك اهداف اخرى تبلورت اكثر مع دخول القوات السورية بكل طاقاتها ومعداتها بحجة حماية حكم بشار الاسد، فيما الاهداف البعيدة لهذا التدخل الروسي له اكثر من تفسير. فقطر والسعودية مع الولايات المتحدة كانت قد خططت لتمديد انابيب الغاز مروراً بسوريا وتركيا لتزويد القارة الاوروبية بالغاز بدلاً عن الغاز الروسي الذي يزود معظم البلدان فيها.
وتحقيق هذا المشروع يعني دون شك توجيه ضربة الى الاقتصاد الروسي، خاصة ان روسيا والصين وايران قررت مجتمعة عدم التداول بالدولار الاميركي، وهذا يهدّد بدوره قوة الدولار غير المدعوم بالذهب بل يكاد ان يكون مفروضاًَ بالهيمنة العسكرية والقدرة السياسية والتبادل التجاري عالمياً بواسطته.
وتعقد المشهد السوري/العراقي مع عودة دول الحلفاء بقيادة اميركا الى الشرق الاوسط عبر بوابة العراق.
وبدأت طائرات الحلفاء تقوم بدور استيعابي لقوات داعش، كما قام الروس بتوجيه ضربات موجعة لهذه الدولة الاصولية، بعد ان دمرت الطائرات الروسية عدة مصافِ للنفط واسطول نقل البترول، ويعتبر الشريان الحيوي الداعم لاقتصاد «دولة الاسلام».
وهكذا تحول النزاع حول السلطة ومساعي تغيير النظام الى نزاع دولي واقليمي.
اليوم السعودية تستعد مع القوات العربية «السنية» للدخول الى سوريا ومحاربة الارهاب. مع العلم ان خلافاً حاداً هو قائم في تحديد هوية الارهاب.
بالنسبة للسعودية ان ايران الشيعية وحزب الله والحكم العلوي يمثلون معاً نقطة انطلاق الارهاب ومسبباً للظواهر الاصولية المتطرفة. وبالمفهوم الخليجي، يجب التخلص من النظام واقتلاع الوجود الايراني كمقدمة للتخلص من الموجة الاصولية السنية.
لكن لا يمكن ان نتناسي ان اقتلاع النظام السوري، يعني القبول بمد انابيب الغاز باتجاه سوريا.. وهذا ما سيوسع بالتالي رقعة الصدام في حال تجرأ العرب على الدخول الى الساحة السورية بشكل مباشر.
ان ما بدأ كحلقة من «الربيع العربي» على الساحة السورية يبدو الآن اكثر خطورة، ليس فقط على المنطقة بل على الأمن في العالم.
فالعالم اليوم يعيش حالة من الرعب من الارهاب، كما انه عاد الى العيش في اجواء الحرب الباردة، التي اذ ما سخنت، سوف تشعل حرباً عالمية دون شك.
pierre@eltelgraph.com