Pierre-Semaan

الشاب المراهق فرهاد جبار الذي اطلق رصاصات قاتلة على محاسب شرطة باراماتا وارداه قتيلاً هو عراقي كردي ولد في ايران وطلب اللجوء مع عائلته الى استراليا، حيث قدم له الوطن الجديد الامن والاستقرار والرعاية والتعليم والاحترام والحماية والانسانية وكامل الحقوق والمواطنة المطلقة.. كل هذه الامور افتقدها ككردي وكعراقي وكإيراني. لكن استراليا وحدها قدمت له كل هذه الميزات دون منّة او واسطة او اي مجهود شخصي.
ورغم كل ذلك حصل جبار على مسدس ووجه رصاصات قاتلة لشخص يجهله ولم يسبّب له اية مشكلة او ازمة نفسية بسبب انتمائه العرقي او الديني او نتيجة للاختلاف في الثقافة والاصول الوطنية.
فالسؤال الذي يردده كل مواطن في استراليا هو «لماذا اقدم فرهاد جبار على ارتكاب جريمه» لا مبرر ظاهر لها سوى الحقد الاعمى.
هل يعاني من ازمة نفسية بسبب معاناة سابقة؟ هل اسيء اليه في طفولته ليتحوّل الى الاجرام بهذه السهولة، ام انه يعيش في اجواء عائلية مفككة تعاني بدورها من آلام الماضي وازمات الحاضر؟ ام انه وقع ضحية تثقيف متطرف، وهو الشاب المراهق الذي بدأ يطرح اسئلة كونية ووجودية. فجاءه الجواب من مجموعات اصولية ترى في غير المسلمين عدواً، وفي الشرطة استعماراً، وفي قوانين البلاد استعباداً وفي نمط الحياة الاسترالية كفراً…؟؟ واللائحة قد تطول…
ربما تكون الحادثة بحد ذاتها غير مهمة. فالقضية اقتصرت على الشاب المراهق الذي اطلق الرصاص على شخص مجهول وارداه قتيلاً قبل ان يقوم شرطي «مجهول» باطلاق الرصاص عليه ويقتله.. هذه الاحداث تقع يومياً في شوارع مدن العالم. وغالباً ما يقوم مهووس باطلاق الرصاص العشوائي في الشوارع اوالمدارس والمطاعم ويقتل العشرات قبل ان ينتحر او يقتل…
حادث باراماتا هو مجرد اشكال بسيط.. وتعود  الحياة الى مجاريها.
من يروّجون لهذا الرأي او لآراء مماثلة يجهلون خطورة ورمزية ما جرى ومدى انعكاساته المستقبلية على نوع العلاقات بين المواطنين ، خاصة انه ليس الاشكال الاول الذي يدفع بعض المسلمين للوقوف في وجه القانون والسلطة ومفاهيم الانتماء الوطني وفلسفة التعددية الثقافية التي تمارسها استراليا!!
ان يوجه انسان سلاحه، دون  سبب مبرر، شخصي ، نحو آخر ليقتله فقط لأنه يختلف عنه في العقيدة والعرق والانتماءهو مجرد ارهاب يرفض من خلال جريمته قبوله بالبلاد ومن فيها وكل ما ترمز من مشاعر وطنية وثقافية وانسانية. ورمزية هذا الحادث وما يعنيه بالمفهوم القانوني والبعد السياسي وبعد طول التأمل والمشاورات المحادثات  دفعت رئيس الوزراء تيرنبل لأن يصف فرهاد جبار انه شاب مراهق غرّر به اصوليون متطرفون في آرائهم السياسية، محذراً من يروّجون للكراهية والتطرف انهم يسيئون الى ازدهار وتطور الامة.
وللمرة الاولى يعلن رئيس وزراء استراليا موقفاً متقدماً قد يكون اخطر من حادثة اطلاق الرصاص في باراماتا اذ قال حرفياً: «لا احد هو ملزم بالعيش في استراليا… فان رأيتم ان القيم الاسترالية هي غير صالحة بالنسبة لكم ولا يمكن اعتمادها في حياتكم، فيوجد عالم شاسع في الخارج، ولهؤلاء كامل الحرية بالانتقال اليه…» ووصف تيرنبل ما جرى انه لا يعكس «الحلم الاسترالي» وعلينا ان نحترم بعضنا البعض وان نحترم بلدنا  والقيم التي نتشارك لأنها جعلت استراليا افضل بلدان العالم.
لا يمكن النظر الى هذا الموقف  انه صادر عن رئيس حزب محافظ، لأن زعيم المعارضة بيل شورتن اثنى عليه، وصرح نهار الجمعة الفائت قائلاً: «ان من يكره استراليا عليه ان يغادرها».
دعوتان موجهتان بالتحديد الى المسلمين خاصة مَن يرفضون التكيّف داخل المجتمع الاسترالي ويعتبرون استراليا وطنهم النهائي، بعد ان نبذتهم اوطانهم الأم.
وكان رئيس الوزراء السابق طوني آبوت قد دعا الاستراليين عامة والمسلمين خاصة الىاختيار استراليا والانضواء في حزبها والتخلي عن الارتباطات الخارجية. لأن عكس ذلك سيدفع المجتمع للنظر اليهم وكأنهم خوارج لا صلة لهم في الوطن الذي وفّر لهم الرعاية والحياة الكريمة دون ان يسأل عن معتقداتهم وخلفياتهم الثقافية.
في السابق، وفي اكثر من مناسبة دعوت الاخوة المسلمين ان يأخذوا المبادرة في نبذ التطرف وادانة الارهاب، ليس من باب التمثيل ، بل اقتناعاً منهم بضرورة حماية الداخل الاسترالي من تأثيرات الخارج المتطرف؟…
لحسن الحظ بدأت تظهر اصوات ولو محدودة تدين العنف وتنبذ التطرف وتدعو الى اختيار «حزب استراليا».
وقد يكون منتدى «الجامعيين العراقيين من اوائل الجمعيات التي ادانت الارهاب واقامت ندوات توعية حوله. كذلك دعا الدكتور جمال الريفي في اكثر من مرة الى الوفاء لاستراليا والالتزام بها  ورفض ظاهرة العنف وتلقى تهديدات بسبب مواقفه
وبدأت اصوات جديدة تظهر ومواقف تتبلور. فدعت جمعية الاحباش (المشاريع)  الاسبوع الماضي الى مواجهة الارهاب وطالبت المسلمين ان ينظفوا بيوتهم من المتطرفين كذلك دعا القدومي، إمام مسجد باراماتا، من يرفضون القيم الاسترالية ان يغادروا البلاد. وآمل ان يتحد الطيبون والعقلاء ويؤسسوا حركة لمواجهة العنف ومكافحة الارهاب وتوعية المواطنين حول خطورة التطرف(؟؟)
وحده مفتي استراليا الدكتور ابراهيم ابو محمد رفض اعتبار حادثة باراماتا انها عمل ارهابي «لأنه يحتاج الىالمزيد من الادلة».
ان عدم الاعتراف بالخطأ يعني امران: التشبث بالخطأ لأننا لا نرى فيه عيباً أو الاعتراف غير المباشر ان الجاني هو على حق، حتى ولو قتل وارتكب الجرائم ضد ابرياء.
أتساءل مع كثيرين: هل حقيقة يعمل بعض المسؤولين في استراليا لصالح المسلمين في هذه البلاد، ام انهم يجافون الواقع عن طريق رفض المسؤولية والاعتراف  بالخطأ؟؟
وما موقف مفتي استراليا من دعوة رئيس وزرائها تيرنبل وزعيم المعارضة شورتن «ان من لا يحب استراليا ويحترم قوانينها ومثلها… عليه ان يرحل..؟ انا اللبناني المسيحي لا ارغب برؤية جاري المسلم يتعرض للاضطهاد والتهميش بسبب مواقف بعض مَن يمثلون المسلمين في استراليا.