Peirre Samaan2

بقلم بيار سمعان

استراليا هي الآن آخر اكبر دولة ناطقة باللغة الانكليزية رفضت تشريع زواج المثليين، ويعود الفضل بذلك الى رئيس الوزراء طوني آبوت، الذي تعرض لضغوطات هائلة من داخل الحزب وخارجه ومن وسائل الاعلام.. لكنه تمسك بقناعاته الشخصية واقنع زملاءه ان هذا المشروع هو غير اخلاقي وليس صالحاً من الناحيتين الاجتماعية والانتخابية لأنه غير مقبول شعبياً بعكس ما يروجّ له في الاعلام.

وذهب آبوت ابعد من ذلك، فنزع قضية زواج المثليين من يد رجال السياسة ليطرحها على الشعب ليقرر ماذا يريد؟؟

باعتقادي ان آبوت وجه ضربة قاضية لأنصار زواج المثليين عندما هدّد بنزع هذه القضية من اياديهم واعادها الى الشعب الاسترالي، وهو المصدر الاساسي لكل تشريع. وفي هذا القرار دلالات عميقة للغاية يبدو انها غير مجهولة لدى آبوت ولدى العديد من اعضاء الإئتلاف، وربما بعض العمال والمستقلين الذين يؤمنون ان الزواج الطبيعي هو بين رجل وامرأة بغية انجاب الاطفال وانشاء عائلة وان عكس ذلك ليس زواجاً، بل مجرد علاقة جنسية، وقد تكون «شاذة» .

ما لا يدركه عامة الناس هي الاسباب الخفية وراء طرح موضوع زواج المثليين على الصعيد العالمي، وما هي الدوافع الحقيقية لمحاولة تطويع الاكثرية ارضاءً للاقلية ومن يريد ان يفرض الشاذ علىانه امر مألوف وان يطبّع ما هو غير طبيعي؟

(في 17 و19 حزيران نشرت حلقتين حول مدرسة فرانكفورت والاسباب التي دفعت الغرب للقبول بزواج المثليين…» ويمكن لمن يهمه الامر العودة اليهما على شبكة التلغراف الالكترونية).

لا يمكن التكهّن بنتائج الاستفتاء الذي يطرحه آبوت، غير ان رئيس الوزراء وجه ضربة قاضية لحزبي العمال والخضر ولجميع المروجين لزواج المثليين.

لقد سعى حزب العمال الى تحقيق فوز على الإئتلاف بعد كل الخضات التي مرّ بها منذ سنوات. وكمعارضة لا يستطيع العمال انجاز الكثير سوى توجيه الملاحظات والانتقاد ومحاولة تسجيل نقاط ايجابية لصالحه في حلبة الصراح السياسي.

لو سعى العمال الى تبني هذه القضية (زواج المثليين) عملاً بمبدأ الدفاع عن حقوق الطبقة المغبونة والمظلومة والمضطهدة، بعد ان صور المثليون والاعلام معهم انهم يعانون من الاجحاف والظلم والتمييز العنصري. .. فهب  العمال والخضر للدفاع عن هؤلاء الذين تُقدر نسبهم 2 بالمئة من عدد سكان استراليا.

ودعم هذا التحرك النواب الذين ينتمون الى فئة   المثليين او لديهم اقارب واصدقاء او مصلحة انتخابية في طرح هذا الموضوع.

غير ان طرح موضوع الاستفتاء سحب كل الاوراق والدوافع والمصالح من يد رجال السياسة واعادها الى «الاكثرية الصامتة» التي تقرر كيفية تحديد الزواج لا ان تُقرر اقلية «مشبوهة» عن عامة الشعب..!!

والاستفتاء يعتبر ايضاً ضربة للمثليين انفسهم الذين يسعون الى فرض مشيئتهم وطرق عيشهم على عامة الشعب بحجة المساواة والحرية والانصاف ومعالجة كل نواقص الاحباط والشذوذ لديهم على حساب «الأكثرية الصامتة».

ولا ننكر دور وسائل الاعلام المتحيز لصالح المثليين اذ اتصفت معظمها بقلة الموضوعية والدعم الصريح لزواج المثليين. ولقد رفضت قناتين  تلفزيونية تجارية بث اعلان يدعو المواطنين للتفكير ملياً بالانعكاسات السلبية المستقبلية على تشريع زواج المثليين.

ومعظم الاعلاميين في البث والتلفزيون والصحافة المقروءة والالكترونية انطلقوا من الفرضية ان اخصام تشريع زواج المثليين هم محافظون، تقليديون ومؤمنون وربما هم مجموعة متزمتة وعنصرية ومتطرفة في العقيدة والايمان والسلوك.. كما صدقوا الارقام التي صدرت عن بعض الاستطلاعات التي اوحت ان معظم الناخبين في استراليا (70 الى 75 بالمئة) يفضلون زواج المثليين ولا يمانعون تشريعه.

لكن يجب لفت النظر ان نسبة 72 ٪ التي حصلت عليها احدى المؤسسات قام بتمويل الاستقصاء فيها جمعية المساواة في الزواج التي تدعم زواج المثليين. واجرى الاستطلاع قبل 12 شهراً وكانت النتائج الصحيحة 48 يؤيدون زواج المثليين.

الحقيقة قد تكون مناقضة لما يروج له دعاة زواج المثليين.

في مطلع الاسبوع الماضي قامت مؤسسة Sexton للتسويق باستطلاع واسع ووجدت ان موضوع زواج المثليين حلّ في المرتبة 13 في سلم اولويات المواطن الاسترالي.

وفي دراسة عالمية اخرى اجريت على معظم بلدان العالم ، حل الارهاب في طليعة القضايا المقلقة التي تثير اهتمام المواطن الاسترالي. فالأمن والعمل والاقتصاد هي اهم من زواج المثليين بنظرهم.

وباعتقادي ان هذه النتائج تدحض ادعاءات انصار زواج المثليين، لأن اسهل وسائل التكاذب الاعلامي هو عن طريق التلاعب بالارقام.

وتكرار الكذبة يجعلها قريبة من الحقيقة في اذهان عامة الشعب، مثل محاولات تطبيع لزواج المثليين اليوم.. انه مجرد كذبة كبيرة باسم العدالة والمساواة.

لقد ادرك طوني آبوت حجم هذه الكذبة ومخالفتها للطبيعة والشرائع وعلم ان الاكثرية الصامتة من الشعب الاسترالي تفضل عدم تعديل القوانين.

لم يشأ آبوت ان يمنح ايضاً فرصة لحزبي العمال والخضر لكي يحققوا مكسباً سياسياً ويفرضوا واقعاً جديداً يتعارض مع تطلعات الشعب الاسترالي ومع الاعراف والطبيعة والدين، فهو يعلم حق المعرفة ان معظم الكاثوليك  والارثوذكس والمسيحيين بشكل عام (63 بالمئة من الشعب الاسترالي  اعلنوا مسيحيتهم خلال احصاء 2011) ويدرك ان المسلمين والبوذيين  ومعظم الجاليات الاثنية يولون اهمية قصوى للعائلة والمثل الاخلاقية.

ان موقف آبوت المتشدّد يعكس برأي حقيقة الموقف لدى عامة الاستراليين. فجاء موقفه المتشدد ضربة معلم وفي المكان الملائم.

ملايين من المواطنين من اصول اثنية ودينية وحتى ملحدة لن يقبلوا قراراً سياسياً يعيد تحديد مفهوم الزواج ارضاءً لأقلية داخل المجتمع. هؤلاء الملايين لهم كامل الحق الا يُساء الى مشاعرهم ومعتقداتهم وانماط حياتهم.

المعضلة التي يتجاهلها انصار المثليين هي موقع ومصير الاطفال في بيئة مثلية. لأن كل اطفال العالم يحتاجون الى اب وام ولا بديل لهما.

ويصعب ان يوفر زواج المثليين بديلاً عنهما.

لقد سقطت كل طروحات انصار المثليين على امل ان يستيقظ هؤلاء من غيبوبتهم.

اختم لاعبر عن مشاعر ملايين المواطنين واقول:

شكراً، طوني آبوت