بقلم بيار سمعان

{ «الثورة الدينية» داخل الاسلام والتي دعا اليها رئيس الوزراء السابق طوني آبوت اثارت ردود فعل كثيرة، خاصة ان هذه الدعوة جاءت من شخص مسؤول وغير مسلم.
واعتبر البعض ان هذا فيه تدخل في شؤون المسلمين، وان آبوت يجهل التاريخ والقرآن والفقه، حتى ولو كان من اهل الكتاب.
وحاول البعض تسجيل نقاط اساسية على حساب رئيس الوزراء، متناسين ان تنظيمات اسلامية ارهابية مثل داعش وبوكو حرام وتنظيم الشباب والقاعدة استقت عقيدتها التكفيرية واجتهادات وفتاوى بعض الائمة الذين خلقوا ارضية ثورية تجمع حولها الثائرون في الاسلام.
كما تناسى البعض ان تنظيم داعش او «دولة الخلافة الاسلامية» قد قسموا العالم الى قسمين: مسلم وكافر، وهم يؤمنون مقتنعين ان عليهم رسالة تقضي باسلمة العالم، ولم يخجل هؤلاء بالتهديد بذبح بابا روما الذي صلى مؤخراً في احد مساجد اسطنبول ليؤكد للعالم ان عبادة الله الواحد الاحد تربط بين الديانات التوحيدية ولا فرق بين مسلم ومسيحي وغير مسلم امام مجد وحكم الله ومحبته…
كذلك لم يخجل قادة داعش من تهديد العالم باسره، خاصة اوروبا واستراليا والولايات المتحدة، وتعهد هؤلاء انهم سيرفعون راية الاسلام في روما وباريس ولندن وواشنطن… وحيال هذه التهديدات لم يتجرأ اي مسلم مسؤول او غير مسؤول من الرد على هذه المواقف التي تسيء الى الجميع وليؤكدوا ان الاسلام وهو عكس ذلك. ولا يدعوا الى جز الرقاب والقتل واباحة الدماء والمتاجرة بالسبايا وطرد غير المسلمين من اراضيهم.
ومفتي استراليا لم يسمح لنفسه ان يدين الهجمات الارهابية في باريس بل حاول ايجاد مبررات لها وكأنه لا يعيش في مجتمع تعددي هو يطالبه بالمساواة والاحترام والانصاف، ولا يرغب ان يكون منصفاً ولو لمشاعر ومخاوف غير المسلمين من تهديدات داعش الارهابية.
ويتناسى بعض المسلمين الرسائل المصورة التي يرسلها مقاتلون استراليون في صفوف داعش اليوم، يدعون المسلمين للانتفاض. والقيام باعمال ارهابية في البلد الذي استضافهم. فعبدالله المير وابو خالد الاسترالي وغيرهم دعوا المسلمين في استراليا اكثر من مرة ان ينهضوا ويستيقظوا وان يبدأوا بمهاجمة الكفار قبل ان يهاجموكم.. وان يسارعوا الى نيل الاجر الذي وعدكم الله به (الشهادة). فقد حان الوقت ان يتصرف كل منكم ولو منفرداً. ويؤكد ابو خالد: الحمدلله ان الاسلام لا يقتصر فقط على الصوم والصلاة والزكاة بل على الجهاد ايضاً..».
فطوني آبوت، رئيس الوزراء السابق يدرك تماماً كيف يستند البعض الى الشروح والتفسيرات القرآنية ليبرروا ارهابهم وتطرفهم. وطوني آبوت يعلم جيداً ان التزمت والتطرف العقائدي المبني على الاحاديث والشروحات تدفع الشبيبة الاسترالية للسفر الى الشرق الاوسط والقتال من اجل ما يؤمنون به. كما يدرك آبوت انه يوجد في الداخل الاسترالي خلايا متطرفة نائمة تريد الحاق الضرر بالبلد الذي استضافهم… كما يعلم طوني آبوت جيداً ان بعض المسلمين المتطرفين يكدسون الاسلحة والذخيرة للاستخدام في ساعة الصفر عندما يطلب اليهم ذلك، وفي هذا دليل واضح ان هؤلاء لا يكنون اية مشاعر ود لوطنهم الثاني استراليا.
كما تدرك المخابرات الاسترالية ان مجموعات متطرفة اسلامية تخبىء الاسلحة في المزارع المنتشرة حول سيدني، مزارع خاصة بهم او بآخرين، ولكن دون علم اصحابها…!!
باعتقادي ان دعوة آبوت يجب ان ينظر اليها كدعوة للتعقل ونبذ العنف والتطرف وعدم الانجرار في مشاريع ومؤامرات كونية لا يحسب فيها للافراد اي حساب عندما تنتهي ادوارهم.
من هذا المنطلق تأتي دعوة آبوت ليس فقط لنبذ التطرف بل للانفتاح على الآخرين والقبول المطلق بهم. وبالتالي التخلي عن احلام اسلمة العالم ورفع رايات داعش هنا وهناك، لان داعش وجد بارادة سواه ويقاتل بسلاح الآخرين ومصيره يتوقف في آخر المطاف على مدى السماح له ان يبقى على قيد الحياة لان صاحب القرار هو خارج الحدود.
لست اسعى الى تبرير طوني آبوت، لأنه ليس الاول الذي يطالب بإجراء تحديث للاسلام. فقد ظهرت هذه الدعوة بين المسلمين انفسهم قبل ان يستنتجها طوني آبوت ويصل اليها نتيجة لخبراته واطلاعه على خفايا الامور…
فقد ظهرت العديد من الحركات الفكرية التي وصفت بانها ليبرالية اسلامية حاولت اصلاح فهم المسلمين للاسلام، يؤمن هؤلاء بالمبادىء الاساسية للاسلام والعقيدة الاسلامية واركان الاسلام الخمسة مع التحفظ حول كيفية تفسير وتطبيق القيم الاسلامية. ويركز هؤلاء على استقلالية الفرد في تفسير وفهم القرآن وعلى الجانب الاخلاقي دون التركيز على التفسير الحرفي للقرآن. وقد يكون لهذه المجموعة بعض الاسس في التقاليد الصوفية والتصوف الاسلامي.
وينتقد المسلمون الليبراليون افعال وعقائد المتطرفين المسلمين وظاهرة الارهاب.
وقد يختصر الكاتب والمفكر المعاصر اسلام البحيري هذا التيار عندما اعلن في مداخلة مباشرة مع عمر اديب في حلقة حول الارهاب، اذ قال: يجب ان نواجه بصراحة كل الامور… ان اصل الداء ليس ارهاباً ولا سلفاً ولا وهابياً… انه موجود في الكتب القديمة (الاربعة) التي يوهم بعض رجال الدين انها كتب لا تخطىء لأنها علم، وداعش تطبق الذي في الكتب، وهي (اي الكتب) فسرت آيات القرآن ان العالم (غير المسلم) هو كافر وعلى المسلمين ان يقتلوا الكفار. فقتل الرافضين (شيعة ودروز وعلويين…) هو واجب، كذلك قتل المشركين والضالين (مسيحيين ويهود).
ويقول اسلام البحيري ان الاحاديث المكذوبة التي نسبت للرسول والتي يمنع المس بها بالحاح الأئمة هي اكبر خطر على الاسلام.. فالقرآن يقول عن النبي انا ارسلناكم رحمة للعالمين، وليس فقط للمسلمين. وخلص اسلام البحيري انه لا يوجد اي دين في العالم مهيأة لارتكاب اعمال ارهابية الا الاسلام بسبب الكتب الاسلامية الاولى. ويدعو البحيري الازهر الى رفضها، وبالتالي الى تحديث الاسلام من الداخل واعادته الى اصوله الالهية المتعالية التي تقبل وتحترم وتبارك الآخرين.
الشيخ علي عبد الرزاق وهو من فقهاء الازهر كتب حول «الاسلام واصول الفقه»، وقال بكل بساطة: «لا يوجد اي شيء في الاسلام يدعى خلافة، كما لا ويجد ما يدعى بوسائل الحكم في الاسلام…».
وفي رأيه هذا يدحض ادعاءات داعش انها تبني دولة الخلافة الاسلامية.
ويستنتج اسلام البحيري ان الكتب الاولى هي «لعنة حلت على الاسلام نفسه وعلى العالم كله..» ودعا رجال الدين الى التخلي عن سياسة التدليس والكذب لاننا في ازمة عالمية قد تقضي على الجميع…
المئات من المفكرين الاسلاميين يدعون صراحة الى اعادة النظر في بعض النصوص وتفحصها بشكل حيوي بدلاً من الاعتماد على السوابق الاسلامية التقليدية التي اصبحت لا تتماشى مع ذهنية وحياة ومتطلبات العصر، وقد انتهت مفاعيلها مع قيام الاسلام.
اما اهم القضايا المثيرة للجدل لديهم فيمكن ايجازها كالتالي:
– عدم التزام القوانين الاسلامية القراءات الحرفية لآية واحدة بل الالتزام بروح القرآن التي تسعى الى الخير العام.
ويعترض هؤلاء على اعتماد الحديث لأن معظم الشريعة الاسلامية التقليدية مستمدة منه بدلاً من النص القرآني.
حقوق الانسان: رغم ايمان الليبراليون ان الاسلام يحفظ حقوق الانسان، غير ان التفسيرات التقليدية التي تسمح بملك اليمين واشكال العبودية والرق تتعارض مع المبادىء الاسلامية المبنية على العدالة والمساواة. وان ما كان يطبق في العصور الاولى للاسلام لا يمكن التمسك به اليوم.
ويشدد هؤلاء على اهمية المرأة ومكانتها في الاسلام والادوار التقليدية للجنسين ويعارضون مبدأ تعدد الزوجات لأن فيه انتقاص لاهمية المرأة الزوجة والام والمربية.
ويؤيد الليبراليون العلمانية الديمقراطية واعتماد التسامح واللاعنف مع الاخرين. كما يتطرق هؤلاء الى مواضيع الميراث في الشريعة الاسلامية وعدم اعتبار الحج كفريضة دينية. ويدعون الى فصل الدين عن الدولة وبالتالي انهم يعارضون فكر «الاسلام السياسي».
اردت ان اتطرق باختصار الى هذا الجانب الذي يتطرق الى اهمية الاصلاح الديني داخل الاسلام، لادعو من اعترضوا على رئيس الوزراء السابق طوني آبوت ان يطرحوا اولاً ردودهم على هذه الطروحات الصادرة من مسلمين يؤمنون بالكتاب ويتلزمون به.. مع تحفظ.
لقد شبع العالم دماً وقتلاً باسم الله، وسئم الله رؤية الابرياء يقتلون دفاعاً عنه، وهو غاضب للمتاجرة باسمه العلي.
اشارك اسلام البحيري قوله: كفى تدليساً وكذباً… نحن في ازمة عالمية يمكننا اليوم اطفاء فتيلها.. والا فانها سوف تدمر الجميع.