بقلم : الإعلامية والكاتبة

علا بياض ـ سيدني

فرضت سوريا سيطرتها على لبنان، منذ نهاية الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 وحتى عام 2005. فبعد 16 عاماً على إنسِحاب الجيش السوري من لبنان، عجزت المحكمة  الدَّوليَّة من الوصول الى تفاصيل إغتيال الرَّئيس اللبناني الأسبق الحريري، رغم ان جميع أصابع الاتِّهام  تشير ضد بشار الأسد وحسن نصر الله. الانْسِحابُ  السوري كان في أعقاب اِنتِفاضة 14 آذار 2005، “ثورة الأرز” ردا على إغتيال الرئيس الحريري.

لقد دفع لبنان ثمن سيطرة نظام الأسد وحزب الله، وهذا كان وراء وضع لبنان في حلقة مفرغة  وأنْ   يعيش دوامة أزمة غير مسبوقة عبر التاريخ، فرغم إنسحاب الجيش السوري، فإن حزب الله واصل العمل بالوكالة، ليتحول حزب الله الى”عصا” بدواليب السياسة اللبنانية وصنع القرار. لقد اِنتَزَعَ حزب الله القرار اللبناني، وأصبحت دمشق هي عاصمة القرار. وبسبب حزب الله، خسر لبنان قراره السيادي، وخسر ايضا الأطراف الدولية والأقليمية الداعمة له. دمشق وحسن نصر الله هي من تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان.

ترجِّيح فرضية الدور السوري في لبنان في مرحلة مقبلة

يسعى النظام السوري لإستَعادَ نفوذه في لبنان لتعزيز شرعيته السياسية، واِستيعاب الضغوط الإقليمية والدولية المتصاعدة، ويرتبط ذلك بمحاولات “حزب الله” ضمَّ لبنان للمحور الإيراني في الشرق الأوسط، وتلميحات أمين عام الحزب “حسن نصر الله” بأن مصلحة لبنان تتطلب وجود علاقات وثيقة مع النظام السوري، وأن الحزب هو الضامن لعدم عودة الوصاية السورية إلى لبنان، بهدف إزالة مخاوف اللبنانيين من إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري.

ويواجه النفوذ السوري في لبنان عدة عوائق تعرقل الإختراق السوري للداخل اللبناني، يتمثل في: الممانعة المحلية، ورفض التيارات الرئيسية للدور السوري في لبنان، وتصدي الفاعلين الإقليميين والدوليين لمساعي النظام السوري لمنع إيران من الهيمنة على لبنان، بالإضافة إلى إستنزاف  الحَرْبُ الأهلية لقدرات النظام السوري، وعدم امتلاكه الموارد التي تؤهله لممارسة نفوذ واسع النطاق في لبنان.

فعودة العلاقات السورية اللبنانية الى طبيعتها باتت ضرورة حتمية بالنسبة لحزب الله في ظل تزايد حجم الضغوطات الداخلية والخارجية عليه ، وسط مخاوف الحزب من نجاح مشروع قطع طريق” طهران بيروت “من الجانب السوري والذي بدأ العمل عليه .

كان الحصار الذي عانى منه لبنان بمثابة حرب، حيث فُرَّض  حصار مالي بسبب حزب الله، وتسببت الحرب السورية بإبعاد لبنان عن محيطه، وعن محيطه العربي. وقد وصُفت أزمة لبنان  الاقتصاديَّة بأنها واحدة من أقسى الأزمات التي شهدها العالم منذ عقد الخمسينيات من القرن التاسع عشر.

وعن العلاقة مع سوريا، قال الرئيس عون، إن سير الأحداث الطبيعي يحتّم عودة العلاقات مع سوريا وبعدها جاء الطلب خلال زيارة رسمية لدمشق شكلت نهاية لأكثر من عقد من العلاقات الفاترة بين الجارتين، عقب إندلاع الحرب الأهلية السورية في عام  2011.

و طلب الوفد الحكومي اللبناني من الحكومة السورية، السماح للغاز الطبيعي المصري والكهرباء الأردنية، بالمرور عبر أراضيها، من أجل تخفيف أزمة الوقود التي أصابت لبنان بحالة من الشلل . ووصفت وسائل الإعلام الرسمية السورية الزيارة الرسمية بأنها “ذوبان للجليد و(تعيد إحياء) العلاقات” بين البلدين.

الحرب السورية وتداعياتها على لبنان

أثرت سلبا الأزمة السورية التي أندلعت في 2011 على اقتصاديات الدول المجاورة لهذا البلد في منطقة المشرق العربي مثل الأردن والعراق ولبنان التي عرفت ارتفاعا في نسبة الفقر والبطالة فضلا عن تعميق نسبة الديون وتراجع مستوى الخدمات العامة.

وأظهرت التقارير أن النزاع السوري لم يتسبب فقط في إثقال كاهل ديون دول المنطقة، بل أدى أيضا إلى تراجع النمو الاقتصادي السنوي بنسبة 1,2 بالمئة في العراق و1,6 بالمئة في الأردن و1,7 بالمئة في لبنان.ولم يتوقف التأثير السلبي للأزمة السورية عند هذا الحد، بل أدى أيضا إلى ارتفاع نسبة البطالة بـ7,1 بالمئة في لبنان و6 بالمئة في العراق وبـ3,9 بالمئة الأردن . إضافة إلى تدهور سوق العمل في الدول الثلاث على وقع صدمات اقتصادية” تزيدها تعقيدا بيئة جيوسياسية إقليمية معقدة للغاية

وشهد الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة تراجعاً حاداً، مسجلاً نمواً بالكاد بلغ 0.2%، عام 2018، بحسب صندوق النقد الدولي.وارتفع الدين العام إلى 86 مليار دولار، أي أكثر من 150%، من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم بعد اليابان واليونان.

وتزامن الانهيار المتسارع لليرة السورية مع تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي وكثرت السيناريوهات التي أدت إلى أزمة تذبذب وفرة الدولار في لبنان، من بينها ما كشفته وكالة الأنباء المركزية اللبنانية، عن أن “شبكة منظمة مؤلفة من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وجنسيات آخرى مقربة من النظام السوري، تُقدم على عمليات غير سليمة بسحب الدولار من أجل تحويله وتهريبه  عبر  المعابر غير الشرعية من وإلى سوريا.

وترافق الانهيار المالي المتسارع في لبنان مع أزمة وقود حادة  واصطفت السيارات في الشوارع للحصول على الكمية المسموح بها من البنزين، أي ثلث خزان السيارات ، حيث  تتم عملية التهريب  على طول الحدود التي تمتد مع سوريا  ولبنان ويتم التهريب من الطرفين ونقل المخدرات والأسلحة والمواد الغذائية والبشر. ولكن الجهود لوقف عمليات  التهريب  إلى سوريا ليست ناجحة بسبب الحدود المتداخلة  بين البلدين  وجغرافيتهم الصعبة تعرقل مكافحة  التهريب .

تداعيات ازمة اللاجئين السورين على لبنان

مع حلول عام 2015، دخل أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجَّل إلى لبنان، فيما تشير التقديرات الرسمية إلى أن عددهم يفوق 1.5 مليون لاجئ أي ما يزيد على ربع تعداد سكان لبنان المقدَّر بـِ 4.3 مليون نسمة. وقد أثرت هذه النسبة المرتفعة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد بشدة ودفعت إلى فرض قيود غير مسبوقة على دخول السوريين إلى لبنان في أواخر عام 2014. ونتيجةً لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان، انحدر بحلول عام 2015 زهاء 170 ألف لبناني دون خط الفقر، وتضاعف معدل البطالة إلى نحو 20 في المائة مع حدوث خسائر اقتصادية بقيمة 7.5 مليار دولار تقريباً.3 وفي الوقت نفسه، فإن قرابة نصف اللاجئين السوريين فقط ناشط اقتصادياً، ويعمل ثلثهم في وظائف متدنية المهارات في الاقتصاد غير المنظم.

كما أن طبيعة استجابة المجتمع الدولي آخذة بالتغير، مع بدء الاستقرار النسبي لأعداد اللاجئين السوريين الداخلين إلى لبنان أواخر عام 2014، شرَعت الوكالات الدولية والحكومة اللبنانية في وقف المساعدات الإنسانية تدريجياً لصالح تنفيذ خطة تصدي تركز على التنمية وتستهدف اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة على حد سواء. و قد ضاعفت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان بالفعل المصاعب الاقتصادية على اللاجئ السوري والمجتمعات المحلية المضيفة بصورة غير مسبوقة، ودفعت زيادة الهشاشة الاقتصادية اللبنانية .

خلاصة

ما يجري على الحدود اللبنانية السورية  اليوم من تهريب وسرقة موارد وأموال اللبنانيين  الى سوريا هو نتيجة وجود خيانة لبنانية ، سوريا لم تنسحب أصلاً من لبنان بشكل كامل، ولديها جماعاتها التي تتحرك في المجالات كافّة، لكنّ تأثيرها ضعف كثيراً بسبب وضعها الداخلي وعدم قدرتها على إدارة ملفات أساسية نتيجها الضعف السياسي بعد الحرب الأهلية، والأهمّ في هذه القضية انّ حلفاء النظام السابقين أصبحوا تحت السطوة الإيرانية، ولم تعد  تملتك قدرة التأثير عليهم كما كانت في السابق. لكن يبقى لبنان الحلقة الأضعف والأخيرة في سلّم الأولويّات، لذا على اللبنانيين ان يحدّدوا ماذا يريدون بالضبط، واذا بقيت الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد اللبناني مختلفة الى هذا الحد، فسوف يستمر لبنان بحالة”الدولة الفاشلة” وممكن ان يقع تحت الوصاية.

وثمة حلول يمكن التعامل بها لمواجهة تداعيات الأزمة السورية على اقتصاديات دول المنطقة، منها : تنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة بدعم من الأسرة الدولية، فضلا عن تحسين شبكات الضمان الاجتماعي والخدمات الأساسية العامة المقدمة للسكان . المجتمع الدولي هو الآخر يمكن أن يساهم بتعزيز الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط عبر استراتيجية إقليمية بعيدة المدى تأخذ بعين الاعتبار مصالح  دول المنطقة وتعزز الروابط بين هذه الدول خاصة على مستوى الحدود. وهذه الرؤية تتطلب “جهودا مشتركة” و” تعاونا” بين جميع دول المنطقة للنهوض بالاقتصاد وتعزيز الأمن.