شوقي مسلماني

“أنا إبنة الجنوب اللّبناني وطبيعي أن أنشأ على حبّ المقاومة وأن أتنفّس مقاومة، والمقاومة هي حتى ولو بفكرة. والمرأة عندنا تتمرّد على الظلم، تربّي الأجيال على معنى الوطن والإنتماء إلى الوطن. حين كنت طفلة كم أرتعبت من تحليق طائرة أم كاي العدوّة فوق رؤوسنا. أن تحرِّر المقاومة الأرضَ شرفٌ كبير”.
هكذا تكلّمت مغنية البوب اللبناني ليال عبّود واثقة. وعندما سألتها متوسّعاً في شخصيّتها، وهي الموسومة من بعض الإعلام أنّها مغنية «إغراء وإغواء»، قالت، وكأنّي أيقظت فيها ما لم تشأ: «المرأة المغرية إنّما بذكائها، التي تستخدم عقلها وعندها الإنفتاح له حدود حمراء». وأضافت إنّها فنّانة يرعاها أهلها وأصدقاء و»موجودة شاء من شاء وأبى من أبى». وأبدتْ نقمة على «الصحافة الصفراء» التي تحاول أن تشوّه صورتها والتي «تجعلني أدفع مالاً لها ولا تنصفني كفنّانة عصريّة. استطعتُ أن أشقّ دربي وأن أترك بصمة فنيّة لا يُستهان بها. أنا أثابر ولا أردّ، وأردّ على الجرح بالتفهّم، وفي آن ناقمة، نعم، من شركات إنتاج ضخمة تحاربني في لبنان كما يحاربني فنّانون مشهورون، وأحد «ألبوماتي» تمّ توقيفه من قبل شركة «ميلودي للإنتاج الفنّي» بطلب من إحدى الفنّانات اللبنانيّات ومدير أعمالها”.
لم تشأ أن تذكر الإسمين، وقد لاحظتُ اندفاعها في ما تقول: «جوّ موبوءْ في الوسط الفنّي، ما حَدَا بيحبّ حَدَا، أو الخيرْ لَحَدَا. وتراكيبْ طرابيشْ قدّ ما بدّكْ»، وهذا ناتج عن «روح متدنية، روح حسد وغيرة نفوس مريضة بالغرور والطمع». وسألتها كيف هي تنجو في مثل هذه البيئة، قالت: «على رغم كلّ هذه الضوضاء استطعت أن أشقّ دربي، أنا دعمت حالي بِحالي، صنعت من الضعف قوّة كي أكمل المشوار”.
الفنّانة ليال عبّود تتحدّث بالفصحى والعاميّة وبأريحيّة، هي جامعيّة، شهدت حضورها ثلاث جامعات وهي «الجامعة اللّبنانيّة»، «الجامعة العربيّة» و»الجامعة الأميركيّة». ودرستِ الأدب الإنكليزي والموسيقى. تتّقن الترجمة، وتكتب الشعر. سألتها أن أعرض عليها خلاصة الحوار في الأخير، لتتأكّد وتوافق، لئلاّ يكون أثناء النشر خطأ، فرفضت، مع إنّها باستطاعتها أن تشكرني وتوافق، ولكنّ طبعها بعدُ يثق بالناس. وسألتها فقالت إن الصورة عموماً ليست بكلّ هذه الظلمة دائماً، بل وقف إلى جانبها كثيرون: «الله بَعتْلي ياهنْ بِحَياتي: بيّي وأمّي اللّي صلاتْها بِتْخلّيني واقفهْ على جْريّي. أنا بإيدي باخد إمّي وباخد بيّ عالحِكما والمستشفياتْ، هيدا من أولويّاتي، وألله بعَتْلي إيلي سابا وريتشارد نجم وسمير نخلة وطوني أبي كرم ووجيه خوري ومؤسسة الجيش، أنا مع الجيش، بحتِفِي بكلّ مناسبة للجيش، وحصلتُ على العديد من جوائز الجيش، عندي ضعف إتّجاه الجيش، عندي تعاطف، مودّة وإجلال للجيش”.
وزوجها كان في القوى الأمنية، وهي ذاتها كانت الأولى في دورتها التي ضمّت الاف الفتيات، وخاضت تجربة السلك العسكري، وعملت أكثر من سنتين ضابطة في مطار بيروت الدولي وأمن السفارات. «تركتُ سنة 2007 لأنّي في قوى الأمن الداخلي ممنوع أن أعمل عملا آخر، فكان لا بدّ أن أترك». وقد اتّسعت شهرتها الفنيّة انطلاقاً من الجنوب اللبناني، وانطلاقاً من منتجع الرحاب في زحلة. وفي سيرة حياتها أن أوّل إطلالة لها كانت من خلال «استوديو الفنّ» عام 2001 ـ 2002 عن فئة الأغنية الشعبيّة اللبنانيّة ـ منطقة الجنوب، وقبلها لها نشاطات في «مدرسة الكاثوليك ـ صور» و»ثانويّة الحاجّة مريم للبنات»، وتحدّثتْ عن المديرة الحاجة مريم بإعتزاز. وقالت إن حبّها للفنّ بدأ من البيت حيث الأخوة والأخوات جميعاً تقريباً يملكون أصواتاً جميلة وراثة عن الأم. «لم يكن برأسي أن أذهب للفنّ والشهرة، كنتُ أفكّر بالطبّ، وعندي حبّ الإطّلاع والمعرفة بالأشياء المجهولة، أن أنهل من بحر المعرفة الذي لا ينضب”.
وقالت إن الأسرة عاشت في السعودية عقوداً، وأغلب أفراد الأسرة ولدوا هناك، ولكنّها ذاتها ولدت في لبنان. أحبّت الأدب العربي الذي لم يشجّعها أحد عليه «لأنّه لا يوفّر عملاً في المستقبل»، ولم تكن جامعات للطبّ في جنوب لبنان، و»الأهل يخافون على البنت إذا انتقلت وحدها لتدرس في بيروت، فدرستُ الأدب الإنكليزي، وقد كنت الأضعف في هذه المادّة بالتحديد، ومع ذلك تفوّقت بها في الجامعة اللبنانيّة ـ كليّة الآداب ـ صيدا. وعندما كنتُ في مرحلة «الترمينال» كانت الفتيات تبحث عن فرص عمل، وكانت ثلاث فرص «مفتّش في المطار الدولي»، «مراقب مساعد بإدارة الجمارك» و»دار المعلمين»، وتقدّمتُ إلى إمتحانات الثلاث، ونجحت في الثلاث، وتخلّيت عن الجمارك والتعليم ودخلت قوى الأمن، و»قصر العدل» في النبطيّة يشهد إنّي سعيت إلى تطويره وتحديثة بالأجهزة مثل أشعة إكس وغرف التفتيش. لقد تركت بصمة في عملي الأمني أيضاً”.
وكم غنّتْ في آن في مطاعم جنوبيّة حتى مرّة، «وبعد اشتراكي في استوديو الفنّ، وكنت في مطعم الرحاب الشهير في زحلة، تغيّبت المغنية المعروفة بداعي المرض، وكنت حاضرة فطلبوني لأحلّ محلّها بالأجر العالي ذاته، وكانت سهرة ناجحة بإمتياز، وأثنوا جميعاً عليّ، وتوالت العروض، ولم أستطع أن ألبّي دائماً بسبب بُعدِ المسافات. وكم أحييت حفلات لليونيفيل. لم تكن مناسبة في الجنوب تخلو منّي تقريباً”.
وإذا ما كانت تعميها الشهرة قالت: «البعض تعميه الشهرة، أنا أتميّز بالبصر والبصيرة، إذا البصر أغراني وخدعني فإن بصيرتي ترجعني إلى الطريق القويم. أنا ما بتْغشْني المظاهر ولا تغريني، أنا من الناس، أنا من الشعب الذي أنتمي إليه أوّلاً وأخيراً”.
لها عدّة ألبومات منها: «في شوق»، «دنية عجايب»، «أحلى زفّة»، «مغنّج”، “أسمر يا بو عقال»، وتستعدّ لجديد «يغلب فيه الطابع الخليجي». وعن شرعيّة الغناء بأكثر من لهجة عربيّة قالت: «الفنّان يجب أن يكون شاملاً، لا للهويّة الضيّقة. الفنّ هويّتة الشمول، لا يكون الفنّان فقط لبناني أو فقط سوري أو مصري، بل يكون له طابع شمولي، يؤدّي كلّ اللهجات. ومثلاً سميرة توفيق غنّت «البدوي» وأبدعت، وصباح غنّت «المصري» أجمل من المصريين، وسعدون جابر غنّى «الخليجي» ونجح. أنا أجد نفسي بكلّ أغنية أشعر بها وتلامسني من الداخل بغضّ النظر عن لهجتها ولونها. أهدف إلى الإنتشار وأهدف إلى إكمال مسيرتي، فأنا عندي إنتاجات لا أستطيع أن أكون في منحى ضيّق. أنا لبنانيّة، ولبنان بالنسبة لي منبر الفنّ والشرارة الأولى، والجمهور اللبناني لا يُستهان به أبداً، ولكن على الإنسان أن يسعى لإيصال رسالته الفنية لأوسع إنتشار”.
وقالت واثقة إنّها مع الغناء ولو بلغة أجنبيّة، أي بلغة غير اللغة العربيّة، وقالت: «ذاتي غنّيت بالفرنسيّة أغنية وطنيّة لرئيس مجلس نوّاب ساحل العاج السابق «سورو غيلوم» الذي كان يحبّ اللبنانيين في إفريقيا ولطالما شجّعهم على ازدهار حقول الكاكاو كما شجّعهم في البناء والإعمار. أنا مستعدّة للغناء بالفرنسي وبالإنكليزي”.
ليال عبّود أيضاً تملك شركة إنتاج «ليالي بروداكشن» وشركة تعنى بتنظيم الحفلات والترتيبات الفنيّة، وعضوة في «نقابة الفنّانين المحترفين»، وتبرّعت بعائد حفلتين لها في المانيا وثالثة في لبنان للوقوف إلى جانب المنكوبين والمتضررين من الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا تحت حملة شعار «يداً بيد»، وعندها مكتب خدمات للتبرّعات وإرسال الأدوية والمساعدة في البحث عن وظائف، وتهتم بالأيتام، وتتمنى أن تكون سفيرة لذوي الحاجات الخاصّة. ولها رأي في شأن المرأة في عصر الحريّات، فقالت إن المرأة اللبنانيّة: «85 بالمئة تأخذ حقوقها، فالفضائيّات ووسائل التواصل الإجتماعي جعلتها «تْشُوفْ» العالم الأوسع، ما عاد عنّا نسوان مغفّلة، صار عند المرأة وعي لحقوقها، ترفض العنف المنزلي، وفي الزواج بيدها «العصمة»، والنساء في لبنان مديرات ورئيسات شركات مهمّة ومصالح كبرى، وتستأثر بقطاع الهندسة، ولدينا أوّل إمرأة في قيادة الطائرات الحربيّة، والمرأة في المؤسسات العسكريّة وفي البرلمان، وصارت تشتغل والرجل يساعدها في البيت وتربية الأطفال». لكن بعد هناك ما يجب إنجازه مثل حقّ المرأة أن تعطي جنسيتها لأبنائها.
وليال عبّود تحبّ اليوغا و»الإرتماء في أحضان الطبيعة»، والإعتناء بأهلها، وتقرأ لأحلام مستغانمي ومحمود درويش. وهي في زيارتها الأستراليّة بدعوة من المتعهّد المعروف نزار مايكل المتعاون مع رجل الأعمال غسّان كركي لإحياء حفلات في مدن أستراليّة تقول إن اللبنانيين هنا، كما لاحظتْ: «هم جزء من لبنان بكلّ معنى الكلمة لجهة العادات والتقاليد المحبّبة، فيما الوطن الأم الآن، ويا للأسف، كأنّه يطلق أنفاسه الأخيرة». وهي تطلق صرخة من الإغتراب للسياسيين اللبنانيين «أن يكونوا يداً واحدة وقلباً واحداً من أجل لبنان وشباب لبنان”. و»هي صرخة وجع، حِرقة وخوف»، على رغم إنّنا «لازمْ عَطُول يكون عنّا أملْ». أمّا عن أولى حفلاتها في «بلفيو ـ بانكستاون» ـ سيدني، قالت: «كانت مهرجان فرح وإبتهاج حبّ». ثمّ ضحكتْ، وأردفتْ بلهجتها الجنوبيّة الرقيقة والناعمة: «متلْ ما بيقولوا: أوّل طْلوْلُو شمْعهْ عَطُوْلوْ”.
وأسمعتني أخيراً ممّا كتبته شعراً: «انا امرأةُ الظلمة في إستحالة الأقدار \ انا أنشودةُ الحلم في لوحة تذكار \ انا تغريدةُ وجعٍ غناها الشوق بإنكسار \ أنا طفلةٌ يتّمَها الحب في بداية المشوار \ أنا لو تدري من أنا؟ \ أنا العمر الهارب من خارطة الإنصهار \ انا الدمع الجارف \ انا الحزن الجاحف \ أنا كبرياءٌ صارخٌ متمرّدٌ جبّار \ انا الليل لا بل نجمة الأنوار \ أنتَ ؛ أنا \ فلماذا يا سيدي، الإنكار؟ \ أُعجبتُ بحضرتكَ يا لهيباً من نار \ قتلتَ همسي في رفاتِ الدمار \ اما من عذرٍ لبراءة أفعالي من متعنّدٍ جبّار \ طاب لحكمهِ ظلمُ الاشرار \ جاب الحروب لسلامي \ أسَرَ شكوتي وختم الشجار \ فيا لإنسحابك من وقعتي \ ويا لهزيمةِ الثوار \ نسيتَ أن الغيمة تحمل في كنفها الأمطار \ وانّ الأرض تنبتُ بدل الأزهار إعصارْ \ وقد غاب عنك يا سيدي وعود الأطهار \ ففي منبت العشق تحيا أنثى \ وتموت ميتةَ الأخيار”.
Shawkimoselmani1957@gmail.com