حوار: بشرى محفوض

خطرت ببالي بدايةً قبل الولوج إلى موضوع اللقاء مع الرسامة السورية الشابة جولي قصيدة الشاعر العباسي الكبير أبو طيب المتنبي التي تحمل عنوان: ما كل ما يتمنى المرء يدركه. والذي يقول في أحد أبياتها:

ما كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ

والسبب في اختياري لهذا المقطع الشعري من قصيدة الشاعر الكبير، أن أحدنا قد يخطط لشيء ما في حياته، أو يخطط الأهل نيابةً عنه، بأن يصبح نجلهم محامياً، أو طبيباً، أو مهندساً، أو تاجراً أو حرفياً ماهراً، أو مدرساً يكون هدفه تربية الأجيال التي هي ستكون مدماكاً للوطن وركيزته الأساسية في بناء الحضارة. إلا أن هذه الأمنيات والأحلام سرعان ما تتلاشى أو تتغير وتصبح مجرد أحلام بسبب ظروف قاهرة أجبرته وعائلته على الرحيل، دون أن يكون له أي قرار، فالأهل بالتأكيد يحرصون على سلامة أولادهم، وتأمين حياة أفضل مستقرة وآمنة بعيداً عن الحروب التي طالت منطقتنا العربية، والتي زرعت الخوف في قلوب المواطنين، وجعلتهم يعيشون وسط ظروف قاسية. وهناك الكثيرون ممن يفكرون بطريقة إيجابية ويتأقلمون بشكل جيد وفعال مع الرياح التي اتت بهم إلى حيث كانوا لا يخططون بداية فأبناء الجاليات العربية من المغتربين في أستراليا، قدموا صورةً مشرقةً عن بلادهم الذين أتوا منها، البعض منهم جاء بقصد العمل أو الدراسة، والبعض الآخر هاجر إلى أستراليا مضطراً بسبب ظروف بلاده، وخاصةً تلك التي نزح أبناؤها بسبب الحروب الظالمة التي ألمت ببلادهم لظروف واعتبارات شتى، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر أبناء الجالية اللبنانية والعراقية والسورية والسودانية واالمصرية، وقد برع الكثيرون منهم، وحققوا انجازات مهمة لأستراليا الوطن الذي احتضنهم وقدم لهم الشيء الكثير وعاملهم كما يعامل أبناء بلده الأستراليين الانتماء منذ الطفولة.

اللبنانيون كانوا من أوائل من قدموا إلى أستراليا كمهاجرين، ثم تبعهم آخرون بسبب ظروف الحرب التي فرقت الأسر عن بعضها البعض، وكان وضع العراقييين مشابهاً لوضع اللبنانيين الذين أجبرتهم الحرب أيضاً على طلب اللجوء إلى أستراليا، ثم جاء دور السوريين الذين عانوا الأمرين من الحرب

التي طالت الأخضر واليابس، وأزهقت أرواح عشرات الآلاف من الأبرياء، حيث جاء الكثير منهم كلاجئين بعد أن أمضوا أكثر من عام خارج الوطن، البعض منهم عاش في مخيمات لبنان والأردن، والبعض الآخر ذهب للعيش في أربيل أو تركيا، أو أماكن أخرى التمس فيها الآمان، أملاً بأن يكون محظوظاً بالسفر إلى إحدى الدول التي تحترم اللاجىء وتعامله كما تعامل مواطنيها.

وكانت الشابة السورية الموهوبة جولي بولص الناقولا، إحدى الفتيات السوريات التي تركت وأهلها قسراً سوريا، وكانت أستراليا ملاذاً آمناً لها ووطناً يحقق لها أحلامها من جديد.

التلغراف: أهلاً وسهلاً بك ضيفةً على التلغراف، هل تعرفينا عن نفسك؟.

جولي بولص الناقولا، طالبة من الجالية العربية السورية، أتينا إلى استراليا منذ حوالي سنتين ونصف لنكمل أحلامنا وطموحاتنا في هذه البلاد الرائعة والجميلة، التي تحترم وتساوي بين الجميع على اختلاف مذاهبهم وأعراقهم، وأنا من مواليد عام 2002، وحالياً في الصف الثالث ثانوي الذي يعرف ببلادنا بالبكالوريا، ومقيمة مع أهلي واخوتي في مدينة سيدني.

التلغراف: كيف اكتشفت موهبة الرسم لديك.

منذ كنت في الصف الأول، عندما بدأنا نمسك القلم، بدأت برسم أشياء أكبر من عمري، وقد لاحظ أساتذتي موهبتي هذه، وعندما بدأنا نأخذ حصص دروس الرسم، أحسست بنوع غريب من السعادة، وكنت من الأوائل في هذه المادة. الذين كانوا يشجعونني دائماً هم عائلتي ووالدي واخوتي، فقد كانوا يدعمونني بكافة السبل الممكنة، حيث كنت أتلقى منهم التشجيع بضرورة الاستمرار والتوسع في أكثر من مجال، لأحقق طموحاتي في نجاحات كثيرة في المستقبل. حالياً أدرس في الصف الثالث ثانوي ، وقد اخترت المواد التي تساعدني في تعزيز موهبتي في مجال الرسم وهندسة الديكور وعلى اكثر من مجال.

التلغراف: هل تحدثيننا عن أعمالك، وهل كان لك مساهمات في المعارض؟.

لكثرة شغفي بالأعمال اليدوية والرسم، ساهمت في عدة أعمال يدوية وتطوعية، ومنها زرع البسمة والفكاهة عبر النشاطات في روضة الأطفال في إحدى مناطق لبنان، وذلك من خلال مشاركتهم في الأعمال اليدوية والرسم سويّاً، لقد شاركت أيضاً في برنامج تطوعي دولي، وهو اليونسيف، وكان دوري تزيين الغرف، والاهتمام بالمعوقين، والرسم على جدران المدارس في العراق لزرع الأمل والفرح للأطفال ولطلاب المدارس، وكنت متطوعة في إحدى كنائس اربيل، وكنت أقوم بتزيين الكنيسة في الأعياد والمناسبات.

التلغراف: من تخاطبين في أعمالك، وهل هناك رسالةً توجهينها من خلالها؟.

أحب من خلال الرسم أن أتطرق إلى حيثيات الهندسة والزخرفة التي هي نوع من أنواع رسمي المفضل، الذي يخاطب كل شخص ينجذب إلى الأمور الدقيقة، وبالأحرى إلى كل من لديه اهتمام في الرسومات المزخرفة، وهي عبارة عن مشاعر عميقة ومتداخلة، وتصاميم مثيرة للاهتمام، تطرح أفكاراً، والبعض يشبهها بخرفات السجاد، أو رسومات التاتو والحنة، أو استخراج أدق التفاصيل لمصممي الأزياء. وبالتأكيد تختلف الرسالة من لوحة إلى أخرى، ولكن بشكل عام تدل وتعبر عن دقة التفاصيل وروعتها، والتي يمكن أن تأتي وتأتي الأفكار معها، والالهام الذين يحتاجه بعض الفنانين.

التلغراف: من هو الفنان الذي تتخذينه قدوة لك؟ ومن هم المشاهير الذين تتابعين أعمالهم؟.

منذ صغري كنت أبحث في مواقع الانترنت لرسم رسومات بسيطة، ومع الوقت تطورت موهبتي من خلال الممارسة، وبدأت أتابع الفنان مصطفى السعدي على اليوتيوب، حيث يتميز بأسلوبه ورسوماته البسيطة، ولكن تعليمه كان رائع، وجعلني أتعلم أساسيات وتفاصيل ودقة الرسم في التظليل والتخطيط. ولكن معظم رسوماتي من مخيلتي والهامي الشخصي الذي كنت اتميز به منذ صغري. بالتأكيد هناك مشاهير كثر، وأنا أتابع أعمال كل فنان ناجح، سواءً أكان عربياً أو أجنبياً، وعندما تسمح لي الظروف سأحاول التعرف على مشاهير أستراليا.

التلغراف: كيف تعملين على تطوير أعمالك؟ وما هي أكثر اعمالك التي تحبين ولماذا؟.

أعمل على تطوير نفسي من خلال تقضية معظم أوقاتي في الرسم، وخاصةً عندما أكون منزعجة لسبب ما، وعندها أشعر أنني أفرغ طاقتي. بدأت الرسم الهندسي والزخرفي، وكنت أبحث وأرسم وأطور نفسي بنفسي. وأيضاً من خلال المشاركة في صفحات الرسم على صفحات المواقع الاجتماعية، وأيضاً البحث عن أشهر الرسامين ومصممين الديكور. أكثر أعمالي التي أحبها هي أعمالي الهندسية والزخرفية، لأنها أشياء غريبة يمكن أن تجمع الكثير من الأشياء مع بعضها. ومن خلال أفكاري وجاذبية تلك الرسوم الدقيقة والعميقة أحب تلك الأشياء لأنها من الهامي، وهي أمور غريبة ولها جاذبية خاصة. وأحب التطوع في الشركات، وتمضية وقتي في مساعدة الآخرين وتزيين الصالات والديكور لأنها تعبر وتدل عن شخصيتي الاجتماعية.

التلغراف: برأيك ما الذي يجذب الشباب نحو الفن بشكل عام، والى الرسم بشكل خاص؟.

الفن بشكل عام هو مكان لتفريغ الطاقة ولاكتشاف قدرات جديدة عند الإنسان لم يدري انها موجودة في أنفسنا أساساً. والرسم خاصة، يأخذني إلى عالم آخر بعيد عن ضجيج البشر. أشعر بأني وجدت نفسي، وكل طاقتي مركزة على الورق، وشغفي كبير فيه لدرجة أني لم اشعر بالوقت، وانا أقوم

بالرسم. وعندما أمر بأوقات صعبة أشعر برغبتي بالرسم، وأسارع بالرسم لأنها تبعدني عن أي ضغوطات نفسية. وبعدها أشعر بالسعادة عندما أنجز عملاً يرضيني.

التلغراف: كيف تبحثين عن فرصك في أستراليا؟. أبحث على فرصي من خلال دراستي واجتهادي، أولاً هدفي اتقان اللغة الانكليزية، والاستمرار في الرسم والتصميم والدراسة لتحقيق حلمي والتوسع في تلك المجالات، من حيث الاستفسار ممن هم أكبر سناً مني، والاستفادة من هذه المعلومات لتطوير نفسي وموهبتي في أكثر من مجال .

التلغراف: مع مرور أكثر من عامين على وجودك مع عائلتك في أستراليا، كيف تقارنين أعمالك اليوم مع أعمالك في فترة قبل اللجوء وترك سوريا؟. وهل تعتقدين ان تجربة اللجوء كان لها دور في التأثير على مواهبك وأعمالك؟.

مع مرور الوقت والتدريب والرسم بشكل مستمر، أحسست بأني أفضل الآن، ولاحظت أن هناك فرق كبير بين رسوماتي السابقة، ورسوماتي بعد مجيئي إلى أستراليا، لأنني تعلمت أنواع مختلفة في الرسم والدمج بينهما، والذي كان أكتر تأثيراً على حياتي هو السفر إلى أستراليا الذي يسمى بلد الأحلام، وبلد العجائب، ومركز الامان والراحة. ومن بعد الحرب والعناء وصلت إلى أستراليا حتى أبني

مستقبلي، وأرسمه في يدي.