القس الدكتور جُون نَمُّور

حماسٌ وخصام وحيرة وتوقعات تدور في أروقة العالم بشأن انتخابات الدول العُظمى. هناك مَنْ يتهلّل لانتصار زعيمهُ وهناك مَن يغضب لرحيل زعيمهُ. وكلُ واحد يقول زعيمي الأنسب والأفضل ويُمني النفس بالخير الوفير بمجيئهِ رئيساً للبلاد والعِباد. أما داود الملك فكتَبَ قائلا:”قلت للرب سيدي أنتَ خيري لا شيء غيرك” (مزمور16). حين رأى إشعياء النبي المسيح الرب قال:”فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ [الملائكة] وَاقِفُونَ فَوْقَهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ. فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ وَامْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَاناً. فَقُلْتُ وَيْلٌ لِي إِنِّي هَلَكْتُ لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ. فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ”(إشعياء1:6؛ يوحنا39:12). حينَ ماتَ عُزيّا العزيز رأى إشعياء السيد الرب الأعزّ. فعندما ترحل من أذهاننا القناعات الوهميّة بأن قادة العالم يُخلصوننا فحينئذٍ يُظهر المسيح لنا ذاتهُ فنراه بمجده وعظمته ونعلم ونتيقن بأنه الكُل في الكل، فنتكلُ عليه وحده.

للأسف البشرية تُسَلِّط أبصارها على ذراع البشَر لحياةٍ فُضلى فيما الخير الحقيقي مخزونٌ لنا في الرب. تقولُ كلمة الرب:”ملعون الرجل الذي يتكل على الانسان ويجعل البشر ذراعه وعن الرب يحيد قلبه….مُباركٌ الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله”(ارميا 5:17). بالحقيقة رئيس يأتي ورئيس يذهب والعالم يمضي من خرابٍ إلى خراب لأن الكل ينظر إلى تحت وليس إلى فوق. يقول الوحي عن الأشرار:”الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ الَّذِينَ إِلَهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ. فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ الَّتِي مِنْهَا أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ”(فيليبي19:3).

لما أوقفَ رؤساء الكهنة أستفانوس شهيدُ الكنيسة الأول ليحاكموه بسبب إيمانه بالمسيح شرحَ لهم تاريخ الأمّة وقال بأن الله دعا أبينا إبراهيم من أور الكلدانيين ووعدهُ بأنهُ سيأتي من نسلهِ المسيح مُخلّص العالم. وتغرَّب يعقوب أبو الأسباط في أرض الموعد مع عائلتهِ ولما حدثَ جوعٌ شديدٌ نزلَ الى مصر هو وعشيرته خمسة وسبعون نفساً حيث كان يوسف ابنهُ مُتسلطا على أرض مصر بأمرٍ من فرعون مصر. وأعالَ يوسف العشيرة لكن بعد موته تبدلت الأحوال وقامَ ملكٌ آخر لم يكن يعرف يوسف‎ (أعمال17:7). فأمَرَ فرعون بطرحِ كل ذكرٍ في النهر أما موسى فرأته إبنة فرعون في سَفَط من البَردِيّ فانتشله من النهر وربّتهُ في القصر. ولما صار له اربعين سنة ظهرَ لهُ الرب في البرية في عليقة تتقد بالنار ولا تحترق وأمَرَهُ أن يذهب ويُخلّص شعبه من عبودية فرعون. تمتعَ شعبُ الله بزمن يوسف بفترة زمنية مُزدهرة لكن تبدلت الأحوال واستعبدهم فرعون بالتالي فمَنْ يضمن لنا الحياة الفُضلى والدائمة؟ المسيح هو البركة الدائمة الذي قال:”السَّارقُ (إبليس) لا يأتي الا ليسرق ويذبح ويُهلك. وأمّا أنا فقد أتيت لتكونَ لهم حياة وليكون لهم أفضل”(يوحنا 10:10).

لما حاصرَ الآرامييون السَّامرة صار جوعٌ شديدٌ فتنبأ أليشع النبي بأن الرب ينقذهم ويأتي الفَرَج غداً لكن الجندي الذي كان يرافق الملك تهكّم قائلاً: هوذا الرب يصنع كوى في السماء.هل يكون هذا الامر. فقال أليشع إنكَ ترى بعينيكَ ولكن لا تأكل منه (2ملوك2:7). فكَّ الرب الحصار بمُعجزة وهرب الآرامييون والجندي المُتهكّم أوقفهُ الملك على باب المدينة لضبط الفوضى لأن الشعب اندفع الى خارج المدينة ليحملوا الأطعمة والحُلَل والثياب التي تركها الآرامييون فداسهُ الشَّعب وماتَ في باب المدينة. بقولٍ أوضح، يوسف لم يضمن لعشيرتهِ الحياة الرغيدة والعدو الذي يُحاصر لا يقدر أن يمنع عنّا الفرَج الإلهي. إنما التوبة والقَداسَة هما المفتاح لكلِ بركات الله. قال بطرس الرسول للشعب:”فتوبوا وارجعوا لِتُمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب”(أعمال 19:3).

كثيرون أضاعوا حياتهم وهم يلهثون خلف الزعماء والسياسة لأجل حياة فُضلى. وضعوا ثقتهم بالبشر ونسوا رب البَشر! قالَ المسيحُ: أنا أفتح ولا أحد يُغلق وأنا أغلق ولا أحد يفتح (رؤيا7:3). الخير والسَّلام والأمان ليست بيد هذا الزعيم او ذاك بل بيد الرب. سلّم للرب أمرك بتوبة حقيقة واغتسل من خطاياك بذبيحة المسيح بالايمان فتحيا مُستقلاً عن شرور العالم الحاضر مع أنك تحيا فيه. أنتَ بحال وهُم بحال. قال المسيح لأحدهم: دع الموتى يدفنون موتاهم وتعال أنت واتبعني. كإبن الإنسان طلبَ المسيح لأجل تلاميذه قائلا: أيها الآب، لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير. ليسوا من العالم كما إني أنا لست من العالم”(يوحنا15:17). مصير أولاد الرب لا يرتبط بمصير العالم الشرير لأن الرب وَعَدَ شعبهُ قائلاً:”وأقطعُ معهم عهد سلام وأنزعُ الوحوش الرديئة من الارض فيسكنون في البرية مطمئنين وينامون في الوعور” (حزقيال 25:34). أيضاً:”وأقطعُ لهم عهداً في ذلك اليوم مع حيوان البرية وطيور السَّماء ودَبَّابَات الارض وأكسر القوس والسيف والحرب من الارض وأجعلهم يضطجعون آمنين”(هوشع18:2). رغم الضيقات قال داود: “‎بسلامةٍ أضطجعُ بل أيضا أنام. لأنك أنت يا ربُّ مُنفرداً في طُمأنينةٍ تُسَكِّنُني” (مزمور8:4).

وإن كان مطلوباً من كنيسة المسيح أن تُصلّي لأجل جميع الناس والملوك والرؤساء لكن أعيننا نحو الرب وليس البَشَر. مكتوبٌ:”عيناي دائماً إلى الرب. لأنه هو يُخرج رجليَّ من الشبكة”(مزمور15:25). أيضاً:”أأرفع عينيّ الى الجبال من حيث ياتي عوني‎. ‎معونتي من عند الرب صانع السَّمَوات والارض‎”(مزمور 121:1). لنثق بالرب وحدهُ لأنه هو برَكتنا ومجدنا وعزّنا ورافع رأسنا *** نُصَلِّي:”أيُّها الرَّب يسوع اغفر خطاياي بِدَمِكَ واملأني بروحكَ وامنحني حَيَاة أبدية بنعمتكَ؛ فأحيا لكَ بِبِرٍّ وقَدَاسَةٍ إلى يوم مجيئكَ”. وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإلهُ الوَاحِدُ المُثَلَّث الأَقَانِيم الإكرام والسُّجُود والتَّعَبُّد الآنَ وإلى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمين.

مع مَحَبَّة المسيح: راعي كنيسة غيلفورد العربية المعمدانية/سِيدْنِي، القس الدكتور جُون نَمُّور.

‏130-132 Orchardleigh st

Guildford 2161, Ph 96320300,

www.arabicbaptist.net