أنطون سابيلا- سدني

انتشار فيروس كورونا ليس بالأمر السهل والتعامل معه صعب للغاية وهناك ثلاث خيارات أمام الحكومات: إما أسلوب الكبت، أي وضع حد للعدوى المجتمعية، أو أسلوب القضاء على الفيروس نهائياً، أي إغلاق البلاد كلياً لعدة أشهر، وذلك يعني وضع حد لجميع نواحي الحياة مما ينتج عنه فقر وأمراض وحوادث انتحار ووفيات بسبب أمراض أخرى وربما مجاعات. الخيار الثاني خطير للغاية وفيه مغامرة كبرى لا تستطيع أي دولة تحمّل الدخول في متاهتها. أما الخيار الثالث فهو إيجاد لقاح مأمون ومضمون، وهذا امر افتراضي حتى الآن ويتوقف على نجاح التجارب التي قد تأخذ سنة أخرى أو اقل قليلاً.

الدولة الوحيدة التي نجحت في أسلوب الكبت الكلي للفيروس هي نيوزيلاندا بسبب موقعها الجغرافي المنعزل وعدد سكانها القليل نسبياً والإرادة القوية لرئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن.

في الولايات المتحدة كان الرئيس دونالد ترامب يتعامل مع فيروس كورونا من منطلق « خليها على الله وسوف يختفي الفيروس مثلما ظَهر.»  لكن الفيروس لم يختفي فصار السيد ترامب يختلق الأعذار ويتباطىء في تقديم الحلول مما نتج عنه كارثة محزنة. وفي نهاية الأمر رضخ للمشورة الطبية وارتدى القناع.

والشيء نفسه فعله رئيس البرازيل غاير بولسونارو الذي وصف الفيروس في بادئ الأمر أنه «إنفلونزا خفيفة» وكان يعارض فرض القيود لأنه يريد استمرار الحياة الاقتصادية كالمعتاد. وبعد تزايد أعداد المصابين والوفيات وأصابته شخصياً بالعدوى تغيرت لهجته لكن الكارثة كانت قد وقعت.

في الشرق الأوسط تعاني فلسطين و(اسرائيل) من انتشار واسع للفيروس. والحق يقال أن فلسطين نجحت في احتواء الموجة الأولى لكن الموجة الثانية «صعبة للغاية» في أي مكان، كما قال الرئيس التنفيذي للصحة الاسترالية، مشيرا بذلك إلى الموجة الثانية في ملبورن ونواحيها حيث كاد أن تدمع عيناه وهو يقول « الموجة الثانية عنيدة جداً.» ولو لم يكن في مؤتمر صحافي لقال « لعنها الله.»

ولا أتفق كلياً مع القائلين أن الأعراس والاحتفالات هي السبب الرئيسي الوحيد للانتشار في فلسطين لأنه في ملبورن لم تكن هناك حفلات ولا احتفالات واسعة النطاق وتمّ فرض قيود ومع ذلك هناك انتشار. اعتقد أن هناك أسباب أخرى قد يُكشف النقاب عنها قريباً.

بالنسبة لإسرائيل هناك انهيار في التواصل بين المؤسسات التنفيذية بسبب سطوة الأحزاب والبرلمان (الكنيست). هذه أمور طبية المشورة فيها للأطباء والخبراء وليس للنواب أو الوزراء. واستهلك رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وقته في التخطيط لضم الضفة الغربية لإسرائيل والتعامل مع قضيته القضائية المتعلقة بالفساد بدلاً من مكافحة كورونا.

الأردن نجح حتى الآن بفضل تدخل الجيش لكنه ليس خارج الخطر بعد.  أما تركيا فزعيمها طيب رجب اردوغان بدلاً من التركيز على استجلاب الدعم للتركيز على مكافحة كورونا وإنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار اختلق قضية كنيسة آيا صوفيا وتحويلها إلى مسجد لإلهاء شعبه عن القضايا الاقتصادية الخانقة لكن في نهاية الأمر سوف تؤدي هذه السياسة إلى سقوطه عن العرش!
وتبقى الصين الشيوعية التي هي الأخرى مع الولايات يختلقان أزمات دبلوماسية وحدودية لصرف الاهتمام الشعبي عن فيروس العصر. مشكلة الصين أعمق بكثير من قضية الفيروس وهونغ كونغ فهي تواجه نمو طبقة وسطى متنورة وميسورة ترفض القيود والأحكام الشيوعية وليس مستبعداً أن تواجه في المستقبل عاصفة أقوى وأعتى من وباء كورونا!