سميرة عباس التميمي

للنبي إبراهيم مكانة خاصة في قلوبنا جميعاً , لما تحمل قصة حياته من معاني سامية وجرأة متناهية وصبر قل مثيله بين بني البشر .

لن انسى وأنا في بغداد , عندما أعارتني جارتي كتابها ( قصص الأنبياء), تصفحته فوجدتُ نفسي في بحر من الخيال الساحر واللامعقول وأنا أقرأه كنت ارسم كل جملة واتخيل كل موقف . كم تمنيتُ لو أعطتني كتابها هدية .

منذ القدم  كان يبحث الإنسان عن قوى أكبر منه لتحميه , في البداية كان يظن إنه يستطيع أن يسخرها لخدمته ولكنه ادرك أن الرعد والشمس والأمطار اقوى منه ولايستطيع ان يتحكم بها. فلجأ إلى التودد إليها بعبادتها .

فجاء عهد الأنبياء لتنوير الإنسان بحجج وأدلة لايملكها الإنسان العادي, إلا من كان مبعوثأً من الله كرسول ونبي لتحمي كرامة الإنسان من الذل والإهانة ويفوز بخير الدنيا وجنة الآخرة. فجاءت صلة الرب بالإنسان وثيقة والعكس أيضاً .

وانا أقرأ رواية “هكذا خُلقت ” للكاتب المصري محمد حسين هيكل, ورغم صغر سني وقتها  تركت الرواية أثراً طيباً في نفسي, ومن أجمل مقاطع الرواية, عندما تعرفت السيدة المصرية وهي بطلة الرواية, بإحدى النساء الألمانيات في مصر, عاملت الثانية الأولى بعجرفة, فقررت السيدة المصرية تعلم اللغة الألمانية وحينها بلغ السيدة الألمانية ذلك . وبعد مرور سنين طويلة وبعد ان دارت الأيام والأحداث على كلتا السيدتين . تلقت السيدة المصرية رسالة مكتوبة بالألمانية, وكانت في حالة حداد على زوجها, وتعجبت وتساءلت ممن يمكن ان تكون ؟

وعند ولوجها في الأسطر تبين أنها من السيدة الألمانية التي التقت بها في مصر . تطلب فيها رؤيتها لأنها ستزور مصر قريباً !!

مما لفت إنتباهي الحوار القصير الذي دار بينهما حيث شكت السيدة الألمانية ظروفها الشخصية في الحياة حيث كان قد توفي زوجها هو الآخر, فنصحتها السيدة المصرية باللجوء والإتكاءعلى الله. فأجابت الألمانية ” من لم يتعلم منذ الصغر اللجوء إلى الله , فكيف له أن يتكئ إليه الآن ” ؟!!

شعرت حينها أن السيدة الألمانية تشبه الورقة الطائرة في مهب الريح لاحول لها ولا قوة, تتقاذفها الرياح حيثما شاءت . وجملتها فارغة, أن يعيش الإنسان بائساً, أن يعيش الإنسان ولا يؤمن بوجود الله .

فحمدتُ ربي على نعمة الإيمان التي غرستها أمي المؤمنة  في نفسي ومنذ نعومة أظافري, فقلتُ لنفسي ” كم أنا محظوظة عندما علمتني أمي أن آمن بوجود الرب لأنه خالقنا ويحمينا من كل مكروه ويبارك خطواتنا في الحياة, فهو سندنا في السراء والضراء .

يكفي أن افكر وانا في الضيق أو ترقبٍ, أن هناك من هو أكبر مني بكثير سيساعدني ويمسك بيديّ لإجتياز المحنة,  أفرح, عندما أفكر أن هناك رب فوق رأسي أفرح, أحمدربي على نعمة الإيمان.

في بداية شهر أبريل تابعنا عرض نقل المومياءات المصرية من المتحف المصري إلى المتحف القومي للحضارة المصرية . في ذاك اليوم جلستُ أمام الكومبيوتر وإذا بي أجد  سيارات متميزة ذهبية اللون, تمر كانت الموسيقى تصدح مع سير موكب المومياوات, وأسماء الفراعنة والملكات منقوشة على السيارة من الخارج والداخل.

كانت عينايّ مفتوحتان من الدهشة والإعجاب بما أرى , دقائق معدودات وأنهمرت دموعي, فهذه السيارة تحمل الملك تحتمس الثاني, والسيارة الأخرى تحمل إسم الفرعون تحتمس الأول , ثم جاءت سيارة ميريت آمون. بدأت الأفكار تتسارع في ذهني ألم يكن تحتمس الثاني زوج الملكة حتشبسوت, وتحتمس الأول وسع حدود الأرآضي المصرية , كنت أختبرمعلوماتي عن كل فرعون بسرعة بينما كنت اتابع مرور السيارات بالأسماء المكتوبة عليها, حتى لايفوتني إسم .كان العرض مهيباً ومؤثر يليق بمكانة الفراعنة وإنجازاتهم في التاريخ. وتجنباً للعنة الفراعنة. وفي لحظة فكرت لو أحيا الله جميع هؤلاء الفراعنة, مالذي سيفعله الجمهور !!!

وعندما وصل الموكب أمام رئيس جمهورية مصر السيد سيسي كنت اتساءل لربما رئيس الجمهورية, يعتبر نفسه الفرعون المكمل لجميع هؤلاء الفراعنة . مشاعر خاصة إنتابتني وانا أنظر لجميع هؤلاء الفراعنة وكأنهم اختصروا زمن بأكلمه واعوام تعدت الآلآف في دقائق ! والفرعون الصغير توت عنخ آمون, هل كان ذنبه إنه إختار الذهب على شيء آخر ؟ ولهذا قرروا قتله ؟ لو دعوه يعيش, كيف كان سيكون عهده ؟

ولكني في نفس الوقت فكرت بشخص واحد قلب موازين الفرعون ومفاهيم أمته, هو النبي موسى عليه السلام . ومهما طال جبروت فرعون أو ملكٍ ما, فرسالة الإيمان بالله هي المنتصرة لامحال .

هناك دائماً شيء واحد يجمع الديانات المختلفة, المبدأ, الرب الواحد, والإيمان .ومن هذا المنطلق كان يحلو لي الدخول في دور العبادة على إختلاف إنواعها, لقد كانت طريقة دخولي إلى المعبد اليهودي والذي اسمه الكنيس اليهودي,  غريبة نوعاً ما, حيث مررتُ من امام المعبد اليهودي قبل سنين, وكأن أحدهم قد اشار إليّ بهذا الطريق, وقبل ان أجتاز المعبد بقليل أجد شخصاً وقف خلف الباب يشير بيده كأنه يريد مني أن ادخل ! أكان محتاجاً لمساعدتي ؟

وتكررت الحالة مع نفس الرجل فقررتُ الدخول, ليفاجئني بالقول ” ماذا تريدين, أتريدين الدخول ” !!

وفي إحدى المرات وكان الوقت ظهراً أو عصراً, دخلت المعبد وإذا بسيدة كبيرة في العمر ولكن طويلة القامة ذات شعر أورنج, تنظر في نفس الوقت وقد مر بعد ثواني شاب وهو يحمل التوارة بيديه الإثنتين . وأي إيماءة عفوية في الوجه من قبل شخص ما وهو ينظر للسيدة المسنة, قد يدفع الثمن غالياً من قبل حامل التوارة !!!

وجلستُ على أحد المقاعد لأتأمل الصالة وما فيها. وفجأة سمعتُ   ومرة ثانية  دخلت صوت رجل كأنه يتكلم مع شخص آخر, في الحقيقية لم أرَ الشخصين. فقط كنت استمع إليهما, وبعض الجمل تركزت في بالي . يبدو إنهم كانوا يمتحنون قدراتي في شيء ما ويوضحون بعض الحقائق والأحداث عن ديانتهم بصورة سريعة جدا ومختصرة, أعتقد أن هذه الطريقة لا يتبعونها فقط معي بل مع الآخرين, بالذات مع بعض من يسمعون عن تميزهم  وقد جاء دوري حينها !

هناك تقليد يهودي, عندما يعجبون بفتاة ما, فإن أحد رجال دينهم وبالزي القديم, يطلب منها الوقوف في منتصف الساحة, قبل فتح أبواب المعبد أمام الناس المنتظرة خارجاً للدخول .وطبعاً إذا لم تقف الفتاة في المنتصف, فكأنهم لن يرحبوا بها. لقد تمت دعوتي بعد ذلك الى المعبد لمناسبة لم يخبروني بها, وقد سررتُ جداً .

كانت الصالة مكتظة بالناس, فقلتُ لنفسي يبدو ان هناك مناسبة سعيدة, فوجدتُ لنفسي مكاناً خالياً بسرعة, ثم نصحوني أن أجلس في الصف الأمامي , وإذا بي أجد على يساري إمرأة شابة ترتدي الأبيض ورأيتُ إنها حامل. نظرتُ إليها لثوانٍ, كانت تُحدث السيدة التي بجانبها, فتوقعت إنها ستُحدثني بعدها. خلال هذه الدقائق إلتقطتُ بعضاً من أنفاسي لأنني كنتُ في مكان جديد عليّ ولاأعرف أحداً, ثم  إلتفتت المرأة الجالسة على يساري بسرعة نحوي  وقالت لي إسمها  بسرعة ( أفا), ثوانْ ورأيتُ رجلاً يقول لي تفضلي , مشيراً بيده  لأمشي على نفس الممر الذي جئتُ منه ولكن رجوعاً, وإذا بي أجد السيدة أفا بجانبي, ونحن نمشي سويةً ولا أدري إلى أين ستأخذني, ورأيتُ الناس على جانبينا وقوفاً فشعرت بشيء من الإحراج لأنني لم أجد تعليل للموقف. فما كان مني إلا أن أشرت بإحترام نحو جنينها بيدي, لأنها كانت تمشي مفتخرة بحملها . والغريب عند نهاية الممشى, مدت يدها اليمنى مشيرةً بإصبع السبابة نحو الأمام, للوهلة ألاولى لم ادرك معنى الحركة, وفجأةً إنعطفت يساراً ووقفت أمام رجل خافضة رأسها, يبدو إنه زوجها . نظرتُ سريعاً إن كان أحدٌ واقفاً عند نهاية القاعة, فلم أجد أحداً , فخرجت !

وفي إحدى المرات, كانت الصالة خالية تماماً من الناس, وإذا بي ارى من الطرف الآخر من الصالة ومن مسافة نجمة داود وقد وجهت تجاه جبيني من مسافة ليست قريبة عن طريق جهاز خاص بذلك .

بعمر فتاة في العشرين, لم أجد مبرراً لهذا  التصرف.