بقلم بيار سمعان

مع انتشار وباء كورونا في 168 بلداً حول العالم وخلال أشهر معدودة، ومع إعلان رئيس وزراء إيطاليا أن الحكومة والمؤسسات الطبية أصبحت عاجزة عن احتواء المرض في البلاد، ومع تخوف العديد من الحكومات حول العالم أن بلدانهم ستصل دون شك إلى الحالة اليائسة التي تواجهها إيطاليا، تنتشر العديد من التفسيرات ونظريات المؤامرة حول مصدر فيروس كورونا والأسباب وراء انتشاره بهذا الشكل.
وتظهر الأبحاث أن نزاعات المؤامرة تميل إلى الظهور مع اندلاع الأزمات في المجتمع ووقوع الاحداث الكبرى، مثل الهجمات الإرهابية، والأزمات الاقتصادية والتغيرات السياسية السريعة. وتزدهر نظريات المؤامرة في فترات من التهديد الجماعي وعدم اليقين وانتشار الأوبئة وتفشي الفيروسات…
وهذا ما يفسر انتشار نظريات المؤامرة فيما يتعلق اليوم بانتشار وباء كورونا. وهذا ما حدث أيضاً مع تفشي فيروس زيكا (2015 ? 2016) والذي قيل أنه سلاح بيولوجي وليس حدثاً طبيعياً.
وأظهر الباحثون أن نظريات المؤامرة الطبية تؤدي إلى عدم الثقة في السلطات الطبية والحكومات وشركات الأدوية، وأن أصحاب هذه النظريات هم أقل قبولاً للقاحات ولاستخدام المضادات الحيوية، وأكثر ميلاً لتناول المكملات العشبية والفيتامينات.
وهم يثقون أكثر في النصائح الطبية من غير المحترفين، مثل الأصدقاء والعائلة وخبراء الطب غير التقليدي.
فما هي النظريات المتداولة بشأن انتشار فيروس كورونا؟
– المختبرات الجرثومية:
تحول انتشار فيروس كورونا إلى قضية سياسية بامتياز، فاتهمت كل من الصين وإيران والولايات المتحدة أنها تقف وراء انتشار هذا الوباء لأسباب سياسية واقتصادية، فيما ترى الإدارة الأميركية أن الصين هي المصدر الأول لنشر الفيروس القاتل.
وعلى الرغم أن العديد من نظريات المؤامرة تبدو بعيدة المنال ويصعب التحقق من صحتها إلا أن الاعتقاد السائد بأن قوى الشر في العالم تتبع خطة سرية تتعلق بالصحة العامة. فوجد استطلاع أجرته مؤسسة You gov عام 2019 أن 16% من المشاركين في أسبانيا يعتقدون أن فيروس نقص المناعة البشرية ثم إنشاؤه ونشره في العالم عن قصد من قبل مجموعة أو منظمة سرية، ووافقهم الرأي 27% من الفرنسيين و12% من البريطانيين الذين أعربوا عن اعتقادهم بأنه يجري إخفاء الآثار الضارة للقاحات عن قصد.
ونشرت صحيفة الواشنطن بوست نتائج تقرير يدعي أن 7% من إجمالي التغريدات التي درستها المؤسسات الحكومية في الولايات المتحدة، أي ما يوازي مليونين تغريدة يؤمن ناشروها أن الفيروس هو حرب جرثومية. كما نشر على الصعيد العالمي ما يزيد على 29 مليون تعليق حول صحة هذه الادعاءات بوجود مؤامرة دولية على العالم.
– مختبر ووهان:
أعرب العديد من النقاد والسياسيين المحافظين في الولايات المتحدة عن ادعائهم أن مختبر ووهان للأبحاث والعلوم البيولوجية هو المسؤول عن تسريب الفيروس وانتشاره أولاً في مدينة ووهان ثم انتقاله إلى سائر الدول.
وقال راش ليمبوغ Rush Limbaug الحائز على ميدالية الحرية أن التجارب التي جرت في مختبر Chicon لإنتاج سلاح جرثومي هي وراء تسريب فيروس كورونا.
السيناتور توم كوتن T. Cotton كرر مراراً أمام الكونغرس وعلى شبكة فوكس نيوز أن الفيروس هو نتاج مختبر. وأوصى أن الحزب الشيوعي الصيني لا يزال يخفي شيئاً ما حول سبب انتشار Covid-19 وقال أنه يتعين على الحزب الشيوعي الصيني وعلى الرئيس تشي جين بينغ الإفصاح عن كل المعلومات التي لديه.
وأثار ستيفن موشير Mosher الناقد المنظم لإجراءات التحكم بعدد السكان في الصين، التسريبات الصينية أنه لا يمكن الوثوق بها متهماً الحكم الشيوعي انه يتستر على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انتشار الأمراض الفتاكة من المختبرات الصينية. وكانت قد انتشرت شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي من مصادر صينية تؤكد على أن الفيروس انتشر من المختبرات الصينية. وادعت باحثة في معهد ووهان للفيروسات Wang Yanyi أنها باعت حيوانات خضعت لتجارب مخبرية إلى سوق الحيوانات الحية والمأكولات البحرية في ووهان، مما أدى لتسريب الفيروس من المختبر.
وادعت مصادر أخرى أن الصين حاولت انتاج فيروس يساعدها على القضاء على المجموعات الإثنية والدينية التي ترفض التكيف مع النظام الشيوعي الحاكم، خاصة بعد موجة المظاهرات التي عمت هونغ كونغ وكادت تصل إلى داخل الصين.
ولم يتردد الرئيس الأميركي من تحميل المسؤولية إلى الصين، فاتهم صراحة النظام الشيوعي أنه المسبب الأول لانتشار الفيروس في العالم.
وأعلن البتاغون أمس إلقاء القبض على ثلاثة مواطنين أميركيين من أصول صينية يعملون في الجامعات والمختبرات الأميركية بنقل عينات جرثومية إلى مسؤولين صينيين وإلى المختبرات الصنية.
هذا النبأ هو سيف ذو حدين، إذ يؤكد من ناحية تورط الصين في علم الجرثومات البيولوجية، كما يؤكد من ناحية أخرى أن الولايات المتحدة تمتلك هذه الجراثيم وهي تعمل على تطويرها ضمن برنامج محدد ولغايات وأهداف عسكرية.
– الصين تتهم الولايات المتحدة:
وفي المقابل وجهت الصين منذ الأسابيع الأولى لانتشار فيروس كورونا في مدينة ووهان أن مصدر الفيروس ليس ووهان بل جيش الولايات المتحدة هو من أحضر الفيروس التاجي إلى الصين.
وقد شارك المئات من رياضيي قوات الدفاع الأميركية في الألعاب العسكرية العالمية التي أقيمت في مدينة ووهان في تشرين الاول 2019.
ونشر وزير الخارجية الصيني زاو ليجيان شريط فيديو على صفحة تويتر يظهر فيه روبيرت رادفيلد، مدير المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، مخاطباً لجنة الكونغرس الأميركي في 11 آذار / مارس. ويؤكد أن بعض الوفيات والإصابات من فيروس كورونا في الولايات المتحدة.
ويستخلص الوزير الصيني أن فيروس كورونا لم ينشأ في ووهان، بل في الولايات المتحدة، لكنه نقل إلى الصين من خلال مشاركة رياضيي القوات الأميركية في المهرجان العالمي.
المسؤولون الاميركيون لم يوجهوا الاتهامات المباشرة للولايات المتحدة، رغم تعليقات البعض على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن يبدو أن وسائل الإعلام الرسمية وبعض المراجع الحكومية أطلقت حملة منظمة للتشكيك بالمقولة أن ووهان هي مصدر انتشار الفيروس، رغم وقوع الإصابة الأولى فيها.
ودعا وزير الخارجية الصيني أن يتحد العالم ليواجه فيروس كورونا، خاصة بعد ان تحول إلى وباء عالمي، وتصر مراجع حكومية مسؤولة أن الولايات المتحدة سعت من جراء نشر الفيروس إلى وضع حد لنمو الصين الاقتصادي ولتصاعد قدراتها على الساحة الدولية.
وتشارك إيران تحميل المسؤولية للولايات المتحدة، رغم الإشاعات المسربة أن إيران كانت تعمل سراً على تطوير التكنولوجيا الجرثومية لديها واستخدامها في حرب جرثومية ضد قوات الولايات المتحدة المنتشرة في الشرق الأوسط.
– خمس نظريات تآمرية:
قد تكون الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الوسيلة الأفضل للحديث عن النظريات التآمرية، فسرعة انتشار الوباء والخوف من المجهول ومشاعر القلق والمعرفة المحدودة لمجريات الأحداث ساهمت في اتساع فسحة النظريات التآمرية، واذكر اهم هذه الحقائق التي ارتكز عليها البعض لتبرير ادعاءات المؤامرة.
1- كورونا نشرت في كتاب.
يقتنع بعض الناس بأن رولية «عيون الظلام» The eye of the darkness (1981) تنبئ بتفشي Covid-19 قبل أربعين عاماً ونشرت على صفحات التواصل الاجتماعي صوراً للكتاب ولبعض الصفحات حبث ورد ذكر الوباء.
2- أفريقيا المحصنة:
وتنطلق هذه النظريات من أصول عنصرية، بعد أن لاحظ خبراء أن فيروس كورونا لم ينتشر بعد في القارة الإفريقية وانتريتكا، لكن تبين أنه لا يوجد دليل علمي على أن الأفارقة وأن المتحدرين من أصول افريقية هم اقل عرضة للإصابة بهذا الفيروس.
وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن تتأثر كل الدول مع انتشار هذا الوباء.
3- الفيروس هو سلاح بيولوجي:
غالباً ما تردد عبارات أنه جرى إعداد هذا الفيروس للسيطرة على السكان، هذه الادعاءات تنطوي على مشاكل كثيرة، طالما ان العديد من المنظمات والرجالات المرموقة تنادي بخفض عدد سكان العالم، وبيل غينت هو أحدهم. بعد أن توقع عام 2017 انتشار فيروس يقضي على 30 مليون إنسان في العالم.
من يرفضون هذه النظرية يردون أسباب انتشار الفيروس إلى الواقع المرير وهو أنه رغم تقدم البشرية، مازلنا عاجزين عن مواجهة الأمراض، وبالتالي غير قادرين على حماية أنفسنا من غضب الطبيعة.
4- برنامج Simpsons تنبأ عن الكورونا:
المسلسل التلفزيوني للصور المتحركة Simpsons تنبأ بالكثير من الأحداث الكبرى حول العالم قبل وقوعها، ومن ضمن هذه التنبؤات: هجمات 11 أيلول، وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، وكأن هذا المسلسل قد تحول إلى شريط تنبؤات كما هي الحال مع نوستراداموس.
في عام 1993 أظهرت حلقة من البرنامج عوارض المرض على بعض الشخصيات. ثم يقوم مذيع تلفزيوني بقراءة ورقة كتب عليها «فيروس كورونا» كما نشرت العبارة على الشاشة الخلفية.
ويدعي منتجو المسلسل أن تعديلات على الفيديو الأصلي أدخلت في وقت لاحق لتتلائم مع الأحداث.
5- شوربة الوطواط أصل الوباء:
بعد أسابيع من تفشي الفيروس التاجي، انتشرت صور وأشرطة مسجلة لأناس صينيين يتناولون وجبات «شوربة الوطواط» ويتلذذون بأطل الوطواط المشوي، وركزت وسائل الإعلام الغربية، لغاية ما في نشر هذه الصور وربطها بانتشار الفيروس، والادعاءات أن سوق الحيوانات والأسماك في ووهان هو مصدر الفيروس الأصلي.
– تبادل الاتهامات:
لا شك ان تبادل الاتهامات يؤكد على وجود فريق أو أكثر مسؤول عن انتشار الفيروس.
ولم يعد يقتنع الناس أن الفيروس الذي انتشر كالنيران في الغابات الجافة هو مجرد تطور طبيعي للجرثومة القاتلة. فتبادل التهم يزيد من حدة التضليل للرأي العام، ومن زيادة الشكوك لديهم أننا ندخل مرحلة جديدة لن يكون العالم بعدها كما كان في السابق.
ومع إعلان حالة الطوارئ يبدأ انتشار القوات المسلحة في المدن الأميركية، كما نتشرت قوات الجيش والأمن في مدن إيطاليا وأسبانيا وفرنسا ولبنان.
فهل وضع العالم بإمرة حكم العسكر حيث تتحول الحريات العامة، الشخصية والدينية والعرقية من ممارسات العهود الغابرة؟
– ثورة على النظام القائم:
يشاع أن فيروس كورونا هو على ارتباط وثيق بنظام 5G للاتصال، وأن الحكومة الصينية بدأت بتشغيل هذا النظام الجديد بأعلى طاقاته، مما أثر على صحة المواطنين في المدينة وبدأت تظهر عليهم عوارض الرشح، فلجأ العديد منهم إلى الأطباء وتلقوا لقاحاً لمكافحة موجة الانفلوانزا، لكن يشاع أن اللقاحات كانت تحمل فيروس كورونا القاتلة.
ويقال أن مجموعة من الضباط في الولايات المتحدة قرروا بعد أحداث 11 أيلول قلب الطاولة على رؤوس الطبقة السياسية وقرروا إفتعال أزمة عالمية تساعدهم على تحقيق أهدافهم ومحاصرة رجال السياسة.
ويؤكد أصحاب هذا الرأي عدم وجود فيروس كورونا ينتشر بشكل طبيعي، بل بواسطة اللقاحات التي يحقن بها المصابون بالرشح. وتعرف هذه المجموعة تحت اسم Deep State التي أتى على ذكرها الرئيس الأميركي مؤخراً في أكثر من مناسبة.
فما يحدث في العالم اليوم هو نزاع بين السلطة المدنية السياسية والعسكرية بغية فرض نظام جديد. ويدعو أصحاب هذا الرأي إلى عدم قبول اي لقاح في هذه الظروف، لأن اللقاحات تحمل الفيروس وهو ليس مصمم لمعالجة المصابين.
ومهما كانت الحقيقة، فإنني اتذكر ما قاله الإمبراطور نابليون بونابرت في مذكراته: «من الغباء ألا نصدق أن سياسة العالم تقررها وتعدها المنظمات الخفية. والغبي وحده هو من يعتقد عكس ذلك».