بقلم بيار سمعان

لم‭ ‬يعد‭ ‬طبيعياً‭ ‬حجم‭ ‬الفساد‭ ‬المستشري‭ ‬والمقنن‭ ‬داخل‭ ‬المنظومة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يعجز‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬ملفاً‭ ‬أو‭ ‬مشروعاً‭ ‬واحداً‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬وعمليات‭ ‬نهب‭ ‬المال‭ ‬العام‭.‬

ولقد‭ ‬هال‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬اللبناني‭ ‬والدولي‭ ‬مدى‭ ‬انتشار‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية،‭ ‬عندما‭ ‬بدأ‭ ‬ناشطون‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلام‭ ‬بنشر‭ ‬تفاصيل‭ ‬الملفات‭ ‬الفاسدة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬بدا‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬وجود‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬تعتمد‭ ‬الشفافية‭ ‬والموضوعية‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬قاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬لعملها‭.‬

‭ ‬البترول‭ ‬ثروة‭ ‬لبنان:

على‭ ‬هذه‭ ‬الخلفية‭ ‬المقلقة،‭ ‬يتساءل‭ ‬المواطنون‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية‭ ‬الموعودة‭ ‬هي‭ ‬مرشحة‭ ‬لتصبح‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬لمعالجة‭ ‬إشكاليات‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬ديون‭ ‬وأوضاع‭ ‬اقتصادية‭ ‬متردية،‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬ونقل‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬استهلاكي‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬إنتاجي،‭ ‬يعتمد‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬السياحة‭ ‬والزراعة‭ ‬والقطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬والنقل‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬النفطية‭ ‬الجديدة‭ ‬هو‭ ‬مرشح‭ ‬ليصبح‭ ‬لعنة‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الآمال‭ ‬لدى‭ ‬اللبنانيين‭.‬

التجارب‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬لبنان،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الخلافات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬حول‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬البحرية،‭ ‬والغموض‭ ‬والشبهات‭ ‬التي‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬التشريعات‭ ‬التنظيمية‭ ‬لعمليات‭ ‬استخراج‭ ‬النفط‭.. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يجعل‭ ‬لبنان‭ ‬بلداً‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬فساداً‭ ‬عما‭ ‬نشاهده‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭ ‬وأنغولا‭ ‬وفنزويلا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬تخلفاً‭.‬

‭ ‬سياسيون‭ ‬فاسدون‭ ‬ينهبون‭ ‬النفط:

فيما‭ ‬يروج‭ ‬أهل‭ ‬الحكم‭ ‬أن‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬الغاز‭ ‬سيبدأ‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬فإن‭ ‬شركة‭ ‬توتال‭ ‬الفرنسية‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬استخراج‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬اللبنانية‭ ‬لن‭ ‬يبدأ‭ ‬أعمال‭ ‬الضخ‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2029‭.‬

وليس‭ ‬واضحاً‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬سيتم‭ ‬نقل‭ ‬الغاز‭ ‬الى‭ ‬الشاطئ‭ ‬اللبناني،‭ ‬او‭ ‬يتم‭ ‬تصديره‭ ‬مباشرة‭ ‬عبر‭ ‬مسار‭ ‬آخر‭. ‬يبقى‭ ‬التركيز‭ ‬الأساسي‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬للإيرادات‭ ‬والمداخيل‭ ‬،‭ ‬ودراسة‭ ‬مخاطر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬للقضايا‭ ‬المعقدة‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬التشريعات‭ ‬الملائمة‭. ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬بذل‭ ‬جهود‭ ‬إضافية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لأعمال‭ ‬الفساد،‭ ‬وأعتماد‭ ‬سياسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتشريعية‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬النويا‭ ‬الحسنة‭ ‬وتضمن‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭. ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬مسألة‭ ‬صغيرة،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬نظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬والمحاصصة‭.‬

‭ ‬عامل‭ ‬الفساد:

لا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬فرد‭ ‬أو‭ ‬شركة‭ ‬أو‭ ‬مسؤول‭ ‬متخصص‭ ‬لا‭ ‬يبدي‭ ‬اهتماماً‭ ‬بموضوع‭ ‬الطاقة‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬استخراج‭ ‬الغاز‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

الخبير‭ ‬النفطي‭ ‬اللبناني‭ ‬نقولا‭ ‬سركيس،‭ ‬قام‭ ‬مؤخراً‭ ‬بتحميل‭ ‬شريط‭ ‬فيديوعلى‭ ‬يوتيوب،‭ ‬يكشف‭ ‬فيه‭ ‬الفساد‭ ‬الفظيع‭ ‬المتداخل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬البترول‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭  ‬يقول‭  ‬سركيس‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬له‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬اختبره‭ ‬خلال‭ ‬عمله‭ ‬طوال‭ ‬40‭ ‬عاماً‭.‬

عمل‭ ‬نقولا‭ ‬سركيس‭ ‬كمستشار‭ ‬للنفط‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭. ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬اليوم،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الانتفاضة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬فضح‭ ‬ومكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬المواطنبن‭ ‬برؤيتهم‭.‬

ويورد‭ ‬السيد‭ ‬سركيس‭ ‬معلومات‭ ‬دقيقة‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬وراء‭ ‬الكواليس‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬نفط‭ ‬لبنان‭. ‬ويمكن‭ ‬إيجاز‭ ‬أفكاره‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬التالي:

‭ ‬يوجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬اللبنانيين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬البترول،‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬منتجة‭ ‬للنفط‭. ‬ورغم‭ ‬وفرة‭ ‬هؤلاء،‭ ‬لم‭ ‬تعمد‭ ‬الإدارة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الى‭  ‬الاستعانة‭ ‬بهم‭.‬

‭ ‬معظم‭ ‬أعضاء‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬النفط‭ ‬الستة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بالبترول،‭ ‬لكن‭ ‬جرى‭ ‬تعيينهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬طائفي،‭ ‬وهم‭  ‬يمثلون‭ ‬ست‭ ‬طوائف‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وجرى‭ ‬اختيارهم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭.‬

‭ ‬السبب‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعيين‭ ‬هؤلاء‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬وزير‭ ‬الطاقة‭ ‬آنذاك‭ ‬(2010)‭.‬

‭ ‬قانون‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬اللبناني‭ ‬واستثمار‭ ‬الموارد‭ ‬البترولية‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬البحرية‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬لديها‭ ‬شركات‭ ‬وطنية‭ ‬للبترول،‭ ‬باستثناء‭ ‬لبنان‭ ‬وبعض‭ ‬جزر‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي‭.‬

‭ ‬اعتماد‭ ‬قانون‭ ‬المشاركة‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المنقبة‭ ‬عن‭ ‬البترول‭ ‬بنسبة‭ ‬مئوية‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬40‭ % ‬للدولة‭. ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬مطبق‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يطبق‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تماماً‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬القانون‭ ‬البترولي‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬المراسيم‭ ‬التطبيقية‭. ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ان‭ ‬المراسيم‭ ‬التطبيقية‭ ‬كانت‭ ‬مفصلة‭ ‬للغاية،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بنموذج‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية‭.‬

قدم‭ ‬نموذج‭ ‬الاتفاقية‭ ‬لوزارة‭ ‬تمام‭ ‬سلام‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬القبول‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬القانون‭.‬

المادة‭ ‬5‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬تقول:‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬للدولة‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬التراخيص‭ ‬الأولى‭ ‬‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بنسبة‭ ‬40‭% ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تعديل‭. ‬وهذا‭ ‬تزوير‭ ‬موصوف‭ ‬للقانون‭.‬

الطريف‭ ‬أن‭ ‬الوزارة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬استقالة‭ ‬حكومة‭ ‬تمام‭ ‬سلام،‭ ‬أقرت‭ ‬هذه‭ ‬البنود‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬اجتماع‭ ‬لها‭. ‬وصدر‭ ‬المرسوم‭ ‬43/2017‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬حدثت‭ ‬تجاوزات‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬يتصورها‭ ‬العقل،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬فساداً‭.‬

والطريف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬التجاوزات‭ ‬أقرت‭ ‬بسرية‭ ‬كاملة،‭ ‬ولم‭ ‬يضطلع‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬أقروه‭ ‬أنفسهم‭.‬

وعلى‭ ‬أساس‭ ‬هذا‭ ‬المرسوم‭ ‬43/2017‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬ثلاث‭ ‬شركات‭ ‬فرنسية‭ ‬وإيطالية‭ ‬وروسية‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬الفط‭ ‬واستخراجه‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬يضع‭ ‬الأساس‭ ‬لمخالفة‭ ‬قانون‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬ويمهد‭ ‬الطريق‭ ‬كي‭ ‬تأتي‭ ‬مصالح‭ ‬خاصة‭ ‬لتضع‭ ‬يدها‭ ‬على‭ ‬البترول‭.‬

هذه‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬يعول‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬اللبنانيين‭ ‬للنهوض‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬والكوارث‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بلبنان‭ ‬والانهيار‭ ‬الذي‭ ‬ينجر‭ ‬إليه‭ ‬النظام‭ ‬والشعب‭.‬

فقد‭ ‬أقرت‭ ‬وزارة‭ ‬الطاقة‭ ‬والحكومة‭ ‬تأهيل‭ ‬شركات‭ ‬(وهمية)‭ ‬يحق‭ ‬لها‭ ‬طلب‭ ‬حق‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬اجنبية‭. ‬وميزت‭ ‬الحكومة‭ ‬بين‭ ‬شركات‭ ‬مشغلة‭ ‬وشركات‭ ‬غير‭ ‬مشغلة‭. ‬فالشركات‭ ‬المشغلة‭ ‬“Operator”‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬فعلياً‭ ‬بعمليات‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬البترول‭ ‬واستخراجه‭ ‬وإنتاجه‭. ‬ويوجد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬شركة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭. ‬مثل‭ ‬شركات‭ ‬توتال‭ ‬وشل‭ ‬وغيرها‭.‬

يوجد‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬اليوم‭ ‬53‭ ‬شركة‭ ‬أجنبية‭ ‬مسجلة‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬شركة‭ ‬وطنية‭ ‬واحدة،‭ ‬ولم‭ ‬تنشيء‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬شركة‭ ‬وطنية‭ ‬لتهتم‭ ‬بإنتاج‭ ‬النفط‭ ‬وتوزيعه،‭ ‬وتمثل‭ ‬الطرف‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الضخمة‭.‬

وأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬شركات‭ ‬وهمية‭ ‬ضمن‭ ‬الشركات‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬تم‭ ‬تسجيلها‭ ‬كشركات‭ ‬بترولية،‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬عملية‭ ‬التأهيل‭.‬‭ ‬منها،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬شركة‭ ‬أسسها‭ ‬رئيس‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وسجلها‭ ‬في‭ ‬هونغ‭ ‬كونغ‭ ‬وتدعى‭  APEX‭ ‬,‭ ‬برأسمال‭ ‬1300‭ ‬دولار‭ ‬أميركي‭. ‬قدمت‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬طلب‭ ‬تأهيل‭ ‬مسبق‭ ‬لإدارة‭ ‬البترول،‭ ‬قُبل‭ ‬طلبها‭.‬

ولا‭ ‬يدرك‭ ‬أحد‭ ‬كيف‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬إدارة‭ ‬هيئة‭ ‬البترول‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬لشركة‭ ‬وهمية،‭ ‬ليس‭ ‬لديها‭ ‬مكاتب‭ ‬أو‭ ‬رقم‭ ‬هاتف‭ ‬وعنوان‭ ‬ثابت‭ ‬ومعترف‭ ‬به,  ‬ورأسمالها‭ ‬1300‭ ‬دولار‭ ‬لا‭ ‬غير‭.‬

نفس‭ ‬الرواية‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬أخرى‭ ‬أسست‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬مكتب‭ ‬مسجلة‭ ‬باسم‭  ‬إعلامي‭ ‬معروف‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

فالمطلوب‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬البعض‭ ‬يدهم‭ ‬على‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬البترول،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رأوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الثروات‭ ‬الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬لتكديس،‭ ‬ليس‭ ‬الملايين،‭ ‬ولكن‭ ‬مليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭.‬

‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬ذلك؟

إن‭ ‬المادة‭ ‬6‭ ‬من‭ ‬دفتر‭ ‬الشروط‭ ‬تقول‭ ‬حرفياً:‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬طلبات‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬تنقيب‭ ‬وإنتاج‭ ‬البترول‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الشركة‭ ‬المشغلة‭ ‬متعاونة‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬تجارية‭ ‬غير‭ ‬مندمجة‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الشركة‭ ‬الكبرى‭ ‬هي‭ ‬المشغلة،‭ ‬ومعها‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬شركتان‭ ‬غير‭ ‬مشغلة‭. ‬يكون‭ ‬نصيب‭ ‬الشركة‭ ‬المشغلة‭ ‬65‭% ‬ونصيب‭ ‬الشركة‭ ‬غير‭ ‬المشغلة‭ ‬هو‭ ‬10‭% ‬على‭ ‬الأقل‭.  ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬الشركات‭ ‬التجارية‭ ‬غير‭ ‬المندمجة،‭ ‬معها‭ ‬شركة‭ ‬كبرى‭ ‬مشغلة‭ ‬وتطالب‭ ‬بالتنقيب‭ ‬عن‭ ‬البترول‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬اللبنانية‭. ‬قد‭ ‬تسمح‭ ‬الحكومة‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬شركتين‭ ‬غير‭ ‬مشغلتين‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يرغم‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬الرضوخ‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع،‭  ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬التنقيب‭.‬

شركات‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬وهمية‭ ‬تمثل‭ ‬بالحقيقة‭ ‬مصالح‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬النافذين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

هذه‭ ‬التدابير‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬السياسيين‭ ‬يتنازلون‭ ‬تلقائياً‭ ‬عما‭ ‬يسمى‭ ‬ب‭ ‬تقاسم‭ ‬الأرباح‭ ‬بين‭ ‬لبنان‭ ‬والشركات‭ ‬المشغلة‭ ‬الكبرى،‭ ‬لأن‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬استخراجه‭ ‬هو‭ ‬ملك‭ ‬للدولة‭ ‬بالأساس،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينص‭ ‬عليه‭ ‬القانون‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية‭.‬

وعندما‭ ‬تتخلى‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬شراكتها‭ ‬وملكيتها‭ ‬للنفط،‭ ‬تصبح‭ ‬عندئذ،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سائداً‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬الشركات‭ ‬هي‭ ‬المالك‭ ‬الفعلي‭ ‬للبترول‭. ‬فالقبول‭ ‬بالشركة‭ ‬العاملة‭ ‬والمنقبة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬غير‭ ‬ضامنة‭ ‬أو‭ ‬مشغلة،‭ ‬يعني‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬ملكية‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭. ‬وتصبح‭ ‬ملكيته‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات‭ ‬بدل‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬ملكاً‭ ‬للدولة‭.‬

وهكذا،‭ ‬وبفعل‭ ‬هذه‭ ‬التشريعات‭ ‬خسرت‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬البترول‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬اللبنانية‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ادراج‭  ‬بند‭ ‬إضافي‭ ‬يسمح‭ ‬لمراقب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬حضور‭ ‬بعض‭ ‬الاجتماعات‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬إنتاج‭ ‬البترول‭. ‬مراقب‭ ‬لا‭ ‬صلاحيات‭ ‬له،‭ ‬يكتفي‭ ‬برفع‭ ‬تقرير‭ ‬لوزير‭ ‬الطاقة‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬استهتار‭ ‬بحقوق‭ ‬الدولة‭ ‬وبحقوق‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬لصالح‭ ‬أقلية‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬السياسية‭ ‬والمستفيدين‭ ‬من‭ ‬حاشيتهم‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بالنسبة‭ ‬لقطاع‭ ‬البترول،‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬إجرامي،‭ ‬وعملية‭ ‬نهب‭ ‬«مشرّع»‭ ‬لخيرات‭ ‬البلد‭ ‬المستقبلية‭. ‬وإن‭ ‬تصرفات‭ ‬المسؤولين‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬إن‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬الوزارات‭ ‬المعنية،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬تصرفات‭ ‬مسؤولة،‭ ‬بل‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإثراء‭ ‬غير‭ ‬المشروع‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬البترول‭ ‬هو‭ ‬إجرام‭ ‬مشروع‭ ‬بحق‭ ‬اللبنانيين‭. ‬فالنخب‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬البترول‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬ارتكبته‭ ‬أيادي‭ ‬تجار‭ ‬الهيكل،‭ ‬وأعيدت‭ ‬ملكية‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭.‬

وإلا‭ ‬فإن‭ ‬بضعة‭ ‬سياسيين‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭ ‬سيضعون‭ ‬أيديهم‭ ‬على‭ ‬لبنان‭.‬

ربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬جبران‭ ‬باسيل‭ ‬للقول:‭ ‬سوف‭ ‬أنسيكم‭ ‬بشير‭ ‬الجميل؟؟‭.‬

بشير‭ ‬الذي‭ ‬قدمت‭ ‬له‭ ‬السعودية‭ ‬شيكاً‭ ‬مفتوحاً‭ ‬ليضع‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬يريد،‭ ‬فكتب‭ ‬10452‭ ‬(وهي‭ ‬مساحة‭ ‬لبنان)،‭ ‬اما‭ ‬باسيل‭ ‬وما‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الفاسدة،‭ ‬يسعى‭ ‬لاستغلال،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬10452‭ ‬بل‭ ‬المياه‭ ‬الاقليمية‭ ‬ايضاً‭.‬

حمى‭ ‬الله‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬تجار‭ ‬الهيكل،‭ ‬وما‭ ‬اكثرهم‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الفساد‭.‬

pierre@eltelegraph‭.‬com