دوَّنَ الوحيُّ في الكتابِ المُقدَّس أنَّ برنابا وشَاول [بُولس] لما اجْتَازَا الجَزِيرَةَ الى بَافُوسَ وَجَدَا رَجُلاً سَاحِرَاً نَبِيَّاً كَذَّابَاً يَهُودِيَّاً اسمهُ بَارْيَشُوعُ. كان مع الوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ وهو رَجُلٌ فَهِيمٌ. فهذا دَعَا بَرْنَابَا وشَاوُلَ والتَمَسَ أن يَسَمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. فَقَاوَمَهُمَا عَلِيمٌ السَّاحِرُ. لأن هكذا يُتَرْجَمُ اسمُهُ. طَالِبَاَّ أن يُفْسِدَ الوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ. وأمَّا شَاوُلُ الذي هُوَ بُولُسُ أيضاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وشَخَصَ إليهِ. وقال أيُّها المُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وكُلَّ خُبْثٍ يا ابْنَ إِبْلِيسَ يا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ أَلاَ‏ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ المُسْتَقِيمَةَ. فالآنَ هُوذا يَدُ الرَّبِّ عليكَ فتكُونُ أعْمَى لا تُبْصِرُ الشَّمْسَ الى حِينٍ. فَفِي الحَالِ سَقَطَ عَليهِ ضبَابٌ وظُلْمَةٌ فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِسَاً مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. فَالوَالي حينئذٍ لما رَأى مَا جَرَى آمَنَ مُنْدَهِشَاً مِنْ تَعلِيمِ الرَّبِّ (أعمال 1:13).
لضيق الوقت نتأمَّل بالآتي: 1-الوالي بَحَثَ عن الحَقِّ فَوَجَدهُ: كلُنَا مُحَاطُون بِمَفَاهِيمَ مُتَنَوَّعِة لكن الباحث عن الحق الإلهي يجدهُ، ومتى سمعَ صوتَ الحق يستجيبَ لهُ وأما المزيفون فلا يفهمون بل يقاومون (متى 13:13). كثيرون يتقاتلون لإثباتِ الحق والكُلُّ يَدَّعِي امْتِلاكه لكن أمواج الضَيَاع تخبطهم ولا يدرون. قال بِيلاَطُسُ للمسيح: أفانتَ إذاً مَلِكٌ. أجابَ يسوعُ أنتَ تقول أني مَلِكٌ. لهذا قد وُلِدْتُ أنا ولهذا قد أتيت إلى العَالَم لأشْهَدَ للحَقِّ.كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ الحَقِّ يسمعُ صَوتِي. قال له بِيلاطُس ما هُوَ الحَقُّ (يوحنَّا 37:18). بِيلاطُس يُمثِّل المجموعة التي استسلمت من جهة البحث عن الإله الحق لكونهِ ظَنَّ أن الحَقَّ ضائع ومُتَشَعَّبٌ ولا سبيلَ لمعرفتهِ بالكامل. قال المسيح: أنا هو الطريقُ والحَقُّ والحَيَاةُ ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلا بِي (يوحنَّا 6:14). المسيح وحدهُ قادرٌ أن يُبرهن حَقَّهُ ويكشفَ للباحثين المُخلِصِينَ عن نفسهِ بألفِ ألف طريقة.
2-الحكمة الحقيقية: كان الوالي رَجُلاً فَهِيمَاً ومتواضعاً الأمر الذي أوصلهُ إلى سُبُلِ الحكمة. لأنهُ مكتوبٌ: رَأسُ الحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ (مزمور111). مَهْمَا حَاوَلَ الشيطان وأتباعه إِبْعَادَ النَّفس البَاحِثَة عن المسيح الحق فإنهم يفشلون، حيث قال المسيح للمقاومين: إنِّي قُلتُ لكم ولستم تُؤمِنُونَ…لأنَّكُم لَسْتُم مِنْ خِرَافِي…خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حَيَاةً أبَدِيَّةً ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحدٌ من يدي (يوحنا 25:10). باختصار، لا حجَّة لكَ يا مَن تقول: بحثت عن الحق فلم أَجِدَهُ.
3-الشَّيطان يُقَاوِمُ رِسَالَةَ الخَلاَصِ: يغتاظ الشيطان جداً متى وصَلَ نُور الإنجيل لِنَفسِ باحِثَة عن الله ويتحرَّك بِدَهَاءٍ بالأفراد والعائلات والمجتمعات ليمنع هذه النَّفس من التَمتُّع بِغُفران الخطايا بذبيحةِ المسيح الفادي وخلاصِهِ. إبليس كَذَّابٌ وأبو الكذَّاب (يوحنَّا44:8) ويستخدم سِلاَحَ التَّهويل والتَّضْلِيل بواسطة أتباعه كَبَارْيَشُوع الذي ادَّعَى بأنه عَلِيم أي أنهُ فَهِيم؛ لكن الوالي نجحَ أما هو فسقطَ وانكشفَ. الرب أبطلَ حكمتهُ الشيطانية وسحرهُ. قَاوَمَ بُولُس وحاول أن يُفسِّر للوالي كلمة الله بِطُرُقٍ مُلتَوِيَّة لِيحرم الوالي من خَلاَص المسيح. لكنَّ أدَّبَهُ الرَّب في البِلاَطِ أمام الجميع. فلنحذر من المحيطين بنا لئلا ننخدع بأكاذيبهم كما كان الوالي مخدوعَاً بِبَاريشوع الساحر.
3-عِقَابُ اللهُ المُؤقَّت: لم يُنْزِلْ الله على عَلِيم تأديباً مَاحِقَاً بل إلى حينٍ لعلَّهُ يتوب فيُرْحَم. الله محبَّة ويُمهل المُقَاوِمينَ وفي العهد الجديد بالتحديد رأيناهُ يُنزل تأديبهُ على أشخاصٍ قليلين لردعهم وتوعيتهم. لأنه مكتوبٌ: لأن ابن الانسان [المسيح] لم يَأتِ لِيُهْلِك أَنُفْس النَّاس بل لِيُخَلِّص (لوقا56:9). الرَّب أدَّبَ عَلِيمَ بِالعمى لفترة محددة لعلهُ يفهم ويتلمَّس رُعب الظُلْمَة الشيطانية، وهذا ما فعلهُ الرب يسوع مع شاول الطرسوسي الذي آمنَ بالمسيح وصار يُدعى بولس الرسول. مكتوبٌ: وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ. فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتاً قَائِلاً لَهُ شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ فَسَأَلَهُ مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ الرَّبُّ أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ. فَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ يَا رَبُّ مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ قُم وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ (أعمال 3:9). أنزلَ عليه الرب التَّأديب بالعمى لثلاثةِ أيامٍ لأنهُ كانَ يُقَاوم أسم المسيح والكنيسة بشدة لكن بعد توبتهِ صارَ من أعظم رجال الله القديسين.
4-سُلطان المسيح: أدَّبَ بُولس عليم بسلطان المسيح المُعْطَى للكنيسة. قال المسيح: ها أنا أعطيكم سُلطَانَاً لِتَدُوسُوا الحَيَّاتَ والعَقَارِبَ وكلَّ قُوَّةِ العَدُوِّ ولا يَضُرُّكُم شَيءٌ (لو19:10). استخدم بولس سلطانهُ مَرَّات عِدَّة حينَ لاحظَ أنَّ البعض استباح حياةَ القَدَاسَة والبعض حاول زرعَ البِدَع والإنقسامات في الكنيسة؛ فامتدت يَدُ الرَّب لمعاقبتهم. باختصار، لنرفع الرَّأس بِمَسِيحِنَا القَدِير الذي وهبَنَا سُلطَانَهُ لِنَفْضَح الشَّيطان وأتباعهُ ونردعهُم بِقُوَّة روحهِ كما هو مكتوبٌ: كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَت ضِدَّك لا تنجح (إشعياء 17:54). لنحذر من رُوح العصيان كعليم ورُوح الإنسياق بأكاذيب الناس كالوالي بل نبحثُ عن المسيح الحق بأمَانةٍ وتَجَرُّد.*** نُصَلِّي: أيُّها الرَّب يسوع ارحمني واغفر خَطاياي بدمِ ذبيحتكَ المٌقدَّسَة واملأنِي بروحكَ الطاهر وامنحني هِبَة الحياة الأبدية المجيدة بنعمتكَ، لأحيا أَمِينَاً شاهداً لكَ ولخَلاَصِكَ للقريب والبَعِيد. أخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإله الواحد المُثَلَّث الأَقَانِيم المَجْدَ والسُّجُود والتَّعَبُّد الآن والى أبد الآبدين آمين.
مع مَحَبَّة المسيح: راعي كنيسة غيلفورد العربية المعمدانية بسيدني، القس الدكتور جُون نَمُّور.
عنوان الكنيسة

:130-132 Orchardleigh St. Guildford 2161 – Tel: 02 9632 0300