بقلم القس جون نمور

قال الوحي:”ثُمَّ دَخَلَ المسيح وَاجْتَازَ فِي أَرِيحَا. وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيًّا.وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْجَمْعِ لأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ. فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ لأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْمَكَانِ نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ وَقَالَ لَهُ يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ. فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ فَرِحًا. فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُل خَاطِئٍ. فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ هَا أَنَا يَارَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهذَا الْبَيْتِ إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ”(لوقا19).

يشوع (قائد الشعب القديم وخادم موسى) لعَنَ أريحا قديماً عندما دخلوا إلى أرض كنعان:”وَحَلَفَ يَشُوعُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ قَائِلاً مَلْعُونٌ قُدَّامَ الرَّبِّ الرَّجُلُ الَّذِي يَقُومُ وَيَبْنِي هذِهِ الْمَدِينَةَ أَرِيحَا.بِبِكْرِهِ يُؤَسِّسُهَا وَبِصَغِيرِهِ يَنْصِبُ أَبْوَابَهَا. وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَشُوعَ وَكَانَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ الأَرْضِ”(يشوع 26:6). وعندما جمحَ أسباط مملكة اسرائيل الشمالية في زمن آخاب ملك اسرائيل بَنَى حِيئيل أريحا ولم يأبه بكلام يشوع:”وَمَلَكَ أَخْآبُ بْنُ عُمْرِي عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي السَّامِرَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَعَمِلَ أَخْآبُ بْنُ عُمْرِي الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ قَبْلَهُ. وَكَأَنَّهُ كَانَ أَمْرًا زَهِيدًا سُلُوكُهُ فِي خَطَايَا يَرُبْعَامَ بْنِ نَبَاطَ [لأن يربعام عمل مذابح للأوثان] حَتَّى اتَّخَذَ إِيزَابَلَ إبْنَةَ أَثْبَعَلَ مَلِكِ الصِّيدُونِيِّينَ امْرَأَةً وَعَبَدَ الْبَعْلَ وَسَجَدَ لَهُ. وَأَقَامَ مَذْبَحًا لِلْبَعْلِ فِي بَيْتِ الْبَعْلِ الَّذِي بَنَاهُ فِي السَّامِرَةِ. وَعَمِلَ أَخْآبُ سَوَارِيَ وَزَادَ أَخْآبُ فِي الْعَمَلِ لإِغَاظَةِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُ. فِي أَيَّامِهِ بَنَى حِيئِيلُ الْبَيْتَئِيلِيُّ أَرِيحَا. بِأَبِيرَامَ بِكْرِهِ وَضَعَ أَسَاسَهَا وَبِسَجُوبَ صَغِيرِهِ نَصَبَ أَبْوَابَهَا حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ”(1ملوك 29:16). أما في العهد الجديد قال الرَّب يسوع:”بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا”(رومية 14:12). بمفهوم العهد القديم اقترنت أريحا باللعنة والموت، ولهذا أنزلَ الربَّ غضبه على حيئيل إذ عَصَى النُبُوءَة وبنى أريحا فماتَ أَبِيرَام بِكْره وَسَجُوب صَغِيره. وصارت أريحا صورة روحية للعالم الحاضر الفاسِد الذي قد وُضِعَ في الشرير (1يوحنا19:5). ولكن زارَ المسيح أريحا وأرضنا الملعونة التي قال الله بشأنها لآدم: “لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ.وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ.بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا.لأَنَّكَ تُرَابٌ وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ”(تكوين17:3).

زار أريحا المسيح وبَاتَ عند رجل خاطيء مكروه من الشَّعب يُدعى زكَّا. ولما وصلَ إلى بيته اعترف زكَّا حالاً بذنوبه ووعدَ الرب بردِّ ما سَلَبَهُ من الناس أربعة أضعاف. قال المحتّجون دخلَ المسيح ليبيت عند رجلٍ خاطيء ولكن صَحَّحَ المسيح الأمر بشأن زكَّا قائلاً “هو أيضاً إبن إبراهيم”. لذا لا تهتم بأقوال الناس لأنهم يُصِيبُون مرَّة ويُخطِئُون مَرَّات، وبسبب عدم محبتهم وغيرتهم ينعتون بعضهم بعضاً بألف صفة وصفة. المهم أن المسيح منَحَ زكَّا صَكَّ البَراءَة ووثيقة البُنُوَّة (ابن ابراهيم) وتمتَّع بالخلاص والحياة الأبدية.

كثيرا ما قال الحُسَّاد أن المسيح رجلٌ خاطيء ومُحبٌّ للخطاة والعشارين، كالآتي:”وَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي الْبَيْتِ إِذَا عَشَّارُونَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ قَدْ جَاءُوا وَاتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ وَتَلاَمِيذِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟ فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيب بَلِ الْمَرْضَى. فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ”(متى10:9). قال واحدٌ مثَلاً شعبياً مُناسباً:”حبيبَك بيبلَعْلَكْ الزَلَط (البَّحْص) وعدوّك بيفتِّشْلَك عَالغَلَط”. القلب الممتلئ بالمحبّة لا يُقبِّح ولا يكره. فالإنسان الروحي تمتَّع بطبيعة سَمَاوِيّة في المسيح ويرى في الآخرين فقط الإيجابيات والحَسَنَات. وإن رأى أي خطأ في الآخرين فيراهُ بعين الحُب والتأنّي والمسؤولية كقول الوحي:”اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ.كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْكَرَامَةِ”(رومية9:12). قال الرَّب يسوع مَثَلاً حول صاحب كرم خرج في الصباح الباكر ليستأجر فَعَلة لكرمهِ وأثناء النهار خرج أيضاً بأوقات متفاوتة وجمع فعلة آخرين ولما انتهى النهار طلبَ من وكيلهِ أن يُعطي الفَعَلة أجرتهم مُبتدءاً من الآخيرين. بهذا قصدَ أن يُعلّم الجُموع درساً رائعاً في المحبة:”وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ. قَائِلِينَ هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرّ. فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ يَا صَاحِبُ مَا ظَلَمْتُكَ أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ. أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ”(متى1:20). باختصار، المسيح المُحبّ أتانا ليرفع عنّا لعنة الخطية والموت فطوبى لمن يقبله بالإيمان دون جدال أو مُوَاربة او تعصُّب لينال باسمهِ غفران الخطايا والحياة الأبدية. ***نُصَلِّي:”أيُّها الرَّب يسوع المسيح ارحمني واقبل تَوبَتِي واغفر خطاياي بِدَمِ ذَبِيحَتِكَ الكفَّاريّة واملأنِي بِرُوحِكَ الطَّاهِر وامنحني نعمة الحياة الأبدية المجيدة لأحيا بِقُوَّةِ رُوحِكَ بِبِرٍّ وقَدَاسَة للأبَدِ”. وأخيراً أُهْدِي للآبِ والابنِ والرُّوح القُدُس الإلهُ الوَاحِدُ المُثَلَّث الأَقَانِيم الإكرام والسُّجُود والتَّعَبُّد الآنَ وإلى أَبَدِ الآبِدِينَ، آمين.

مع مَحَبَّة المسيح: راعي كنيسة غيلفورد العربية المعمدانية/سِيدْنِي، القس الدكتور جُون نَمُّور.

‏130-132 Orchardleigh street, Guildford, 2161, Ph: 96320300,

www.arabicbaptist.net