أنطونيوس جلوان

من أبسط الأمور عندما يقع الفراغ في الرئاسة الأولى، أن يدعو رئيس السلطة التشريعية ،المجلس النيابي للانعقاد وانتخاب الرئيس فوراً منعاً للفراغ ولوضع حد «لاستعباد» الرئاسة باساليب ملتوية ونفاق عليم.
النصوص القانونية المنبثقة من بطون الدستور اللبناني تؤكد وتوضّح الآلية التي يجب اتباعها لبلوغ الاستحقاق الرئاسي واعتبار المجلس النيابي «هيئة انتخابية تطبيقاً للمادتين 74 و75 كما نصّ عليهما الدستور، نص كما يلي:
المادة 74:
إذا خلت الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر، يجتمع المجلس فوراً في انتخاب الرئيس» الخلف» مع كل ما تعنيه كلمة» فوراً “.
والمادة 75:
ان المجلس الملتئم لانتخاب الرئيس يترتب عليه، الشروع «حالاً» في انتخاب الرئيس الجديد مع كل ما تعنيه كلمة
“ حالا”.
ولكن شتّان ما بين النص والتطبيق مع مجلس تابع يشبه قطيعاً من الخراف الطائعة والنائمة. مجلس متملّق ومنافق.
الحاصل حالياً، انه بعد نيّف وسنة من مغادرة الرئيس ميشال عون القصر الجمهوري، لا يزال الرئيس بري يناور بتشريع الضروري ،حسب زعمه،وعمده على تأجيل الملّح، أي انتخاب الرئيس. لقد صدق من قال «من اختال في ولايته، أبان عن حماقته.
هذا الاختيال والدجل في تحوير تفسير وقائع النصوص في فهم التشريع، أباح للرئيس ميقاتي أن يستبد بالسلطة التنفيذية لمجلس الوزراء وأيضاً لرئاسة الجمهورية، ليهيمن على كل مفارق السلطة ووضع اليد على المؤسسات كي يصل إلى مآربه.
إننا نشهد اليوم في لبنان على تفتيت الدولة قصداً كي يتعوّد الشعب على قبول الواقع كما هو، أي بدون رئيس للجمهورية.
هنا لا بد لنا من أن نتسائل على بعض المواقف السياسية التي أطلقها الميقاتي مؤخراً مثل تصريحه الأخير وقد قال:
“ابلغنا جميع الموفدين أن الحديث عن تهدئة في لبنان، امرٌ غير طبيعي»، مشترطاً المطالبة بأسرع وقت «إلى وقف إطلاق النار في غزّة بالتوازي مع وقف إطلاق النار في لبنان”.
وكأني بالرئيس ميقاتي تبنّى نظرية وحدة الساحات للثنائي أمل وحزب الله، بغية تحسين شروط التفاوض لايران مع اميركا.
هذا ان دل على شيء، فيدل دلالة كاملة باصطفاف رئيس الوزراء وراء سياسة حزب الله، وهذا ما يناسب الثنائي الشيعي ليبقى لبنان بلا رئيس وعلى أمد طويل.
بهذه الممالقة والمسايرة والمساترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ،تُسْبى سلطة رئاسة الجمهورية فأصبح من السهل غزو مؤسسات الدولة وتدجين القضاء.
هذا الطغيان الثنائي لموءسستيْ الدولة ،بدلاً من تطبيق القوانين لحسن الانتظام، نراه يتستر بالمكر والدجل والإسراع في المساومات
والمساترات. الدليل على ذلك أننا قرأنا في صحف اليوم خبراً عن التوافق بين الرئيسين بري وميقاتي على تعيين الحجار مدّعي عام تمييزي بدلاً من عويدات.
هنا لا بد أن نسأل، بأي بند من بنود الدستور يسمح لرئيس مجلس السلطة التشريعية أن تدخل في تعيين القضاة وغير القضاة. ؟
ومنذ متى يحق لرئيس مجلس النواب تعطيل انتخاب رئيس جمهورية متمسّكاً بمرشحه الواحد .
على ضؤ هذا الواقع بتنا نعرف لماذا هذا التناغم بين بري وميقاتي.
المواطن البسيط يلاحظ بأن الملفات الدسمة أصبحت ترقد في الجوارير مثل : ملف أكبر سطو في هذا القرن على ودائع المواطنين الذي يفوق الماية مليار دولار. هذا الملف أصبح شبه منسي. والذين يطالبون بحقوقهم يُنْظَرْ إليهم شذراً واشمئزازاً، ويُسمح لارسين لوبين في عصرنا الحديث، رياض سلامة الذي صدرت بحقه مذكرات توقيف أن يحضر جنازة شقيقه علناً في كنيسة مار الياس انطلياس وبحماية قوى الأمن الداخلي المفروض ان تلقي القبض عليه “وتسركله”.
أليس هذا استفزازاً للمواطنين وللمودعين؟
ثم بالنسبة لأهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت ، نرى السلطات الأمنية ، تعمل على خنق أصواتهم وفي كثيرٍ من الاحيان على توقيفهم. هنا نسأل لماذا اتهم القاضي النشيط والجريء طارق بيطار بالتقصير؟ حسب كل المطلعين على سيرة هذا الرجل، إنه هُدّد في عقر داره، في وزارة العدل. هذا الالتفاف على القضاء يدل دلالة واضحة على خلفيات الثنائي في الحكم بغية لفلفة السرقات والاستئثار بالحكم من رأسه إلى اخمصه. والذي يثبت مخاوفنا ،ما صدر في جريدة «الايزفتسيا» بمقال للمحلل السياسي «جينافي بوليانوف» ،وقد نشر معلومات خطيرة جداً بحق نجيب ميقاتي تؤكد نهبه لثروة بلده وأبناء وطنه. وقد ذكر في المقال الصفقات التي ارتكبها رئيس وزراء تصريف الأعمال مع
“الاسرائيليين» والامريكان.
بذلك، ودائماً حسب بوليانوف، يحمي الميقاتي مصالحه ومصالح عائلته وحماية رياض سلامة وشقيقه رجا والحفاظ على سرية ما قاما به لتهريب الأموال إلى الخارج. وتقسيم الأرباح في في مستخرجات آبار النفط والغاز في المناطق البحرية. والاخطر من كل ذلك، كما جاء في المقال، تغطية تدمير مرفأ بيروت وذلك بتبهيت ملف التحقيق تبهيتاً كاملاً من أجل عدم الوصول إلى الحقائق. من خلال كل ما تقدم، هل تستغرب السلطتان التشريعية والتنفيذية لماذا، الذين وافقوا على الصيغة التوافقية سنة 1943 ،يطالبون اليوم وبإلحاح على اللامركزية؟
سقطت الدولة سقوطاً مريعاً بتحكّم الثنائي الشيعي على مفاصل الدولة. وأيضاً سقطت الدولة حين أعلن الثنائي الشيعي بولاءه لولاية الفقيه مستفزّاً بذلك جميع مكوِّنات لبنان بمن فيهم الشيعة. الثنائي الشيعي فتفت وشلّع الوطن «الانموذج”.
مع الأسف الذين يحكموننا هم أغبياء، فقد جعلوا من موطن المحبة والسلام والإبداع، موقداً يرمون بابنائه حطباً لدعم قضية من يموّلهم من الخارج. إنهم يدقون الاسفين لشق لبنان وتدمير صيغته التي كانت محط أنظار كبار حكام العالم. مع الأسف مصيبتنا بحكامنا أنهم يشتغلون سياسة التملق والمكر. إنهم تجار وفجار لقد صدق فيهم قول الشاعر والسياسي البارع، يوسف السودا :
إن تَبِعْ ديناً بدنيا قصد منفعة…. وإن تبع وطنا فالكفر سيّان.