جوسلين بدوي شربل – سدني

لا يوجد دخان من دون نار ! كثرت في الآونة الأخيرة الاتهامات المحلية والدولية الموجهة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهو أحد حكّام البنوك المركزية الأطول خدمة في العالم، باعتباره المسؤول الأساسي عن الوضع المالي النقدي والمصرفي في لبنان. كما وجهت إليه اتهامات جمة في إساءة استخدام سلطته لمنفعته الشخصية، و تنفيذ المصرف المركزي سياسات خاصة أسهمت في تضخم ثروته الشخصية و إغناء النخبة السياسية المتحكمة في البلاد منذ ثلاثين سنة، مقابل إفقار وإذلال وسرقة الشعب اللبناني. وذلك ان كان من جهة تدهور سعر صرف الدولار، او كان من احتجاز أموال المودعين في المصارف .

من الملفت أن عدة دول اوروبية منها فرنسا، سويسرا، بريطانيا، اللوكسمبورغ، ليختنشتاين وآخرها ألمانيا تفتح تحقيقاً في القضايا المالية المتعلقة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبشأن مصدر ثروته الضخمة. فالأخيرة هي سادس دولة أجنبية، كما يمكننا ان نعتبر السابعة الدعوة المقامة ضده محلياً.
في سويسرا يحققون في التهرب الضريبي، في فرنسا يحققون في الإثراء غير المشروع، أما في بريطانيا فاتهموه بغسل الأموال وممارسات الفساد. وكل تهمة أخطر و أفظع من الاخرى، ولا سيما انها موجهة شخصياً لحاكم المصرف المركزي والذي يمثل الواجهةالرسمية النقدية والمالية للدولة .

من المؤكد ان هذه الدول الأوروبية لا تلاحق ولا تدعي على أحد عن عبث، ولا تستند على تفصيل عابر،  بل تستقي معلوماتها من مصادر موثوقة إذ لا يهمها ان تدخل في زواريب السياسة اللبنانية المحلية.  في السياق، حسب المتخصصين بالقوانين المصرفية الدولية ان الاتهامات التي طالت حاكم مصرف لبنان في فرنسا خرجت عن كونها اتهامات بل أصبحت قيد التنفيذ.

إضافة الى ذلك، الحدث البارز و المثبت، و الخبر اليقين، الفضيحة الكبرى التي طالت رياض سلامة في مطار “ لو بو رجيه “ شمالي باريس ، وسجلتها الجمارك الفرنسية في تموز الفائت، إثر توجهه من بيروت الى فرنسا على متن طائرة خاصة. إذ فوجئ موظفو الجمارك عند توقيفه لتفتيشه، بعد نفيه انه كان يوجد في حقائبه ما يوجب التصريح عنه، عن وجود ٨٣ الف يورو  و ما يعادل ٧آلاف يورو من الدولار الاميركي في حقيبته.  مما أدى لتوقيفه و تغريمه.
لو حدثت هذه الفضيحة المشينة مع اي من المسؤولين في دولة تحترم القانون و تحترم شعبها، لكان قدم استقالته على الفور و اعتذر من الشعب كما يجري في الدول المتحضرة. كيف وأن المدعى عليه هو حاكم المصرف المركزي ويتبوأ أهم وأعلى مركز مالي في البلاد ويعرف القوانين المالية جيداً. عدا عن النقمة الشعبية التي انهالت عليه لحيازته الدولارات واليورو نقداً  فيما المودع محروم من سحبها من المصارف.
علاوة على كل هذه الاتهامات، الاتهام المباشر لحاكم المصرف المركزي من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه قام بعملية احتيال مخطط بونزي “ Ponzi Scheme” وهو شكل من أشكال الاحتيال، فكان يستدين اموال المودعين من المصارف ويدفع في المقابل فوائد خيالية لأصحاب هذه المصارف.
نتيجة الحملات المستمرة ضد رياض سلامة حول مصادر ثروته الهائلة التي تضخمت بشكل ملفت و خيالي، دافع عن نفسه في بيان تكللته أجوبة استفزازية  لاسيما  من خلال العبارات التالية:
«ثروتي وظفتها في الخارج،
لم أغامر في ثروتي،
استثمرت ثروتي بشكل حكيم،
و ضميري  مرتاح “
كما سابقاً و تكراراً كان يردد : “ضعوا ودائعكم في لبنان والليرة بألف خير و الدولار مضمون”.  هل من المعقول والمنطقي ان تدعو اللبناني المغترب الذي قضى معظم حياته في الغربة وبعيداً عن عائلته، ليجلب جنى عمره ويضعه في مصارف لبنان، بعد كل التطمينات الزائفة الخادعة و المضللة التي أًوهمتهم بها. ألم تفتري على اللبناني الذي وضع تعويض نهاية خدمته في المصارف؟ ألم تخدع كل لبناني وفر قرشه الابيض ليومه الاسود جراء إيداع أمواله في لمصارف؟ وعندما أتى هذا اليوم الأسود المشؤوم لم يحصل على مدخراته فحجزتم أمواله، كما فقدت الليرة اللبنانية قيمتها الشرائية وتهاوت أمام الدولار الاميركي بشكل مأساوي وكارثي في سابقة لا مثيل لها، لم يشهدها من قبل تاريخ لبنان المزدحم بالكوارث.
هل من المعقول حضرة الحاكم أن تدعو اللبنانيين لإيداع اموالهم في المصارف اللبنانية بينما أنت لم تضع اموالك في مصارف لبنان بل هربتها خارج البلاد ، كما تعترف بعظمة لسانك انك وظفتها في الخارج. تفسير ذلك انك تدري مسبقاً منذ البداية الوصول الى هذه النهاية الوخيمة.
حسب المثل الشائع “ طباخ السم بيدوقه “ الا في بلادنا فان طباخ السم لا يتذوقه. نحن الشعب اللبناني فقط من التهم السم بجرعات كبيرة حتى أشرفنا على الموت البطيء. ينصحوننا بما لا يفعلون, يصنعون ما يضرنا ويدمرنا. ان طباخ السم يتذوقه فقط في الأفلام العربية التي يدخل السارق السجن بعد ان يتم احتجاز امواله وتجريده من كل شيء يملكه.

هل من المعقول ان تعترف للشعب اللبناني انك لم تغامر بثروتك، وقد غامرت بأموال اللبنانيين و بددت ثروة شعب بكامله. وذلك عندما امتدت يدك على اموال المودعين في المصارف لتدينهم لدولة تعرف سلفاً انها مفلسة كما تعرف جيداً ان من يتحكم بها مجموعة  من الفاسدين و السارقين. و تقول ضميرك مرتاح، بالله عليك عن أي ضمير  تتحدث؟ وكيف يغفو لك جفناً وقد اصبح معظم الشعب اللبناني تحت خط الفقر؟ فمن لا يؤدبه الضمير تؤدبه الحياة حين تدور.

هل من المعقول ان تبرئ  تضخم ثروتك من انك استثمرت اموالك بشكل حكيم؟  فليس من واجب وظيفتك المهنية ان توظف حكمتك هذه أيضاً في إدارة اموال الخزينة بأمانة ونزاهة، وتحافظ على اموال الدولة، وتمنع السرقة والفساد، وتضع حداً لهذه التجاوزات وانت تراها نصب عينيك ؟؟ أليس من مهمة حاكمية المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف ممارسة الرقابة على اداء المصارف الخاصة ورفع توصيات بمحاسبتها؟؟

إن أردنا تبرئته من كل هذه الاتهامات لا يمكن أن نبرئه من المسؤولية الواقعة على عاتقه كحاكم مصرف لبنان ، لاسيما ان واجباته و مهامه الاساسية هي الحفاظ على اموال الدولة وأموال المودعين، وحمايتهما من كل سارق وفاسد.
من المستغرب جداً ان  يكون المسؤول عن السلطة النقدية والرقابية المصرفية في لبنان في خانة الاتهام المباشر و الإجراءات الجزائية في أكثر الدول تقدماً في قضايا مكافحة الفساد وتبييض الاموال، ويبقى على راس السلطة النقدية، في ظل أسوأ أزمة يمر فيها البلد من تاريخ نشأته وأسوأ أزمة اقتصادية في القرن التاسع عشر.

تحكمت المصارف بمصير وحياة معظم اللبنانيين الذين لم يتمكنوا من التصرّف بودائعهم من أجل تأمين أبسط مستلزماتهم الحياتية، وفرضت عليهم سحب مبالغ محددة أسبوعياً، على مرأى ومسمع سلامة الذي لم يتدخل لحماية المودعين، رغم أنه صاحب المقولة الشهيرةأن لا خوف على الودائع فهي بخير. أما السياسيين تضخمت ثرواتهم كذلك الأمر بالنسبة لاصحاب المصارف كما استطاعوا تهريب اموالهم خارج لبنان و ذلك باعتراف مدراء مصارف اذ كشفوا بان نافذين وسياسيبن هربوا اموالهم خارج لبنان. فتحولت الاموال من دون حسيب و رقيب وبغض النظر من قبل المصرف المركزي الذي يعرف الشاردة و الواردة، كما يعرف جيداً من؟ كيف؟ والى اين ذهبت التحاويل؟ بينما المواطن تبخرت أمواله.

نتيجة كل هذا الظلم والقهر ، من الطبيعي من المودع اللبناني الذي يشكل معظم الشعب اللبناني، الناقم على سلامه، ان يصب غضبه وثأره عليه.سلامه الذي تحول من أفضل حاكم مصرفي عربي الى متهم بالفساد. إذن الحاكم المركزي في قفص الاتهام! كما ان  أصحاب المصارف لا يستطيعوا ان يغسلوا أيديهم ويعلنوا انهم ابرياء، فهم مشاركون أساسيون في تنفيذ جريمة العصر.

أيها المظلوم نم قرير العين، فان الله ناصرك و لو بعد حين،
أيها الظالم لن تنام مرتاح البال وستظل لعنة الظلم تلاحقك الى ما شاء الله.