بقلم بيار سمعان

منذ قيام الثورة الاسلامية في ايران في عام 1979 وحتى يومنا هذا ونحن نسمع اميركا واسرائيل تهددان بضرب ايران وتدمير المفاعل النووية التي انشئت برعاية دولية «لانتاج الطاقة» والتي تتهم ايران بتحويلها لإنتاج القنبلة النووية وتهديد السلم العالمي، حسب ادعاءات خصوم ايران.

فهل فعلاً اصبحت ايران تشكل تهديداً على الكيان الصهيوني في اسرائيل ؟ وما هي حقيقة العلاقات الاسرائيلية الايرانية؟

< الجمهورية الاسلامية ليست ضد اليهود.

بعد اسابيع من انطلاق الثورة الاسلامية بقيادة آية الله الخميني وتغيير النظام في البلاد، ذكرت صحيفة «السيدني مورنينغ هيرالد» ان وفداً من يهود ايران توجه الى اسرائيل لاستشارة المسؤولين فيها حول مصير ومستقبل الجالية اليهودية في ظل النظام الاسلامي في الجمهورية الاسلامية. وادعت الصحيفة ان المسؤولين في اسرائيل طلبوا الى الوفد اليهودي «عدم القلق» والعودة الى ايران ومتابعة حياتهم كالمعتاد، لأن هذه الثورة ليست موجهة ضدهم». ورغم هجرة آلاف اليهود من ايران باتجاه الولايات المتحدة واسرائيل، لا تزال الجالية اليهودية تتمتع بحرية العبادة والعمل في ظل الجمهورية الاسلامية. كما حافظت هذه الجمهورية على حسن العلاقات التجارية مع اسرائيل، وهي لم تتردد، خلال الحرب العراقية الايرانية ، من شراء الاسلحة منها.

< استثمارات في ايران وحرية دينية

وتدعي صحيفة يديعوت احرونوت ان حجم الاستثمارات الاسرائيلية داخل الاراضي الايرانية بلغت 30 مليار دولار سنوياً، رغم شعارات العداء المتبادل بين البلدين، وان 200 شركة اسرائيلية تقيم علاقات تجارية مع ايران، واغلبها شركات نفطية، تستثمر في قطاع الطاقة.

وتشير المعلومات ان ما يقارب المئتي الف يهودي ايراني يعيشون اليوم في اسرائيل ويتلقون تعليماتهم من مرجعهم في ايران، الحاخام الأكبر «يديديا شوفط» المقرّب من الحكم في ايران

ويتجاوز عدد كنائس اليهود في طهران وحدها مئتي معبد، بينما تبلغ نسبة السنّة في ايران بين 5 و10 بالمئة من عدد السكان في البلاد. وتتعامل معهم السلطات الايرانية بحذر  وتضيّق عليهم تحت غطاء منع التطرّف والارهاب، ولا تسهل بناء المساجد الاضافية…

وتستفيد ايران من يهودها في اميركا للضغط عبر اللوبي اليهودي على الادارة الاميركية، كما تستفيد من يهود ايران في اوروبا لانعاش الاستثمارات الايرانية، اذ يملك هؤلاء شركات نفطية كبرى واسهماً في كبرى الشركات الاوروبية.

ويشكّل اليهود الايرانيون في اميركا (12 الف) رأس الحربة في اللوبي اليهودي، ومنهم اعضاء في الكونغرس الاميركي.

وتعتبر ايران من الدول الكبرى التي تضم تجمعات يهودية ضخمة خارج اسرائيل (30 الف) لم يقطعوا تواصلهم مع اقاربهم في الدولة العبرية وسائر الدول.

ويوجد في اسرائيل عدد من كبار الحاخامات من اصل ايراني ولهم نفوذ واسع داخل المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية ويرتبطون بايران عبر حاخام معبد اصفهان.

وزير الدفاع الاسرائيلي «موشيه كاتساف» هو ايراني من يهود اصفهان.

ويحج اليهود الى ايران لأن فيها جثمان «بنيامين» الأخ الاصغر ليوسف الذي باعه اخوته. ويعتبر اليهود ان ايران هي بلد هام في التقليد اليهودي، فيها توفي النبي دانيال، ودفن شاحبقوق»، كما فيها ضريح «استرو مردخاي» وضريح «سوشنوخت» الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد» الاول.

هذا البعد التاريخي الديني الثابت، دفع الرئيس احمدي نجاة الى لقاء وفد من كبار يهود نيويورك عندما مثل بلاده في مجلس الامن. وتبادل العناق والهدايا معهم. وبقي فحوى الاجتماع سراً رغم انتشار صور الاجتماع.

احداث كبيرة وعديدة تدفعنا لنتساءل حول مصداقية العداء بين ايران واسرائيل. اذ استطاع البلدان ان يخدعا العرب والعالم بعداوتهما وبخلق حالة من التوتر  يجرى استغلالها عربياً عبر قنوات متعددة رغم ان ايران تمنح الشركات الاسرائيلية الافضلية في الاستثمارات داخل ايران عبر ما يزيد على 200 شركة اسرائيلية ناشطة على ارضها.

ويجب الا نتناسى ان ثلث الجيش الاسرائيلي هم من يهود ايران، وهي لا تزال تعتبرهم مواطنين ايرانيين.

< الهلال الشيعي ومخاوف السنّة

مع عودة آية الله خميني من باريس الى ايران والاطاحة بالشاه الحليف القوي للولايات المتحدة، بدأت خطة رسم خريطة جديدة للمنطقة على اساس مذهبي، وانطلقت عملية بناء الهلال الشيعي من طهران الى بيروت.

وساهمت اسرائيل بدعم الجمهورية الاسلامية في حربها ضد صدام حسين. ثم استفادت اسرائيل من حلفائها للاطاحة بصدام حسين وتدمير القدرة العسكرية العراقية، فاتحة بذلك المعبر الصعب لتحقيق حلم المملكة الفارسية وتقسيم العالم العربي، السني في اغلبيته، وانهاكه في نزاعات داخلية تتمحور بمجملها حول النزاع السني الشيعي.

ومع استلام الاغلبية الشيعية الحكم في العراق، قامت ايران بدعم الحكم الجديد ودخلت الى الشرق الاوسط من بوابته الشرقية، اي العراق.

وكان دعم الحكم «العلوي» في سوريا، مقدمة لتدخل ايران ومشاركتها القتال الى جانب النظام ظاهرياً للحفاظ عليهه في ازمته الدامية، لكن بالحقيقة، اصبح الوجود الايراني على الساحة السورية هدفاً لاتمام الهلال الشيعي ووصله بلبنان ، الحلقة الاخيرة في هذا التمدّد، بحجة محاربة اسرائيل والقضاء على الكيان الصهيوني، وتمهيد الارضية الملائمة لعودة «المهدي المنتظر».

وخلال هذه السنوات سمحت الدول العظمى لايران الانطلاق في انتاج الطاقة النووية. فالتمدّد الايراني من طهران الى بيروت، واحتمال امتلاك ايران القنبلة النووية شكلا صدمةعنيفة للعواصم العربية، خاصة لدول الخليج العربي وللسعودية على رأسها.

وفتكريس الوجود الايراني في العراق وسوريا ولبنان، بواسطة حزب الله احدث تحولاً هائلاً في الواقع الجيوسياسي، يقابله من ناحية اخرى الوجود الحوثي في اليمن والمدعوم ايرانياً.

< السعودية ودول الخليج في احضان اسرائيل

فالتضييق على دول الخليجية المنتجة للنفط دفعها دون اي تردّد الى فتح العلاقات مع دولة اسرائيل، طلباً للحماية من ايران التي سُمح لها اصلاً بالتمدّد داخل العالم العربي.

لذا سبق اعلان ترامب «القدس عاصمة لدولة اسرائيل» تحولاً جذرياً في العلاقات العربية الاسرائيلية. فمصر والاردن تربطهما بها معاهدات  سلام. قطر وسواها لديهم علاقات تجارية معها. ولم يبق سوى السعودية، وهي الدولة السنية الأهم، بكل ما تعنيه الكلمة، اي من الناحية الاقتصادية او الناحية الدينية. لذا لم يتردّد ولي العهد، محمد بن سلمان من الاعلان في اكثر من مناسبة، انه يجب قبول اسرآئيل كدولة مجاورة وصديقة. كما انه لم يتردّد في  طلب مساعدتها مع الاميركيين، للتخلص من الوجود الايراني وتمدّد نفوذها العسكري في المنطقة، وتهديد وجود انظمة وراثية فيها.

لم يعد صعباً اليوم رؤية الدور الاسرآئيلي في الواقع الجديد الذي يتبلور يوماً بعد يوم.

فلاسرائيل اجندتها السياسية في المنطقة، كما للغرب، وعلى رأسه اميركا وبريطانيا، اهداف في وضع اليد على خيرات المنطقة النفطية، والحؤول دون تحوّل الثروات العربية الى عوامل ايجابية لتطور المنطقة ونشر الحداثة والانفتاح على العالم، بل انفاقها على الحروب والدمار.

من هنا يفهم دور «الدولة الاسلامية» ومساعي اعادة المسلمين الى عصر الخلافة، على انه ليس فقط عاملاً مدمراً لفرص التطور، بل رافقه اعمال عبثية ارعبت العالم وشوهت صورة الاسلام والمسلمين وصبغتهم بطابع الارهاب والتطرف ورفض التطور.

ويكاد الغرب اليوم، بسبب الارهاب المتنقل وامواج اللاجئين وارتفاع حدة الكراهية للمسلمين ، لا يمانع ان يجرى القضاء على العرب للتخلص من وباء التطرف والذبح والسبي، بعد ان اقتلعوا  وانهاء وجود الاقليات الدينية والعرقية من العالم العربي.

فإيران التي تدعي محاربة اسرائيل، يبدو انها متفاهمة معها حول الخطوط العريضة. واستفادت اسرائيل من تقدمها في العالم العربي، لكي تدفع الدول النفطية للارتماء في احضانها والخضوع لتوصياتها واملاءاتها بغية خلق شرق اوسط جديد. ويبدو ان الخطة هي على الطريق المرسوم لها.

< الوضع اللبناني

حيال هذا الواقع، نتساءل حول حقيقة الوضع اللبناني اليوم؟

بعد ان انقسم المجتمع اللبناني بين 8 و14 آذار، جرى ضرب هذه المقولة بسحر ساحر، واعيد خلط الاوراق السياسية.

فحزب الله الملتزم بولاية الفقيه، يصبح بالتالي غير بعيد عن التفاهمات الايرانية الاسرائيلية. وحزب الله «المستقوى» بقدراته العسكرية تمكّن من ايصال رئيس للجمهورية ملتزم ايضاً بتفاهمات معه. وربما راهن سمير جعجع على إلغاء هذه التفاهمات لقاء دعمه رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، للوصول الى سدة الرئاسة. لكن اظهرت الوقائع ان الرئيس عون غير قادر على التخلص منها لألف سبب وعلة. واصبح يميل الى اخذ البلاد باتجاه التحالف الايراني السوري لحماية العهد، وبحجة ضرورة فتح حوار مع النظام السوري لمعالجة ازمة اللاجئين السوريين، والتعاون مع القوى الفاعلة ميدانياً على الساحة السورية لمكافحة الارهاب والتطرّف.

واستفاد حزب الله من حالة الضياع السني، خاصة بعد احتجاز رئيس الوزراء سعد الحريري لاجتذاب البعض الى محور المقاومة، وبالتالي، الى المحور الايراني. وقد يكون الرئيس سعد الحريري اول الضحايا، او الزعيم المستضعف الذي سيقود عملية التطبيع مع حزب الله وايران، خاصة بعد ان تمكن حزب الله من خلق فيلق سني واعاد احياء رموز الحقبة السورية في لبنان، خلال الانتخابات الاخيرة هذا لم يجر فرملة توجهاته.

ولم يعد سنّة لبنان بعيدين عن شباك اسرائيل. فالسعودية الجديدة تطبّع علاقاتها مع اسرائيل وتركيا ليست «العدو اللدود لها». المرجعبات السنيّة الكبرى (مصر، تركيا السعودية) ليست على عداء معها اليوم.

اما القيادات السياسية الاخرى فبعضها سوري/ايراني الميول، والبعض الآخر سعودي اميركي.

وهكذا يبدو، ضمن هذا المنطق السياسي، ان الجميع اليوم يعملون لصالح اسرائيل او يسيرون في فلكها عن وعي او بسبب الأمر الواقع.

فلبنان والعالم العربي بأسره اصبحوا هم دولاً مكشوفة وتحت رحمة الارادة الاسرائيلية.

والشعارات التي تطرح في الشارع هي مجرّد شعارات للاستهلاك الشعبي. الواقع المؤلم والصحيح اننا جميعاً نعمل لخدمة الكيان الصهيوني. والحرب المقبلة التي تبدأ عندما ينتهي دور ايران في المنطقة،  ستكون لصالح اسرائيل.

ونقطة على السطر.

pierre@eltelegraph.com