يشير رئيس وزراء سنغافورة لورانس وونغ إلى وجود “مصالح مشتركة” مع أستراليا ورغبة بلاده في توسيع الروابط العسكرية، بما في ذلك زيادة محتملة في الوجود العسكري الأسترالي في الدولة الجزيرة، كجزء من شراكة تجارية ودفاعية مُحدّثة بين البلدين.
تأتي هذه الخطوة في أعقاب توقيع أستراليا وبابوا غينيا الجديدة على معاهدة دفاع تاريخية، ستسمح لـ 10,000 مواطن من بابوا غينيا الجديدة بالخدمة في قوة الدفاع الأسترالية.
وصل رئيس الوزراء وونغ إلى أستراليا للمشاركة في الاجتماع السنوي للقادة، بينما تحتفل سنغافورة بالذكرى الـ 60 لتأسيسها واعتراف أستراليا بالدولة الجديدة.
دعوة لتفادي “الكتل المتنافسة”
في مقابلة حصرية مع هيئة الإذاعة الأسترالية (ABC) قبل زيارته، أعرب وونغ عن قلقه بشأن الصراع المحتمل في تايوان والتأثير المحتمل لتعريفات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الاقتصاد المحلي.
حذّر وونغ من “العواقب الهائلة” لانتهاء النظام العالمي الذي ساد منذ الحرب العالمية الثانية، منبهاً إلى مخاطر ظهور “كتل متنافسة ومناطق نفوذ حصرية”. وقال إن هذا “سيكون مزعزعاً للاستقرار وخطيراً على الجميع. ليس فقط على الدول الصغيرة مثل سنغافورة، بل على أستراليا والعديد من الدول الأخرى.”
وأضاف أن “من مصلحتنا المشتركة محاولة تجنب ذلك ومنع حدوثه”، مؤكداً أن دولاً مثل أستراليا وسنغافورة “لا يجب أن تكون متفرجة سلبية” على الرغم من نفوذ القوى الكبرى.
شراكة استراتيجية في عالم متغير
أشار وونغ، الذي تولى منصبه في ديسمبر الماضي، إلى أن هذه الشراكة بين سنغافورة وأستراليا “أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى ونحن ندخل عالماً يتغير بعمق”.
وأوضح أن البلدين يتشاركان “رؤى ووجهات نظر استراتيجية متشابهة جداً”، خاصة فيما يتعلق بـ “قضايا الأمن، والتجارة الحرة، والنظام القائم على القواعد”. هذه المصالح الاستراتيجية المتوافقة تجعلهما “صديقين وشريكين طبيعيين”.
تأسست العلاقة الشاملة بين البلدين على اتفاقية تجارة حرة (2003) وتم توثيقها في شراكة استراتيجية شاملة في عام 2015، تغطي مجالات واسعة تشمل الدفاع، والعلوم والابتكار، والاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الأخضر. ويجري حالياً مناقشة تحديث هذه الشراكة.
تعزيز التعاون الدفاعي
بسبب موقعها الجغرافي والاستراتيجي، تحافظ سنغافورة على إنفاق دفاعي كبير وتطبق خدمة وطنية إلزامية على جميع مواطنيها الذكور. كما أنها عضو في “ترتيبات الدفاع للقوى الخمس” إلى جانب أستراليا، وماليزيا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة.
لطالما استضافت أستراليا فرص تدريب للقوات المسلحة السنغافورية والقوات الجوية السنغافورية. وأشار وونغ إلى أن تحديث العلاقات الدفاعية يمثل أولوية رئيسية حالياً.
وعند سؤاله عن كيفية رغبته في تطوير العلاقات الدفاعية، قال وونغ: “لدينا بالفعل أساس قوي للغاية. أعتقد أنه يمكننا المضي قدماً.”
وأضاف: “على سبيل المثال، نناقش إمكانيات وصول جيوشنا إلى المنشآت الدفاعية في كل من بلدينا. هذا تعاون مُعزز”. وأكد أن سنغافورة تبحث أيضاً في التعاون في التكنولوجيا الدفاعية وسلاسل الإمداد اللوجستية الدفاعية. ورداً على سؤال حول شكل الوجود الأسترالي المحتمل في سنغافورة، أجاب وونغ بأن الأمر “قيد المناقشة”، مشيراً إلى أن بلاده تقدم تسهيلات مماثلة للقوات الأمريكية التي تقوم بتناوب في المنطقة.
نظرة سنغافورة إلى “أوكوس” (AUKUS)
بخصوص الشراكة الأمنية الثلاثية “أوكوس” (بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، أكد وونغ أن سنغافورة تدعم استمرار الوجود الأمريكي في آسيا، معتبرة أن “المظلة الأمنية الأمريكية في هذا الجزء من العالم حاسمة لتوفير إطار للاستقرار والازدهار المستمر في آسيا”.
وقال إن سنغافورة ترى أن “أوكوس يمكن أن تكون قوة إيجابية في هذا الاتجاه”. لكنه شدد على أن المفتاح لمنطقة جنوب شرق آسيا هو أن تظل المنطقة “مفتوحة وشاملة”، رافضاً “المنافسة الصفرية” وداعياً إلى منطقة تشارك فيها جميع القوى الكبرى بعمق.
القلق من الحمائية التجارية وتداعياتها
أعرب وونغ عن قلقه البالغ إزاء ارتفاع التعريفات الجمركية التي أعلن عنها ترامب. وقال إن العالم يدخل “حقبة تكون فيها التعريفات أعلى، وأقل اتساقاً، وأكثر تقلباً”، مشيراً إلى أن التعريفات، بمجرد زيادتها، يصبح من الصعب جداً خفضها مرة أخرى.
هذا الاتجاه قد يؤدي إلى “تجزئة اقتصادية أكبر”، وإلى سيناريو أسوأ يتمثل في “كتل متنافسة ومناطق نفوذ حصرية” يكون “مزعزعاً للاستقرار وخطيراً على الجميع”.
وقال وونغ إن دولاً مثل سنغافورة وأستراليا “لديها القدرة” على العمل معاً “للمساعدة في الحفاظ على الأطر متعددة الأطراف التي تهم”، والمساهمة في توجيه “نظام جديد” ليظهر في الاتجاه الصحيح.
كما أكد وونغ على دور جنوب شرق آسيا في تعزيز جاذبية المنطقة كسوق موحدة، مشيراً إلى ضرورة خفض الحواجز غير الجمركية للاستثمارات.
القلق بشأن تايوان
بخصوص مستقبل تايوان، قال وونغ إن المنطقة بأكملها “قلقة جداً” من اندلاع أي صراع. موقف سنغافورة واضح: “نحن نعارض استقلال تايوان. لدينا سياسة الصين الواحدة”.
ودعا جميع الأطراف — تايوان، وأمريكا، والصين — إلى “عدم اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب بعيداً عن الوضع الراهن، خاصة الخطوات التي تتم بطريقة غير سلمية”. وقال إن الخطر الأكبر لا يكمن في قرار عقلاني للتصعيد، بل في “وقوع حادث أو سوء تقدير”.

