في زمن يعلو بالضجيج على المعنى والقيم، في وقتٍ سادت به السطحية والتفاهة وكاد الإنسان ينسى ان ينصت ويتذكر الجمال والسمو ، جاء صوت الأرض ليعيد الينا القدرة على  الإصغاء والإنصات ، ومتابعة العمل الرصين والذوق الراقي.

ومن أقصى جنوب الأرض ، من استراليا وهي تتكلم بلغات شعوبها، ومن تلك البقعة التي جمعت شعوب العالم تحت سمائها وفي قلب مدينة سدني ولد مهرجان صوت الأرض بنسخته الخامسة في يوم الأحد 2025/6/22 ، لا كمهرجان فني وإنما قصيدة تنشدها الشعوب حاملة في طياتها سلام الإنسانية.

احتفلت  ولاية NSW ومن على خشبة مسرح كسولا باورهاوس بالتنوع الثقافي المتعدد العابر للقارات ..

إنه احتفال فريد بالتنوع الثقافي والإرث الحضاري غير المادّي للشعوب ، حيث تلتقي الحكايات  وتراث شعوبها وهي ترتجل بكل ارثها لتستقر في استراليا خلال البانوراما الثقافي والحضاري للشعوب.

كانت جولة حول العالم بعين ولغة واحدة ومفهوم واحد هو التناغم والإنسجام الإنساني ….

وفي عمق الصمت يعلو صوت آخر لايسمع بالآذان وإنما يحسّ بالقلب ، انه صوت الموسيقى الصوفية لتتجلى كل المعاني الروحانية وترتقي النفوس إلى مقامات الصفاء وهي تعبر عن الشوق الإلهي ليمتزج هذا الشوق مع دوران الدراويش  وهي تعانق السماء حيث تعرج النفوس من العتمة إلى النور..

فلقد تجاوزت الموسيقى والرقص الصوفي حدود الزمان والمكان فلامست قلوب الناس من شتى الثقافات ..

لنسمع صوت آخر من أصوات الأرض وبالكيتار الاسباني وهو يعزف معزوفات تلك الحقب الغابرة ، والإرث القديم وموسيقى الغجر  ..

وتدور الأرض ثانية لتأخذنا إلى وادي الرافدين ، حيث الماء يعانق القصب وتتنفس الأرض من ضفاف الأهوار، يولد الإيقاع من قلب الناس، حيث نرى الراقصات يضربن الأرض بأقدامهن لاستحضار الشوق والجمال الذي ينادي الأرض بإيقاعات وهو يطلب منها ان تصحو تزدهر من جديد.. مع ألوان الإيقاع الجنوبي وهو يعانق الغربي برقصات فولكلورية جميلة انعشت الذاكرة وايقضت الأحاسيس.

وتدور الأرض من جديد في مشهد مسرحي كوميدي صامت  يتكلم بصمت ويهمس بصوت صاخب من فرقة مكي البدري للتمثيل لتقول للعالم ، إننا نعيش في عالم واحد بالرغم من التعدد والتنوع الثقافي .. وعلينا تقبّل الآخر لا رفضها.

ليختتم صوت الأرض من أزقة بغداد العتيقة ودرابينها وحاراتها، الفنان الكبير إسماعيل فاضل حاملا في صوته سحر المقامات وأصالة الطرب العراقي الأصيل ،حيث  اطرب الجمهور الكبير والذي كان جسرا مابين العراق والعالم …

وهكذا واصل الجمهور المتذوق حضوره الرائع مبتهجا فرحا وكأن الساعات مرت دقائق وحاملا ذكرى صوت الأرض الذي لايهدأ