طوني قزي
لا مكان اليوم للكلام المبطّن وإثارة النعرات، إذ لا صوت يعلو فوق صوت المأساة؟.
عندما تكون مدرستنا واحدة وجامعتنا واحدة ومستشفانا واحداً ، وما دام الموت واحداً، فلماذا نحن مختلفون.. نعم مختلفون في السياسة وفي النظرة الى الوطن، مفترقون حول المسلًمات ، متباعدون في النظرة الى المجتمع وفي العقيدة التاريخية، وفي هذه كلها لنا الحق بالتمايز وإعلاء الصوت، ولنا ملء الحرية في التعبير عن رأينا وعن قناعتنا، ولكن أمام سطوة الموت ورهبة الحزن وشمول الفاجعة، تصبح واحداً لأن الإنساني هو المقدّس أما السياسي فهو المُدنّس؟..
في النهاية، يظلّلنا سقف واحد ويجمعنا وطنٌ واحد.. صحيح أن في كل غرفة في هذا الوطن شخص له مزاياه، وفيها ديكور يختلف عن الغرف الأخرى.
ولأن الموت حق، ترانا نتوحّد الى جانب ضحاياه عزاءّ وتطييباً للخواطر وترحّماً على الضحايا والشهداء. وما حصل يوم الثلاثاء، طالنا جميعاً وكنا كمن استفاق من كابوس وراح يفرك عينيه وينفض الغبار عن جسمه؟!.
الصدمة أكبر من أن توصف، إنها صفعة للإنسانية البكماء المتفرجة على مأسي الشعوب، فكيف في وطن تعجز مستشفياته في أيام السلم عن استقبال النرضلا لافتقارها ىالى كل مقومات الطب ، فكيف أمام هذا الكم من الجردى؟!.
اليوم يقفز اللبناني فوق جراحه، فهو ليس مسيحياً أو شيعياً أو سنياً أو درزياً.. اللبناني اليوم هو لبناي وكفى..
عندما سقطت باريس بيد الألمان سنة 1940 ، تسلّم فيشي حليف الألمان الحكم ولّما كانت فرنسا تستعمر المغرب حاول فيشي تطبيق السياسة النازية على يهود المغرب الذين كان تعدادهم آنذاك 300 ألف يهودي.
لكن الملك محمد
الخامس بقي متضامنا مع اليهود المغاربة حين حاولت الحماية الفرنسية مضايقتهم ، تبعاً للتوجيهات الصادرة من “حكومة فيشي” التي تعاونت مع نظام الحكم الألماني، و أكد الملك المغربي للسلطات الفرنسية أنه “لا يوجد يهود في المغرب، هناك مغاربة فقط، وكلّهم من رعاياي”.
ونحن اليوم لبنانيون فقط، وما تفرّقه الحياة يجمعه الموت؟!..
ومهما حاولت أحزاب وقوى وجماعات توظيف ثنائية الدين والسياسة وإعطائها طابعا حادّاً على النقاش العام يحول لدى المواطنين دون تبلور قبول التعددية والرأي الآخر ، سنبقى أبناء الوطن الرسالة نرفض الإقصاء والاستبعاد كمكونات أصيلة للسياسة الديمقراطية.
رحم الله شهداء يومَي الثلاثاء والأربعاء وشفى الجرحى منهم.