سركيس نعوم
يعتقد باحث أميركي متخصّص إذا جاز التعبير بمصر والأردن إضافةً الى إسرائيل طبعاً، تولّى في مرحلة سابقة غير بعيدة موقعاً مهماً في وزارة الخارجية الأميركية، أن حرب غزة وضعت الأردن في موقف محفوف بالمخاطر. فهو في سلام مع جارته إسرائيل منذ عام 1994، ويحافظ على علاقات وثيقة مع واشنطن، ويؤدّي دوراً مميزاً في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، فضلاً عن أن نحو 60 في المئة من سكانه هم من أصل فلسطيني. وهو شهد بعد «طوفان الأقصى» والرد الإسرائيلي التدميري والقاتل على قطاع غزة بشراً وعمراناً تظاهرات احتجاجية في مختلف مناطقه، وأظهر قدرةً على التعامل معها وعلى الحؤول دون اندفاعها الى العنف الشديد المواجه للدولة.
إلا أن تركيز الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأردن في رأيه يثير قلق دولته ومليكه وحكومته وقواته الأمنية والعسكرية. ذلك أن طهران ترى أنه ضعيف وتسعى تالياً الى استغلال الحرب لزعزعة استقراره. وهي كانت حذّرت السلطة في عمّان قبل هجومها على إسرائيل بالمسيّرات والصواريخ في 13 نيسان الماضي من التدخل كي لا تُصبح «الهدف التالي». كما أنها نظّمت بعد الهجوم حملة إعلامية إلكترونية على الأردن لدوره، وفق بعض التقارير، في إسقاط مسيّرات إيرانية، ولسماحه للطائرات والأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ بالانخراط في أعمال قتالية فوق أراضي المملكة. هذا فضلاً عن زعم نظام الحكم الديني في إيران أن عمّان استضافت مركز قيادة عمليات التحالف الذي قادته أميركا لإحباط هجومه المسيّراتي والصاروخي على إسرائيل.
كيف ردّ الأردن على ذلك؟ بالتقليل من أهمّية علاقته بإسرائيل يجيب الباحث الأميركي نفسه، وبوضع القضيّة في إطار مسألة السيادة. أظهر ذلك وزير خارجيته أيمن الصفدي بقوله: «تصرّف الأردن على أساس سيادته تجاه أيّ شيء يدخل مجاله الجوي لأنه يشكّل خطراً عليه وعلينا. وقمنا بما يتعيّن علينا القيام به لإنهاء هذا التهديد، وهذا ما فعلناه».
وبدا الصفدي أنه يحمّل إسرائيل أيضاً مسؤولية القصف الإيراني، إذ أشار الى ضرورة «التعامل مع سبب كل هذا التوتر وهو العدوان الإسرائيلي على غزة». وسعى في محادثات أجراها في ذلك الوقت مع نظيره الإيراني (الراحل) حسين أمير عبداللهيان الى اتباع مسار استرضائي، إذ قال له إن الأردن يريد «علاقات طيّبة مع طهران». «لكن ذلك يتطلّب من بين أمور أخرى عدم التدخل في الشؤون الداخلية الأردنية». ثم قال: «مشكلة إيران مع إسرائيل وليست مع الأردن.
لا إيران ولا غيرها تستطيع المزايدة على ما يقوم به الأردن وما يقدّمه وما قدّمه تاريخياً من أجل فلسطين». لكن بعد أسبوعين من تلك المحادثات استدعى الوزير الصفدي السفير الإيراني احتجاجاً على تصريحاتٍ «مسيئة» للأردن في وسائل إعلام إيرانية كانت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية من ضمنها. إلا أن تدخّل إيران هذا يتجاوز الانتقادات والإهانات العلنية في رأي الباحث الأميركي نفسه. الأمر الأكثر إشكالية هو أن تدخّل إيران في المملكة الأردنية يمتدّ الى وكلاء طهران وحلفائها الإقليميين الذين كانوا منشغلين على نحو متزايد بمحاولة زعزعة استقرارها.
فـ»حزب الله» اللبناني وهو «درّة تاج إيران» انتقد المملكة الأردنية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهتها كلها هجوم إيران على إسرائيل. وحذّر نائب رئيسه الشيخ نعيم قاسم من أن شعوب الدول العربية التي دعمت إسرائيل في 13 نيسان الماضي «ستحاسبهم».
كما هدّدت ميليشيا «كتائب حزب الله» العراقية التابعة لـ»الحشد الشعبي» المدعومة من إيران هدّدت المملكة الهاشمية. في مطلع نيسان الماضي أعلنت «الكتائب» نفسها «أنها تستعدّ لتجهيز 12 ألف مقاتل داخل المملكة بالأسلحة ومنها قاذفات صاروخية ضد الدروع وصواريخ تكتيكية لنشرها ضد إسرائيل».
وقال أحد مسؤولي «الكتائب»: «لنبدأ أولاً بقطع الطريق البرّي الذي يصل الى الكيان الصهيوني». هذا فضلاً عن ارتفاع الصادرات غير الرسمية من سوريا الى الأردن مثل المخدرات والأسلحة المضادة للدبابات وقاذفات صواريخ ومتفجرات وألغام ضد الأفراد. لكن الأمر الأكثر إشكالية للأردن كان تصرفات «حماس» التي اتخذت، بتشجيع من إيران، خطوات تهدف على ما يبدو الى تقويض الاستقرار في المملكة. وقد دعا خالد مشعل في حينه ملايين الأردنيين الى النزول الى الشوارع دعماً لـ»حماس» واحتجاجاً على… كما دعا «أبو عبيدة» من أنفاق غزة الأردنيين الى تصعيد أعمالهم ورفع صوتهم ضد إسرائيل. هذا ما دفع قيادة الأردن الى رفض اقتراح قيادة «حماس» الانتقال الى الأردن إذا اضطُرت الى مغادرة قطر.
في النهاية يعتقد الباحث الأميركي نفسه أن المرجّح هو أن يكون للتعاون الأمني الأردني – الإسرائيلي المستمر والعميق والهادئ دور في المساعدة على ضمان أمن المملكة. وتفيد معلوماته أن خيار إيران قبل «طوفان الأقصى» من غزة كان انتفاضةً شعبيةً قويةً واسعة في الضفة الغربية على إسرائيل وليس الطوفان المذكور لو كانت تعلم بالإعداد له.