مع الذكرى الـ49 لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانيّة في 13 نيسان 1975، ترنح السلم الأهلي عقب جريمة قتل منسّق حزب «القوّات اللبنانيّة» في جبيل باسكال سليمان.
وأعلنت منطقة جبيل الإضراب العام، تزامناً مع مراسم رتبة دفن سليمان، يوم الجمعة، التي بدأت من كنيسة مار جرجس في جبيل، بقداس ترأسه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وتخلل القداس كلمة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسط حضور سياسي وديني وشعبي كبير، واللافت فيه أنه كان بمشاركة غالبية الأطراف السياسية. كما سُجل حضور شعبي من مناطق لبنانية أخرى تعبيراً عن الوحدة الوطنية والتضامن الشعبي مع أهل الضحية.
الأطراف السياسية والأمنية على حدّ سواء، تداعوا للملمة التداعيات لاسيما في المناطق التي يمكن أن تشهد توتراً بين المواطنين، خصوصاً بعد أن عكست وسائل التواصل الاجتماعي حجم الاحتقان الطائفي والمذهبي من جهة، والتعرض للعمال السوريين من جهة ثانية مع ما رافق ذلك من دعوات لترحيلهم أو لمغادرتهم المناطق التي يقطنون فيها.
الجيش اللبناني عزز من ناحيته وحداته العسكرية المنتشرة، وسيّر الدوريات. توازياً كانت الدعوات من مختلف المراجع الدينية لدرء الفتنة، وعدم السماح للعابثين بالسلم الأهلي بتمرير مشاريعهم التدميرية.
أمّا سياسياً، فقد كان واضحاً ثقل الجريمة التي زادت من حدّة الاتهامات بين الأطراف المختلفة، ما رفع من وتيرة التشنج بين اللبنانيين، المنقسمين أصلاً. وتحت وطأة هذه المستجدات أخذ الخطاب السياسي منحى آخر، لتهدئة الشارع والحدّ من تفاقم الأزمة خصوصاً وأنّ البلاد تعيش حالة حرب منذ أكثر من ستة أشهر في الجنوب، وما يرافقها من مقاربات متناقضة، إضافة الى الأزمة الاقتصادية والمعيشية، لتضاف إلى ذلك أزمة النزوح السوريّ.
إنطلاقاً من كل ما سبق، تقرر تمديد عطلة عيد الفطر، وأُعلن عن إضراب شامل في منطقة جبيل، تزامناً مع مراسم دفن باسكال سليمان انطلاقاً من كنيسة مار جرجس في جبيل، مروراً بكل المناطق التي من المقرر أن يسير فيها موكب الجثمان، وسط إجراءات أمنية مشددة.
ترأس الجنازة السياسيّة والشعبيّة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بمساعدة لفيف من الكهنة. وقد ظهرت عليه علامات التأثر وحاول إخفاء دموعه عندما توجه بالحديث إلى زوجة الفقيد وأولاده ليقول: «نحن أبناء الرجاء، أبناء الحياة أبناء اللا خوف… لذلك لن نخاف”.
وودّع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، منسّق «القوات» في قضاء جبيل الرّاحل #باسكال سليمان، قائلًا: «وداعاً رفيقي باسكال، الرفيق الرفيق، ابن القضية، المناضل الحقيقي، الصادق، المستقيم، المؤمن، والذي يضحّي في كل شي حتى بحياته من أجل القضية. هذا أنت يا باسكال وهذه هي القوات اللبنانية»، مشيرًا إلى أنّ كثرا يسألون: «وهلق شو؟”.
وأوضح، في كلمة له عقب مراسم جنازة سليمان في كنيسة مار جرجس في جبيل، أنّ «الجواب بسيط وواضح جداً: «وقت الخطر قوات». فالمواجهة مستمرة، وستبقى إلى حين الوصول إلى شاطئ أمان فعلي، حقيقي، ثابت ونهائي»، لافتًا إلى أنّ «مواجهتنا ليست للأخذ بالثأر أو ردة فعل أو مواجهة طائفية أو مناطقية أو عرقية، بل هي من أجل الانتقال من الواقع المرير، المؤلم، المجرم، الفاشل الذي نعيش فيه منذ سنوات، إلى الواقع الجديد المرتجى ككل مجتمعات العالم المتحضّر حيث يعيش الإنسان فيه بأمان واستقرار وعزة وحرية وكرامة”.
وركّز جعجع على أنّ «مواجهتنا هي للانتقال إلى واقع جديد يمكنه استيعاب الأجيال الجديدة وأحلامها وتطلّعاتها وآمالها، ويؤمن لها حياة كريمة وفرص نجاح لا تنتهي وآفاقاً مستقبلية لا حدود لها، وذلك في لبنان وليس في أي بلد ثان»، مشدّدًا على أنّ «مواجهتنا مستمرة مع جميع اللبنانيين الشرفاء الأحرار حتى الوصول إلى هنا بالتحديد، كي لا نتعرض كل 5 أو 10 سنوات إلى حرب جديدة، وكي لا نعود ونخجل بجواز سفرنا اللبناني أمام العالم، كي لا نبقى «موسومين» ببلد الإرهاب والكبتاغون، كي لا تستمر عمليّات الاغتيال والقتل والخطف كما حصل مع باسكال”.
وفي السياق، أكّد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في عظته خلال جنازة منسق جبيل في «القوّات اللبنانيّة»، أنّ «الشرّ كثُر على أرض لبنان والحاجة ماسّة إلى فداء»، لافتاً إلى أنّ «زوجة باسكال سليمان بدّلت بكلمتها المنطق السائد والمتأجج وهو منطق الانتقام والثأر والإشاعات وخلق أجواء محمومة ودعت إلى الثقة بالأجهزة الأمنية خاصّة الجيش الذي تمكّن عبر مخابراته من كشف ملابسات الخطف والاغتيال مع الثقة بالقضاء مع عدم تسييسه».
واعتبر الراعي أنّ «الرحمة والعدالة لا تنفصلان، ولكن لا غفران من دون عدالة. ومن هذا المبدأ قالت زوجة الفقيد «نحن أبناء اللاخوف» ولم تتلفّظ بما نسمع اليوم صباحاً ومساءً بكلمة ثأر أو قتل أو اتّهام بل غفرت بصمت وفقاً لثقافتها الإيمانية تاركة قرار العدالة للقضاء”.
وإذ أكّد أنّ «الحقيقة ستظهر لا محالة»، أسف الراعي أنّ «يكون مقترفو الجريمة من النازحين الذين استقبلهم لبنان بكل روح إنسانية، لكن بعضهم يتصرّف بشكل لا إنساني وباتوا يشكّلون خطراً على اللبنانيين في عقر دارهم، وأصبح من الملحّ إيجاد حلّ نهائي لضبط وجودهم مع الجهات الدولية والمحلية بعيداً عن الصدامات التي لا تُحمد عقباها»، مؤكّداً أن «من واجب السلطات مواجهة مسألة النزوح بالطرق القانونية، فلبنان الرازح تحت أزماته الاقتصادية لا يتحمّل إضافة أعباء نصف سكانه”.
وختم الراعي: «بغياب باسكال يخسر حزب «القوّات اللبنانيّة» عنصراً أساسياً من عناصره، وهو بسقوطه يقوّينا لأننا كما قالت زوجته «أبناء القيامة وأبناء اللاخوف”.