بقلم غسان نخول
معالي الوزير، كثيرون من اللبنانيين يعتقدون أن سفارتكم في بيروت تعمل على سلبهم مدّخراتهم، أو أنها في أحسن تقدير متواطئة، عن قصد أو غير قصد، مع جهات تستغل الوضع الاقتصادي الصعب لتبتزّهم وتأخذ معلوماتهم الشخصية لأغراض مشبوهة.
كلام كبير وخطير؟ بلا شك! ليس المقصود به إحداث صدمة لديكم، معالي الوزير، بل أن الواقع في حد ذاته صدمة، والادّعاءات وصمة عار على جبين أستراليا.
منذ بداية العام الحالي، تقدّم مئات اللبنانين بطلبات لزيارة أستراليا من أجل المشاركة في مناسبات عائلية عزيزة عليهم، كما كانوا يفعلون على مر السنين الماضية، لكنَّ المحظوظين منهم كانت قلة لا تُذكر. أعرف شخصياً عشرين حالة على الأقل من الذين رُفضت طلباتهم لزيارة أستراليا خلال الشهرين الماضيين، بينهم رؤساء بلديات ومخاتير ورجال دين. معظم هؤلاء زاروا أستراليا سابقاً، وبعضهم مرات عدة، ولم يخالفوا شروط تأشيرتهم. بعضهم قدّم مع طلبه استمارة الكفالة المالية التي تحمل الرقم 1149، وبينهم من يقوم بزيارات شبه دورية إلى الخارج، سواء للعمل في مشاريع موقّتة أو للمشاركة في معارض ذات علاقة بمهنهم، أكان ذلك في أوروبا أو الولايات المتحدة أو دول الخليج. حتى أن لدى بعضهم إقامات في دول أخرى، لكنهم قدّموا طلبهم لزيارة أستراليا من بيروت. مع ذلك، حُرموا من التأشيرة لسبب فيه الكثير من التحامل والنمطية والغموض.
الطريقة التي يتم فيها التعامل مع الطلبات مريبة وتثير الشكوك. فالأمور تحصل على النحو التالي: يقدّم الشخص طلباً لتأشيرة سياحية إلى أستراليا سواء عبر موقع الطلبات على الإنترنت أو عن طريق وكيل هجرة. يدفع صاحب الطلب رسم التأشيرة وتعرفة باهظة لوكيل الهجرة. بعد أسابيع قليلة، وأحياناً أيام معدودة، يُطلب منه التوجّه إلى شركة متعاقدة مع وزارة الشؤون الداخلية الأسترالية، VFS Global، لأخذ بصمات عينيه وأصابعه العشرة. لا يكاد يمر يوم على أخذ البصمات، وأحياناً في اليوم نفسه، حتى تصل نتيجة الرفض إلى صاحبها. هل كان أصحاب القرار يعرفون النتيجة مسبقاً؟ وإذا كانوا يعرفونها، فلماذا يطلبون أخذ البصمات ويجعلون صاحب الطلب يدفع مرة أخرى؟ وإذا لم يكونوا قد اتخذوا قرارهم بعد بشأن نتيجة الطلب عندما دُعي صاحب العلاقة لأخذ بصماته، فكيف يتخذونه دائماً خلال ساعات معدودة من البصم؟ هل تُجمع بصمات اللبنانيين لأغراض أخرى؟ لصالح من تُجمع؟
معالي الوزير،
إذا كان هناك قرار مسبق بعدم منح تأشيرات سياحية للبنانين في هذه المرحلة، فهذا حققكم، لكن قولوها صراحةً لكي لا يهدر أحد مبلغاً من المال هو بأمسّ الحاجة إليه في هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان. هناك غموض كبير في هذه المسألة. حبّذا لو توضحون ماذا يحصل هناك؟ لماذا هذا العدد الكبير من المرفوضين في لبنان؟ ولماذا النمطية في الافتراض والتسليم المسبق بأن كل لبناني يغادر لبنان لن يعود إليه؟ وهذا الأمر واضح في ردود سفارتكم على طلبات اطّلعنا عليها. أليس في ذلك نمطية والكثير من التحامل؟ ولماذا تؤخذ البصمات من أشخاص رُفضت طلباتهم؟ كم شخصاً من اللبنانيين المقيمين في لبنان قدّم طلباً لزيارة أستراليا خلال هذه السنة المالية التي شارفت على نهايتها؟ كم قبلتم من هؤلاء وكم رفضتم؟
تنفقون ملايين الدولارات كل سنة لتحذير الناس البائسين في البلدان التي تعاني ويلات الحروب والفقر والبؤس وانسداد آفاق المستقبل من السقوط في فخ مهرّبي البشر. وحسناً تفعلون ذلك، لأن مهربي البشر سماسرة يتاجرون بحياة الناس. يخرجونهم أحياء ويعيدونهم جثثاً. يجمعون ثروتهم من بؤس الناس. لكن هناك اليوم علامات استفهام حول السياسة التي تتبعها أستراليا إزاء تأشيراتها في بلد مثل لبنان، وهناك من يشبّه بين هذه السياسة وممارسات مهربي البشر.
المعروف أن السفارة الأسترالية في بيروت توقّفت عن قبول المراجعات الشخصية أو الهاتفية. التواصل معها يتم فقط عبر المراسلة الإلكترونية. فهل تسبّب هذا الأمر بثغرة ما دخل منها بعض وكلاء الهجرة غير الأمناء فاستغلوا مهنتهم ليبتزّوا الناس؟ لا شك أن كثيرين من وكلاء الهجرة شرفاء وصادقون، لكن ليسوا جميعهم كذلك. هل لديكم معالي الوزير آلية لتمييز الصالح من الطالح من وكلاء الهجرة وتحذير الناس منهم كما تفعلون مع مهربي البشر؟ وهل الشركة التي تجمع البصمات تخضع للمحاسبة من قِبلكم؟
أعرف أن مشاغلكم كثيرة، معالي الوزير، وقد لا تهتمون برسالتي المفتوحة، لكنني أتركها لضميركم.