أنطوان القزي

صحيح أن معظم الدول العربية خاضت حروباً داخلية مريرة وتكبدّت شعوبها خسائر فادحة. لكن ما يجمع لبنان والسودان هو كثرة الحروب وتكرارها وإن تعدّدت الأسباب.
فحروب لبنان عبثت بنحو نصف مليون لبناني بين قتيل وجريح من مدنيين وعسكر. من ثورة 1958 الى حرب السنتين فحرب المخيمات وحرب امل والاشتراكي وحرب الكورة وحرب طرابلس وحرب الجبل وحروب «داعش» البقاعية من القاع الى عرسال ورأس بعلبك وحرب الاقليم وشرق صيدا وحرب الإلغاء والتحرير وحرب البارد وأخيراً الحرب على لقمة اللبنانيين؟!!.
وفي السودان،هي ليست الحرب الأولى التي يخوضها الجيش السوداني، داخل حدود بلاده، سبقتها 4 حروب، استهلكت 57 عاماً من عمر السودانيين، أكبرها وأكثرها تأثيراً هي حرب الجنوب السابق (استقل في ختامها عام 2010)، وامتدت على مرحلتين من 1955 إلى 1972، ومن 1983 إلى 2005 (39 عاماً).
الحرب الأولى انتهت بتوقيع اتفاقية أديس أبابا، بين حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري والحركات المتمردة الجنوبية (أنانيا 2)، وأدت إلى قتل وتشريد مئات الآلاف من السكان الأبرياء. والثانية كانت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق وانتهت باتفاقية سلام عام 2005، قادت فيما بعد إلى خروج الجنوب من خريطة السودان ليصبح دولة مستقلة.
ثالثة الحروب دارت رحاها في دارفور، من 2003 إلى 2010 بين الجيش الحكومي وحركات مسلحة في الإقليم، وتسببت في مقتل وتشريد الملايين من السكان، وانتهت باتفاقية الدوحة عام 2010.
بعد انفصال الجنوب 2010، خاضت الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، (أو ما يسمى بالجنوب الجديد)، بقيادة عبد العزيز الحلو ومالك عقار، حرباً ضد الحكومة المركزية، دامت 9 سنوات من عام 2011، انتهت بتوقيع اتفاقية جزئية مع عقار عام 2020، فيما بقي الحلو، متمترساً في مناطقه «المحررة» جنوب النيل الأزرق حتى الآن.
حربا الجنوب انتهت بتقسيم السودان، وحرب دارفور أنهكت الدولة وظهرت الميليشيات المسلحة، وصار هناك أكثر من 8 جيوش في الدولة الواحدة، وشهدت هذه الفترة ميلاد قوات حرس الحدود، المعروفة شعبياً باسم قوات «الجنجويد» الشهيرة، نواة قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني.
حروب لبنان عمرها من عمر الاستقلال. بقيت كلّها بلا حلول، بل زادت المتخاصمين عناداً والمتحاربين شدّة والفقراء عوزاً وحوّلت «مستشفى العرب وجامعتهم ومصيفهم الى خنادق يستحيل ردمها لا بل تتسع فجوتها.. وحروب السودان قضت على الأخضر واليابس وحوّلت السودان الذي كان يعد «سلة لغذاء العرب»، إلى بلد يقتات من الإعانات والمساعدات الدولية كأحد أفقر بلدان العالم.
حروب لبنان والسدودان: دون حسم… فالكل مهزوم فيها… لن تنتهي بانتصار… وستستمر طويلاً، وستكون لها تداعيات جسيمة… على المدنيين والبنية التحتية… إضافة إلى تداعيات أخرى على حياة الأطفال النفسية والصحية وعلى مستقبلهم».
بين لبنان والسودان فاسدون ومختلسون .. والنفق يطول؟!.