المهندس نقولا داوود- سدني
يحدث جاري العزيز عن النيرفانا،
عن تحرر النفس من الضغوطات وتشبثها بالروحانية،
وعن شوق الانسان بالذهاب الى ذلك الجمال النفسي ،
والذي يمكن أن تصل اليه المجتمعات بشكل جماعي،
بترويض المجتمع لعشق التعاون ليصبح نهجا،
ليتحول من حالة الكفر الى حالة اليقين،
ومن حالة التخمة الى حالة الإضمار والصوم،
ومن حالة المتعة المفرطة الى حالة الاكتفاء،
ومن حالة الاستعمار والاستقواء الى حالة التعايش الحضاري المتوازي،
ومن حالة الحكمة المدجنة الى حالة الصدق والصفاء والنقاء.
يحدث جاري عن الحضارة الهيلينية التي أعطت الكثير من الحكمة والمعرفة،
وتآكلت من الداخل بفعل الأنانية والمادية ،
عاش الهيلينيون القرون الستة الماضية حسرة على الانجازات في بلاد الأناضول أو بيزنطية،
وتيقنوا عن أضرار غياب المزاوجة بين الإنجازات العمرانية والسمو الروحاني .
يحدث جاري عن مجد الرومان وإخضاع الأمم وفرض سلطانهم على الشعوب الغريبة ، ويحدث كيف أن العسكريتاريا تتآكل من الداخل بقوانين الطبيعة ، وعدل السماء .
ثم يحدث عن أبناء أرطغرل ( بني عثمان )،
الذين تمددوا بالبطش في القارات الثلاث وتيقنوا أن صلافتهم وظلمهم سيسود الى الأبد،
وكان أعظم انتاجهم الحضاري هو حريم السلطان وسفر برلك ،
واغتيال الأبناء والأشقاء الطامحين الى السلطة،
وانتهى بهم الأمر الى القوقعة،
ويحتاجون الى كل الكيميائيات في العالم لغسل آثامهم.
ورفرف العلم النازي ( swatska) او الصليب المعكوف على أوروبا كلها،
وعاد أهله للانتحار في الأقبية المظلمة، والمحظوظ منهم انتهى هائما في مجاهل الارض..
الثقافة الهندية القديمة أوجدت سلاما ومناعة وحكمة بين شعوب متعددة اللغات ،
ومتعددة المشارب والمعتقدات،. يتكلمون بأكثر من اربعمئة لغة ،
كانوا يكلمون المسؤولين بطريقة كليلة ودمنة، ينسبون التعامل المنطقي للحيوانات البرية،
ويغيرون واقعهم بالكثير من الحوار،
وكانت العائلة المتعاونة هي الهدف،
وما زال الهنود حتى اليوم يتزوجون بالتراتبية ،
وحتى الأخ لا يسبق شقيقته الى الزواج ليأمن على مصيرها ورغيد عيشها،
وشبه القارة الهندية تعيش الكثير من السلام.
وعندما تصاب المجتمعات بوباء الضياع والانهيار،
كما يحصل في مجتمعاتنا التي أضاعت البوصلة نحو التقدم،
وتساقطت الهياكل الزائفة على رؤوس العامة،
وكانت نتائج الانهيار الجلل أمراضا متعددة الأسباب والنتائج ،
وجب إعادة النظر بالثقافة العامة.. وتصويب مسار المجتمع.
يقال ان السيد المسيح ذهب الى الهند وأمضى هناك وقتا طويلا،
لا أعرف المصدر ولم أتحقق منه،
لكنني أعرف أن درب الهداية معروف، وعلينا البحث عنه،
إيجاد ثقافة جديدة وتعميمها وتشجيعها هو أولوية الأولويات ،
قبل ان نعلن النهاية .. بفعل متهور انتحاري مسدود الأفق.
المعرفة متوافرة ..محظوظ من عرفها،
ومحظوظ من عاشها واقعا.