أمان السيّد- سدني

ما يزال ذلك المقعد الخشبي الذي يقبع في ممر طويل في حديقة تقع آخر طريق مسدود، في بالي باللوحة النحاسية التي دُقّت في ظهره…
قال لي صديقي وزوجته: ألم تتعبي من المشي؟ لنجعلها استراحة هنا عليه..
كان المقعد الخشبي الذي تظلله شجيرة شامخة دعاني جذعها الآخذ شكل الرقم سبعة في إشارة لنصر ما، يشهي حقا للاسترخاء عليه، وتأمل تلك الشجرة الضخمة التي احتضتني، والتقطت بين ذراعيها صورتي تلك..
أشعر في كثير من الأحيان إلى افتقاد الحنان، لست وحدي، لو سألت كثيرا من النسوة، لأجبن، نعم، نفتقده، وإن عرض علينا نرفضه، فقد باتت الرجولة مشظاة، لذا آثرنا احتضان الشجر، وهمس حفيف أغصانه..
الصورة نفسها، تلك، علقت قريبتي، لو أنك قلبتها لكانت الولادة منها..

لدى النسوة أفكار مختلفة، هي أشبه برؤى تنبثق من السماء السابعة، هناك، حيث يدّعون أن الله اختارها لتكون سطحا أملس بهيا يراقب منه العابرين، منافقين، وصادقين تحته، وينسون أن الله هنا.. في قلب يذوب لوعة، ويمتنع أن يخطو خطوات إلى الجحيم..
هل تراني بدأت حديثا عن مقعد خشبي في ظل شجرة ضخمة، تتوسطه لوحة نحاسية، وسرحت طويلا؟!..
نعم، سرحت، منذ رأيتها أمس وأنا لست هنا، رغم الليل الذي كان أحنّ من يد عاشق آيب، ولسعة البرد ألذ من طعم راحة حلقوم على جسد مشتاق..
كان على اللوحة عبارة نقشت نقشا:
“ارقدي بسلام.. لن ننساك»، أو لكأني استكملت العبارة الأخيرة من تخيّلي..

تلك المرأة التي كانت تعبر الحديقة إلى بيتها عائدة من عملها، كانت مسالمة حتى النخاع، هكذا وصفت لي، بيتها قريب، في آخر الممشى، سكنه الآن غرباء.. كم كانت طيبة، وخيّرة مع المحتاج، لكنها قتلت، نعم، قتلت بسكين طعنت في ظهرها، وهي تستقبل تلك الشجرة التي احتضتني دون أن أدري، وقد سريت إليها بنداء غريب..

لم أعرف المرأة، ولم أعرف متى طعنت، كل ما عرفته، أن زوجها خطط لقتلها بعد أن سرق طفلتها، وفر بها بعيدا حيث الهند بلدهم الأم..

لم أجرؤ بالطبع على ملامسة المقعد الخشبي، فقط جالست جسرا خشبيا، ورحت أسترق النظر، وألعن ساعة اشتهيت فيها احتضانا..