د. خلود العبيدي – سدني
‏زيارة الرئيس ‏الأمريكي جوزيف بايدن للشرق الاوسط سميت ب”قمة الأمن والتنمية”. الامن يعني التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة كشريك. كانت الولايات المتحدة تطمح ان يتم ذلك عن طريق انشاء حلف دفاعي تشترك به إسرائيل. الا ان العرب اتفقوا بشكل مشرف وابطلوه. وابطلوا بذلك مشروعا من اخطر مشاريع التطبيع. اتفق العرب على الاشتراك بشكل جماعي ضد أي مشروع للتحالف ضد إيران. هذه الموقف الواعي تم بالتنسيق والجهد الذي بذله إخواننا المصريون الذين كانوا أول المبادرين عن طريق وزير الخارجية المصري سامح شكري بالإعلان عن رفضه للاشتراك في مشروع ضد إيران في اليوم الذي سبق اجتماع جدة. وتوالت البيانات والتصريحات من الإمارات والعراق وكل الدول العربية ترفض المشروع الذي يستهدف خلق حلف تقوده إسرائيل وتشترك به الدول العربية ضد إيران. هذا الحلف ستكون له نتائج خطيرة. أولا إنه سيزيد الصراع في المنطقة ويستخدم العرب وقودا لها ويسمح لإسرائيل بالسيطرة والتحكم في دفاعات الدول العربية وينهي إلى الأبد القضية الفلسطينية.
في مجالات التنمية. الزيارة كانت مليئة بالوعود. لقد جاءت الزيارة لتحسين العلاقات الاستراتيجية. مؤتمر جدة كان اجتماعا إقليميا هاما. لقد دأب الرؤساء الأمريكيون على زيارة المملكة العربية السعودية. فقد زار المملكة ثمانية رؤساء أمريكيين كان آخرهم الرئيس بايدن. حضرته ‏دول مجلس التعاون الخليجي والعراق ومصر والأردن هنا تظهر حقيقتان الأولى أهمية السعودية لأمريكا وأهمية دور السعودية الإقليمي في توحيد الصف العربي.
لقد خربت واساءت الولايات المتحدة علاقاتها مع العرب. ‏كان العرب يحرصون على الدراسة في الجامعات الأمريكية لانهم يتطلعون للتواصل الحضاري. الكفاءات التي برزت في الاعداد لمؤتمر جدة دليل على ما وصل اليه العرب في قدراتهم الدبلوماسية. في حين كان ‏المسؤولون الأمريكان يعتبروننا «مضخة نفط « ليس الا. ‏في إحدى تصريحات بايدن، عندما كان عضواً في الكونغرس، يظهر وهو يردد «ماذا يريد منا العرب غير أن نساعدهم في حروبهم». ‏ولا يتردد الرئيس بايدن بأن يصرح بأنه «صهيوني». ‏ناهيك عن الدور الأمريكي في اضعاف العرب ‏مما جعل إيران تحتل وتقسم وتقتل شعبنا.
في عام٢٠١١ ، لاحظ الرئيس السابق باراك أوباما بأن الميزانية الأمريكية تعاني من ‏عجز كبير، فكان الحل الذي وجده هو التخلص من اعباء حملات بلاده العسكرية في الشرق الأوسط و»يتحول إلى آسيا» لمواجهة الصين في منطقة المحيط الهادي. يذكر انه قام حينها بعقد اتفاقيات سرية مع إيران مكنت إيران في التوسع في منطقتنا وتطوير برنامجها النووي بحجة انهاء الوجود الأمريكي في المنطقة والتفرغ لآسيا.
اعتبر الاستراتيجيون هذه السياسة عبارة عن أخطاء في السياسة الأمريكية العليا. اوباما كان يتسبب في نقل الصراعات الى مناطق المحيط الهادي. الصينيون ما أن ‏سمعوا بالسياسة الأمريكية الجديدة حتى سارعوا للتوجه نحو الغرب لملء الفراغ الذي سيتركه الامريكان. بل ويتجهون الآن شرقا يقضون أمن جزر المحيط الهادي حيث دعاهم أوباما التحويل منطقة الصراع.
‏الرئيس أوباما لم يتعلم من تاريخ بلاده، أمريكا وهي أكبر دولة استعمارية، إن الدول الاستعمارية ‏تحتاج في البداية الى تأمين خطوط مواصلاتها لتصدير صناعاتها. والصين كي تصبح دولة عظمى يجب أن تؤمن خطوط مواصلاتها إلى الأسواق الممتدة لمنطقتنا العربية. وإن الولايات المتحدة منذ نشأتها وهي تحارب في البحار والمحيطات الدول الاستعمارية الأخرى كبريطانيا وفرنسا وإسبانيا. وإن الولايات المتحدة موجودة اصلاً في المحيط الهادي، وأنها الدولة الوحيدة التي ترى أمنها يمتد أبعد من حدودها من أجل الاستيلاء والتوسع في المحيط الهادي. وعندما جاءت الحرب في أوكرانيا اثبتت أن الولايات المتحدة لا مفر لها من أن تنخرط في حروب بعيد عن حدودها للحفاظ على امنها. إن الحرب وإن كانت تدور في أوروبا إلا أنها ستؤثر على امن الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة ما زالت مقتنعة على الصعيد السياسي بأن تزيد من تواجدها في المحيط الهادي. بينما دول المحيط الهادي الصغيرة في اجتماع منظمة جزر المحيط الهادي رفضوا ان يكونوا جزءاً من جنوب آسيا. الأكاديميون وأساتذة العلاقات الدولية يرون إن الولايات المتحدة ستتواجد في مناطق عديدة في العالم. السياسة التي ستطبقها هي سياسة الاحتواء التي اتبعتها ضد الاتحاد السوفيتي، وبذلك ستسعى إلي خلق تحالفات في منطقة الشرق الأوسط كأحد أهم مناطقها الحيوية.

الحرب في أوكرانيا أثرت أيضا على انتاج وسلاسل توريد الطاقة كالنفط والغاز والمنتجات الأساسية كالقمح وبذلك ستحدث أزمات اقتصادية في العالم. زيارة بايدن للمنطقة دافعها الأساسي هو طلب أمريكا من المملكة العربية السعودية زيادة انتاج النفط. وان بدت بأن لديها اهداف أخرى ستستفيد السعودية والمنطقة منها حيث عقدت الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية ثمانية عشر اتفاقية في مجالات الاتصالات والبنى التحتية والتكنولوجيا والفضاء. إذا كانت الولايات المتحدة ستطبق هذه الاتفاقيات ستتحول السعودية والمنطقة إلى مركز للتقدم العلمي من خلال شراكة أمريكية.
الاقتراحات الأمريكية في مجال الامن كانت متوقعة. ما ان حطت طائرة الرئيس بايدن في الأرض المحتلة حتى كان أول طلب دعا اليه هو انضمام إسرائيل التي يرأسها يار لابيد وهو رئيس وزراء مؤقت، للتحالف مع الهند في حلف يضم المحيط الهادي والمحيط الهندي لتتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على تلك المنطقة والتنسيق مع الهند لقطع خط مواصلات الصين واحتواء روسيا. هذا الحلف تنتمي إليه استراليا ايضا. سيتم الحاق المنطقة الأمنية في المحيط الهادي بجنوبي آسيا والهند والشرق الاوسط.
في جدة بدت بوادر التحضير للمؤتمر ومظاهر الخبرة العربية السعودية ‏الدبلوماسية بشكل جيد. ‏استُقبل ‏الرئيس بايدن بدون حفاوة وكان التركيز على المهمة التي جاء بها إلى المنطقة. ‏كانت سفيرة السعودية الى الولايات المتحدة، ريما بنت بندر، حاضرة عند سلم الطائرة لتكون أول من يلتقي بها الرئيس بايدن. ‏كان ذلك مقدمة لإعطاء صورة عن وضع المرأة في السعودية. وكنت أتمنى أن يستمر هذا الحضور النسائي في المؤتمر. فقد قد غابت المرأة الدبلوماسية العراقية والمصرية والأردنية عن الوفود المشاركة وكانت كل الوفود العربية من الذكور.

‏التنسيق العربي كان واضحاً. فقد دأب المسؤولون في مصر والعراق على التصريح برفض تشكيل حلف تشترك فيه إسرائيل و دعوا أيضا إلى أنهم لن يشاركوا في حلف ضد إيران. وهذه خطوة تتميز بالوعي. ‏فمنذ فترة وهناك من يحاول ان يجعل العرب يدورون في ‏جدال عقيم ومغرض. تصوروا أننا عاجزون أن نحدد ‏من هو عدونا الأول؛ إسرائيل أم إيران؟ توهموا أننا أمة «لا تعي مصالحها». قام الإعلام العربي قبيل الزيارة بالتشديد على أن العرب لن يدخلوا في ‏حلفٍ ضد إيران. وهكذا فهم العالم أننا أمة ندعو للسلام ولن يستطيع أحد أن يجبرنا مهما كانت الخلافات مع جيراننا إلى أن نُستغل ‏بسبب مخاوفنا. ‏‏مشاكل الجوار موجودة بين كل دول العالم ‏ولكنها لا تحل عن طريق التنازل عن حقوق شعبنا المغتصبة. ‏هذا كان موقف العراق في أثناء الحكم الوطني السابق وهذا ما ردده أعضاء المؤتمر العرب. أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ.

اتسمت تصريحات بايدن والإسرائيليين بالتشدد والتلويح باستخدام الحرب. أكد بايدن بعدم ترك فراغ في المنطقة لأي من الصين او روسيا او ايران. وأكد أن المفاوضات افضل طريقة لحل مسألة البرنامج النووي الإيراني. الا ان بايدن تعهد بأن لا يسمح لإيران أن تمتلك السلاح النووي وايد ما تراه إسرائيل حسب تصريح رئيس وزراء إسرائيل المؤقت بأن الحل للتهديد الإيراني النووي هو الرد العسكري، والاستمرار في اعتبار الحرس الثوري الإيراني حركة إرهابية. في حين أكد الرئيس بايدن في جدة على حماية حرية الملاحة والتواجد الأمريكي في منطقة مضيق هرمز وبحر العرب وباب المندب والبحر الاحمر واكد على ان خطوط المواصلات هذه تمثل شريان الاقتصاد العالمي. وتم تحويل برنامج الكهرباء في العراق من ايران وربطه بدول الخليج العربي.

بالمقابل اتسم خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالابتعاد عن أي إشارة للحرب الدائرة في أوكرانيا، وعزا أزمة الطاقة إلى «الكوفيد وعوامل جيوسياسية أخرى» مما يدل على التزام المملكة العربية السعودية بالحياد تجاه روسيا. ودعا إيران بصفة أنها دولة جارة تربطنا بها علاقات دينية وثقافية إلى التعاون والابتعاد عن التدخل في شؤون الدول الأخرى والالتزام بقرارات وكالة الطاقة الذرية الدولية. تحدث ولي العهد عن سياسات المملكة للطاقة النظيفة ومبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الاخضر. وبادرت مصر إلى خطة خماسية، احد بنودها تدعو الى الاتفاق على جعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية. اما العراق فعرض ان يستمر بدوره الوسيط للمصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران.

كانت المفاجأة حين أعلن ولي العهد بأن السعودية ستقوم بإنتاج ثلاث عشرة مليون برميل في اليوم من النفط الخام. التفتت الكاميرات والأنظار الى الوفد الأمريكي. يبدو ان السعودية لم تتفق مسبقا او تبلغ أمريكا بالموافقة على زيادة الانتاج. عندما سمع بايدن الأمير سلمان انه سيزيد انتاج النفط، ضم يديه وكأنه يصلي، وبد الوفد بالكتابة لأهمية التصريح. انتوني بلنكن بدا وجهه وكأنه يطمح في المزيد. هذه اللقطة تلخص الزيارة التي كان اذن هم الوفد الأمريكي الاول هو زيادة إنتاج النفط السعودي.