المهندس نقولا داوود
خسر جاري الحكيم الكثير من وزنه ،
وازداد شعره بياضا ولحيته كثافة، وظهره انحناء،
وتساءلت سرا ودون ان أجرح شعوره :
هل أصاب الضمور عقله ؟ أي خزان الحكمة أيضا ؟
وهل سيحرمني جاري الحكيم من غزارة بديهيته ، فتعطش نفسي ؟
وكانت الاسئلة تنساب .. بعضها من الفم وبعضها من النظرات ،
لكن جاري الموهوب يجيب قبل سؤاله، ويفهم الإشارات بل يستبقها،
ويتكلم نحوي وكأنه يخاطب البشرية ..ويستودع أمنياته في أمانتها ،
وما علي الا تجميع وتوثيق الكلمات .. والأفكار..
يقول: نعم خسرت من جسدي لأريح نفسي،
وما الصيام الا إغناء للحالة الروحية المرفقة بضمور الجسد،
لعل الصيام الجماعي هو صفاء للتفكير الجماعي،
ومع تلك الرياضة الروحية تستنبط الأفكار ،
وتولد نطفة مباركة لتكبر وتتقوى،
لعل فكرة مباركة واحدة تغير مسار المجتمع .. والبشرية .. والتاريخ ..
ويتابع : في الليل الدامس تفتقد الشموع،
ولو ازدادت الشموع وتبوتقت لصنعت نورا يضيءالطرق والسبل والممرات،
ولو ذابت الشموع وانتهت الى العدم ،
عادت العتمة واصطدمت الناس ببعضها في الجهل المظلم،
النور كان في البدء ، وكل ابتعاد عنه هو ضلال للسبل،
وكل عودة اليه هو عودة للفضيلة وللتعاون الإنساني.
ويزيد:
هل لاحظت يا عزيزي ولادة الأيديولوجيات في النصف الأول من القرن الماضي؟
هل راقبت غزارة الأدب والشعر والفلسفة والسباق الى التنوير؟
لماذا أفلت شمس الجهاد وبدأ المجتمع يتآكل من داخله ويترهل؟
إن صناعة الجهاد هي أروع الصناعات ليبقى المجتمع في حالة جهادية مستمرة ،
فلا تأكله الرتابة، ويحفز المبادرة الفردية .. فهي فطرية،
فلا يموت الإبداع ، ولا يستهلك المجتمع ذاته وتاريخه ،
فتضيع البوصلة الى المستقبل،
كل الجهود وجب ان تنصب على بناء المجتمع .. حيث يجد الفرد فيه ذاته ،
ويجد فيه الفرح الجماعي والإنجاز الجماعي، والعزة والكرامة الوطنية.
التمنيات والأحلام لا تبني أمما وأوطانا، بل النزول الى الأرض ،
الرقي والتعاون هو العناق بين القادر والعاجز،
هو اللقاء بين المتعلم والجاهل .. لتنتفي الجهالة،
بين المؤمن بالقيم والجاحد بها .. ليرتفع المجتمع ويرتقي،
بين حامل المشعل وطالب النور .. لتهتدي الناس.
ويختم :
إرفع معي الصخرة التي سقطت على قدمي .. ساعدني على رفعها،
دعنا نتبادل الأدوار برفع العوائق من أمام تقدم أجيالنا،
ونتعاون على نقل الأحمال الثقيلة .. التي وضعتها الأقدار على مناكبنا،
ثقافة التعاون يا عزيزي هي الأرقى .. والأجمل..
انها صناعة الأخلاق .. التي ترتكن اليها الشعوب الناجحة،
دعنا نشبع حياتنا جهادا وعملا .. وصبرا وتعاونا،
إن في ذلك جمالا وهناء .. ونشوة روحية ..
انه السمو المطلوب .. الذي نصبو اليه.