رغيد النحّاس- سدني
لا اعتقد أنّ الابتذال يمكن أن يكون أشدّ انحطاطًا ممّا وصل إليه لدى البعض في ردود الفعل حول غزو روسيا لأوكرانيا، خصوصًا أنّه يأتي من جهات غربيّة تدّعي التحضّر والتقدّم، ونحن نقترب من إنهاء الربع الأوّل من القرن الواحد والعشرين، أي على مسافة زمنيّة بعيدة من العصور الوسطى وملحقاتها، وعلى مسافة أقرب من الحربين العالميتين، وما لحقهما من دمار في أوروبا نتيجة الهمجيّة التي سادت، والتي توّجتها النازيّة بالحصول على كأس العنصريّة، والقيام بتنفيذ جريمة فظيعة في التطهير العرقيّ بالمحارق التي قضت على الملايين دون ذنب اقترفوه.
العقلانيّة تقول إنّ السنين التي مضت بعد ذهنيّة محاكم التفتيش الأوروبيّة، والمذابح التي ارتكبت باسم الدين، كفيلة بتثقيف الشعوب بأهميّة السلام، خصوصًا أنّ تلك الفترة الزمنيّة ترافقت مع تقدّم علميّ وفلسفيّ مذهلين. أي أنّه كان من المفروض تجنّب هاتين الحربين.
والعقلانيّة تقول إنّ ويلات هاتين الحربين كان يجب أن تكفل إحلال السلام الدائم على وجه الأرض، خصوصًا مع تزايد المعرفة بضرورة الحفاظ على البيئةالتي صارت مهدّدة من عدّة جهات، وهناك حاجة ملحّة لتوجيه المال والطاقة نحو المشاريع التي تحلّ مشاكل الاحتباس الحراري على سبيل المثال.
من الواضح أنّ هذا لا يحصل، لأنّ القرار ليس بيد الخبير أو صاحب الحكمة، بل بيد السياسيّ الذي يخدم مصالح لا علاقة لها بالمواطنين الذين انتخبوه، أو الذين أُجبروا على الانصياع لحكم دكتاتوريّ يتستّر أحيانًا بانتخابات مزيّفة، أو بحجة دفاعه المستميت عن الوطن.
من ضِمن هذه الحكومات المستبدّة ما يعرف بحكم الـ»أوليغاركيّة». وهو حكم جماعة قليلة همّها الفائدة الذاتيّة واستغلال كلّ مشاريع البلد لحسابها. ويتراوح حجم الجماعة من عدّة أفراد قد يكونوا من عائلة واحدة، أو مجموعات أكبر لها مصالح استغلال متشابهة، ويكون لها حصّة من مجمل الحصص وفق موقعها ودورها، أو وفق ما يمليه الرأس الأكبر المسيطر عليها وعلى البلد. ولقد شهدت البلاد العربيّة أمثلة من ذلك، كان الرأس المسيطر فيها يضيف إلى سجلّه ألقابًا وطنيّة يغطّي بها فساده وفساد الطغمة التي تأتمر بأمره. وحتّى يحافظ على مركزه السياسيّ الذي وصل إليه من طريق غير شرعيّة، ولا علاقة لها بالنزاهة الانتخابيّة، ولا بالممارسات الديمقراطيّة، ليس لديه مشكلة في تصفية خصومه السياسيّين، وقمع أيّ معارضة محقّة.
المشكلة في هذه الأنظمة أنّ سيطرة هذه الفئة على مفاتيح الاقتصاد والمال والعمل، تعني أنّ فئة كبيرة من أفراد الشعب تعتمد عليها في تأمين لقمة العيش. حتّى ما يظهر على أنّه وظيفة لدى «الدولة»، يكون في الواقع وظيفة لدى قطاع تسيطر عليه فئة من هذا الفئات، أو فئة تابعة لها. صحيح، كمثال، أنّ بعض هذه الدول يؤمّن الدراسة المجّانيّة لشعبه، لكن النظام القائم، المسيّر من قبل الأوليغاركيّين، لا يمكن أن يسمح بأي آراء تعارض الوضع القائم، ولو جاءت من أكادميّين مرموقين، حتّى لا يتزعزع مركزه. وهكذا تصبح البلاد بكلّ مرافقها مرتهنة لمن هو «الباب الوحيد للرزق»، في عمليّة ابتزاز من عواملها قليل من الترغيب وكثير من الترهيب.
الرئيس بوتين مثال «أنيق»عن هؤلاء الأوليغاركيّين. من الواضح أنّه يتمتع بذكاء عظيم ومقدرة فائقة، خصوصًا في تعزيز مصالحه والسيطرة على بلاده، دون أن يستثني أيّ طريقة تضمن بقاءه، بما في ذلك اغتيال أو سجن خصومه. كان رئيسًا للمخابرات السوفياتيّة، والآن رئيسًا لدولة «عظمى» يمكنها التأثير على كلّ ما في هذا العالم. يعتقد كثيرون أنّه أغنى رجل في العالم، ولكن لا يعتقد أحد أنّ رواتبه في أيّ من مناصبه كفيلة في جعله غنيًّا حتّى على المستوى البسيط. وطبعًا سيرة حياته صارت معروفة، بما كان فيها من بؤس وتشرّد، إبان طفولته، لدرجةٍ تفتّت القلب.
أنا أعتقد أنّ الحروب يجب أن لا تحصل مهما كانت الأسباب، لأنّ التاريخ علّمنا أنّ الخاسر الأكبر دومًا هو الإنسان العاديّ الذي ربّما ما أراد الحرب ولا المشاركة فيها. لكنّ واقع الأمر أنّها تحصل، ولن تتوقّف. وقد يكون واقع الأمر أنّ بوتين فعلًا يحمي بلاده من خطر الهيمنة الأميركيّة على أوروبا، خصوصًا على الدول المجاورة لروسيا. وسواء كانت هذه الخطوة «ضربة معلم» من قِبله، أو أنّه وقع في فخ المكائد الأميركيّة التي تريد تحطيم اقتصاد روسيا وإزاحة بوتين، وربّما القضاء عليه، أمر لا أستغربه. لكنّني ضد الحرب من إيّ طرف أتت. وأعتقد أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفاءها لم يحترموا مشاعر واحتياجات روسيا الأمنيّة، ولم يفوا بوعودهم حول الاتفاقات المبرمة. لكنّني شخصيًّا أرى أنّ بوتين ارتكب غلطًا جسيمًا في اعتدائه على دولة مستقلّة تحاول بناء نفسها، ودون أن يستنفذ كلّ وسائل الاتفاقيّات أو المباحثات.
أذكر بوتين لأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة، ومن يلعق حذاءها دائمًا، بدأت بحملة دعائيّة شرسة ضدّه. هذا مع أنّه معروف تدخّل مخابراتها في قلب الأوضاع الأوكرانيّة وتنصيب رئيس موالٍ لها عوضًا عن رئيسها الشرعيّ الذي كان يعي أهمّية موالاته لروسيا بالنسبة لمصلحة بلاده. أضف إلى ذلك تسليحها لجبهة «ناتو» بما يضمن دوام المواجهة مع روسيا. لقد توسّع «ناتو» نحو الشرق بأكثر من ألف كيلومتر خلال الثلاثين سنة الماضية، ومن الواضح من تدخل دوله في أوكرانيا أنّه يريد مواصلة التوسّع. وطبعًا ليس من الضروري أن تكون أوكرانيا رسميًّا في الناتو لتحصل على الدعم بطرق أخرى. هذا تهديد واضح لأمن روسيا، وهو أكبر من التهديد الذي شعرت به الولايات المتّحدة الأميركيّة إبان مسألة الصواريخ السوفياتيّة في كوبا، كما أجمع كثير من المعلّقين.
وبما أنّ كبار اللاعبين بهذا العالم يعرفون كيف يستغلّون الظروف حتّى لو أخطأوا في مبادرة ما، نرى أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ستسطيع بعد هذه الأحداث أن تزيد من سيطرتها على «ناتو» وتلغي أيّ دور لبروز ألمانيا كالدولة القائدة لأوروبا، وبهذا تخسر أوروبا القيادة القويّة، فلا يكون لها دور مستقل عن الولايات المتّحدة بحيث تلتفت للمصالح الأوروبيّة التي ستكون الآن متضرّرة أكثر من الأضرار التي ستصيب روسيا. وسمعت، في مقابلة تلفازيّة حديثة، السفير الأميركي السابق للإتحاد السوفياتيّ في عهد جورج بوش الأب، جاك ماتلوك، يقول ما صرّح به الأمين العامّ الأوّل لحلف ناتو عن أهداف الحلف وهي ثلاثة: إبعاد الروس، وقمع الألمان، وإبقاء الأميركان. بينما كان الرئيس غوربتشوف ينادي بوجوب التفكير بشبكة أمنيّة مشتركة تضمّ كلّ أوروبا. ويضيف السفير المتقاعد، الذي يزيد عمره عن التسعين، وعاصر الأزمة الكوبيّة، أنّ السياسة الأميركيّة في عهد جورج بوش الإبن بدأت تعمل على الانسحاب من كلّ المعاهدات التي سبق أن أنهت الحرب الباردة، وتنادي بنظام عالميّ جديد لم يكن منه سوى الخراب. ففي التسعينيات قصفت الولايات المتّحدة الأميركيّة سيربيا دون موافقة الأمم المتّحدة. ثم غزونا العراق بادّعاءات كاذبة، وبدون موافقة الأمم المتّحدة، وضد نصيحة حلفائنا الألمان والفرنسيّين. ولهذا لم تكن الولايات المتّحدة الأميركيّة تتقيّد بالقانون الدوليّ الذي كانت واحدة من داعميه.
لا تتوقّف ازدواجيّة المواقف الأميركيّة عند هذا، بل تتعدّاها إلى التغاضي عن واقع أنّها لم تقم بمثل هذا الاحتجاج، واتخاذ مثل هذه العقوبات حين ضمّت إسرائيل القدس الشرقيّة، مخالفة القانون الدولي، وأعلنت كلّ القدس عاصمة لها. وقبل ذلك حين احتلّت إسرائيل مرتفعات الجولان السوريّة وضمّتها إليها، مع العلم أنّ هذه المنطقة مأهولة بالسوريّين، وليس الحال كوجود الروس في مناطق أوكرانيا الشرقيّة، وهذا ما لا تريد الولايات المتّحدة الاعتراف به، ولا الاعتراف أنّ هؤلاء الروس تعرّضوا للبطش من قبل السلطات الأوكرانيّة، ولهم مظالم كثيرة، مثل حظر استعمال اللغة الروسيّة في كلّ مرافق الحياة. وهذا من الأسباب في رغبتهم بالاستقلال، بغضّ النظر عن التحريض والدعم الروسيّين. ولا حاجة لي بالتذكير بمواقف إسرائيل العنصريّة تجاه الشعب الفلسطينيّ، وإجراءاتها القمعيّة، وجرائمها الحربيّة، وعمليّاتها الإرهابيّة ضد من يدافع عن حقّه في الحياة في أرض هي ملكه منذ مئات السنين.
مشكلتي مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، ولاعقي حذاءها، كبيرة جدًّا بعد الفظائع التي ارتكبوها في وطني الأمّ سوريا، والأكاذيب التي اقترفوها، مُهينين ذكاء العالم. لقد تغاضوا عن عشرات الألوف من المرتزقة الذين دخلوا البلاد يعيثون فسادًا وتدميرًا لابسين عباءة «المعارضة»، والخوذ البيضاء، وغيرها من الألبسة ووسائل الافتراء والتضليل. طبعًا هذا ما تمّ التحقّق من حصوله لاحقًا، فكثير منّا ظنّ في البداية أنّ هناك حركة أصيلة، خصوصًا أنّ الحكم لا يمكن تنزيهه عن الفساد وسوء الإدارة والاستبداد. فلماذا نصدّق الولايات المتّحدة الأميركيّة وأذنابها في حال أوكرانيا؟ هل نسينا العراق؟ وهل نسينا كيف ورّطت الولايات المتّحدة الأميركيّة الإتحاد السوفياتي في أفغانستان، وأنشأت «القاعدة» التي لا زال العالم يعاني من تداعيات همجيّتها؟
بدأ المساس بشخص بوتين على كلّ صعيد، وتمّ التركيز على كونه يمثل حكومة أوليغاركيّة، أو أنّه أوليغاركي. وهذه الناحية بحاجة لبعض الإنارة، لأنّ العرف العامّ أنّ الحكم في الولايات المتّحدة الأميركيّة حكم ديمقراطيّ، ولا يمكن أن يكون أوليغاركيًّا. لا شكّ أنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة ديمقراطية في إتاحة الفرصة للجماهير بإدلاء صوتها وانتخاب من تريد. لكن يجب أن لا نغفل عن أنّ المرشّح للرئاسة، وكذلك لعضويّة مجلسي النوّاب والشيوخ، بحاجة للقيام بحملة انتخابيّة باهظة التكاليف. هو أشبه ما يكون بسلعة يتمّ الترويج لها. ومهما كانت ثروة المرشّح، هو دائمًا بحاجة لدعم ماليّ. وواضح أنّه في المجتمع الرأسماليّ لا يقدّم أحدهم المال «لوجه الله»، كما يقال. البعض قد يكون له توجّه أصيل، يريد ترسيخ فكره وعقيدته، فيقوم بالتمويل على هذا الأساس. والبعض له مصالح اقتصاديّة هائلة، ويريد ديمومتها بضمان أنّ أصحاب القرار مرتهنون له. وهذا الأخير هو من يملك المال الوفير. ولهذا، وباختصار، ينتهي مجلس النواب والشيوخ بممثلين عن المصالح الخاصّة، لا عن الشعب، ولا قضاياه، ولا ما يضمن رخاء الولايات المتّحدة الأميركيّة على المدى الطويل، ولا ما يمكن أن يساعد في الحفاظ على الكرة الأرضيّة. طبعًا ينطبق هذا على النخبة صاحبة الحلّ والربط، أي «المفاتيح».
فهل يمكن القول، إنّه لمجرّد وجود هذه «الديمقراطيّة»، تتنزّه الولايات المتّحدة الأميركيّة عن الأوليغاركيّة؟ دعوني أوّلًا أؤكد أنّني لا أطرح هذه المواضيع من منطقٍ أو معرفةٍ أكاديميّة، بل أطرحها من منطق المتأثر بنتائجها، شأني شأن كلّ سكان العالم الذين يشتركون في مكان واحد، لا بديل لنا عنه، من هذا الكون، ويتقاسمون محنة واحدة، لأنّه بات أكثر وضوحًا أنّ «ما يصيب عضوًا … يتداعى له سائر الجسد … «
رئيس الولايات المتّحدة الأميركيّة، وأعضاء مجلسي النوّاب والشيوخ، في معظمهم، يمثّلون مجموعات «أوليغاركيّة» بامتياز. وكنت دائمًا أؤكد هذا لأصدقائي الذين كانوا يصرّون على أنّ الصهيونيّة هي المسيطرة على العالم. لكنّ أحداث أوكرانيا دعت المؤلّف مايكل هدسون إلى نشر موضوع في «كاونتربنش»، يوم 03/03/2022، حول ما سمّاه «انتصار أميركا الثالث على ألمانيا»، يحدّد فيه ثلاث مجموعات أوليغاركيّة تسيطر على السياسة الخارجيّة الأميركيّة.
على رأس القائمة من هذه المجموعات شركات السلاح. وهي برأيي صاحبة المصلحة الأساس في استمرار الحروب أينما كانت، وكيفما كانت. المهمّ بيع السلاح والربح الوفير على حساب القيم، والشعوب، والله، وملائكته، وكلّ ما يمكن استغلاله. وهذه الشركات هي من يسيطر على سياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة، والحركة الصهيونيّة وأمثالها من الحركات المرتزقة التي ليس لوجودها أسس موضوعيّة، بل نمت على السلب والغشّ والخداع، وهو ما يناسب السيّد الذي يديرها.
وبعدها تأتي شركات النفط والغاز والمناجم التي تتحكّم بعصب الحياة الاقتصاديّ في كلّ أنحاء العالم. وهنالك قصص كثيرة حول تدخّل هذه الشركات في توجيه السياسات العامّة. وما حادثة الانقلاب، المدبّر من المخابرات الأميركيّة، على الجنرال مصدّق الذي انتخب ديمقراطيًّا ليكون رئيس الوزراء زمن شاه إيران، والذي أراد للنفط أن يكون مُلكًا لبلاده لا لبريطانيا، سوى مثال على ذلك. أنا أعتبره بداية تدمير المنطقة كلّها من أجل السيطرة على النفط الذي بدأ اكتشافه في السعوديّة ومناطق الخليج، فخاف الأمريكيّون على مصير مصالحهم هناك، وما أرادوا النجاح لمبادرة مصدّق الإيرانيّة حتّى لا تكون بداية لمبادرات شبيهة في الخليج.
ثم شركات المال والمصارف والعقارات. وهذه لها أهمّيّة في تخديم المجموعات كلّها.
يضاف إلى ذلك ما هو مألوف عادة مثل تأثير «لوبي» الأسلحة الفرديّة، واللوبي الصهيونيّ على انتخابات وسياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة، ولكنّي أعتقد أنّ التاثير العظيم لهذين يعود لكونهما خادمين أمينين لمصالح أسيادهما في مجالس إدارة شركات السلاح والنفط.
مشكلتنا كأناس عاديّين، أو دافعي الضرائب، أو الباحثين عن راحة البال، أنّنا دائمًا نجد أنفسنا محصورين بين خيارين متناقضين لا ثالث لهما، على الرغم أنّ الخيار الثالث هو الواضح الذي نريد، وهو الخيار الذي يجب أن لا يحمل رقمًا ترتيبيًا. هو ليس الخيار الأوّل، بل الوحيد الذي يجب أن يكون. مثلًا، لا نريد أن نختار بين روسيا و الولايات المتّحدة الأميركيّة. ما نريده هو أنّنا مع حرّية التعاون مع أيّ كان على أسس الاحترام والمنفعة المتبادلين. ما نريده، والأوكرانيّون، هو أوكرانيا المستقلة المستقرّة لتكون عضوًا نافعًا ضمن المنظومة الأوروبيّة، وبالتالي العالميّة. ما نريده هو اعتراف بفلسطين، وحقوق الشعب الفلسطيني أسوة بكل شعوب العالم. ما نريده هو أن يقرّر كلّ شعب مصيره بحرّيّة، تمامًا كما يدّعي الغرب وشريعة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتّحدة.
وأنا الأستراليّ-السوريّ لا أريد لبلدي أستراليا أن تكون من لاعقي حذاء الولايات المتّحدة الأميركيّة، ولا من المؤيّدين لغزو أوكرانيا. لا أريد لأحد أن يخيّرني بين بوتين وبايدن، ولا بين الحكم السوري وبين «المعارضة». الخيار المناسب هو لا هذا ولا ذاك، بل أن يُترك الشعب يتمتع بنظام علمانيّ ديمقراطيّ شريف.
ستكثر التحليلات، وسيّتهم كلّ فريق خصمه ما استطاع، ويلفّق الأكاذيب بتطويع الكوادر الإعلاميّة المناسبة، وسيستمر الصدام إلى حين، وبعدها سيتوقّف بطريقة أو أخرى، يكون الجميع بعدها خاسرًا بطريقة أو أخرى، إلّا تلك الشركات العملاقة التي تعرف كيف تبتلع كلّ شيء، وتستفيد من الوضع كيفما اتجه. إن استطاع بوتين أن يصبح قيصر أوروبا الأوّل، أو أن يُرمى في مزبلة التاريخ، الأمر سيّان لديها طالما أنّ الطلب على بضاعتها لا يتوقّف. بل قد لا تريد شركات الأسلحة للولايات المتّحدة الأميركيّة الانتصار إن كان هذا سينهي الحروب. بينما قد تجد شركات النفط فائدة في انتصار الولايات المتّحدة الأميركيّة وسيطرتها على مرافق العالم الحيويّة، ما يضمن تدفّق النفط دائمًا. وهذا من حيث المبدأ قد يسبّب نزاعًا بين هذه القبائل الأوليغاركيّة. أي عند المصلحة، لا شيء مقدّسًا سوى مواصلة الربح.
كما كان الحال في سوريا، وقبلها العراق، ستكون أوكرانيا هي الخاسر الأكبر تحت عجز العالم عن اختيار العقل والعدالة كوسيلة للمناوشة، عوضًا عن القنابل والتجويع.