أنهت الحكومة اللبنانية، أمس الأول، قطيعة في العلاقات الرسمية مع سوريا، حين زار وفد وزاري رفيع العاصمة دمشق، وأجرى محادثات للحصول على موافقتها من أجل تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر أراضيها، وهو ما رحبت به دمشق، وأبدت استعداداً “لتلبيته”، في ظل أزمة الطاقة التي يعاني منها لبنان، غير أن الزيارة واجهت انتقادات من قوى سياسية لبنانية، بصفتها “تطبيعاً مع النظام السوري”.

وتُعد هذه الزيارة الحكومية اللبنانية الرسمية الأولى إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها، إذ اتبع لبنان رسمياً مبدأ “النأي بالنفس”، وسط انقسامات كبرى بين القوى السياسية إزاء العلاقة مع دمشق، ومن ثم مشاركة “حزب الله” في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.

وبعد أسبوعين على إعلان الرئاسة اللبنانية تبلغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن، مروراً بسوريا فلبنان، وصل الوفد اللبناني المؤلف من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ووزير المال غازي وزني، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، صباحاً إلى سوريا. وعقد لقاء في مقر الخارجية السورية، بحضور وزيري الخارجية فيصل المقداد، والنفط بسام طعمة.

وخلال مؤتمر صحافي، بحضور المجتمعين، قال الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني – السوري، نصري خوري: “طالب الجانب اللبناني بإمكانية مساعدة سوريا للبنان في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، ورحب الجانب السوري بالطلب، وأكد استعداد سوريا لتلبية ذلك”. واتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك.

وقال طعمة للصحافيين إن الهدف من الفريق المشترك هو تحديد “جاهزية البنى التحتية ومدى سلامتها” لأن “البنى التحتية، سواء كانت الغازية أو الكهربائية، تعرضت لأضرار كبيرة” خلال النزاع، و”تكلفت عملية إعادتها أو إبقائها في حالة الجاهزية مبالغ كبيرة جداً”.

وإثر أزمة الوقود الحادة التي يعاني منها لبنان، أفضى المسعى الأميركي إلى مبادرة لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن، تمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. كذلك يقضي بتسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، وصولاً إلى شمال لبنان.

ويتيح اتفاق مشابه وصول الغاز المصري إلى لبنان لتشغيل محطات الكهرباء العاملة على الغاز، المتوقفة عن العمل منذ 11 عاماً. ويمتد أنبوب الغاز العربي براً من مصر إلى سوريا ولبنان عبر الأردن، ويعبر من منطقة حمص في وسط سوريا، وصولاً إلى دير عمار في شمال لبنان.

ومع أن الزيارة هدفت إلى التفاوض على تمرير الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، فإنها في الشكل بدت إنهاء للقطيعة الرسمية اللبنانية مع دمشق منذ انطلاق الحرب السورية. فقد حافظ البلدان على علاقات دبلوماسية بينهما، لكن الزيارات الرسمية تراجعت إلى حد كبير، واقتصرت على مبادرات فردية من وزراء وشخصيات يمثلون أحزاباً حليفة لدمشق، على رأسها “حزب الله” الذي طالما دعا إلى الانفتاح الرسمي على سوريا، الأمر الذي لا تزال ترفضه قوى سياسية أخرى.

وجددت الزيارة الأخيرة الانقسامات اللبنانية حول استئناف العلاقات الرسمية مع النظام السوري. وقالت مصادر في حزب “القوات اللبنانية” إن لبنان في ظل الأزمة المالية الكارثية التي يعيشها بحاجة لأي مساعدة تأتيه من دول شقيقة، على غرار مصر والأردن، لكن علينا التأكيد أن الأزمة سببها “محور الممانعة”، وتغييب الدولة من قبل “حزب الله” وحلفائه، وإدارتهم للدولة اللبنانية، لكنها لفتت إلى أن النظام السوري، وفي طريقة تعاطيه مع لبنان في كل المراحل السياسية “أساء إلى لبنان واللبنانيين، وهو نظام غير موثوق، يحاول باستمرار التدخل بالشؤون اللبنانية لإعادة نفوذه لما كان عليه قبل انسحابه في 2005”.

وقالت المصادر إن “هذه المسألة تقنية، ولا تستدعي لقاءات سياسية، وكان يمكن إنجاز الموضوع من خلال التواصل التقني والأمني القائم، وبالتالي لا لزوم لوفد رسمي حكومي على هذا المستوى”. ورأت أن ما جرى تم “بطلب سوري مرفوض، واستمرار لمحاولات النظام المستمرة، سواء عبر ملف النازحين أو هذا الملف، للتطبيع مع لبنان”.

وفي مقابل رفض “القوات” للزيارة الحكومية، وتحفظ قوى سياسية أخرى أو رفضها التعليق، كان لافتاً احتفال “حزب الله” بالزيارة، واعتبار أن باخرة المحروقات التي أعلن الحزب عن استيرادها من إيران كانت دافعاً لها. وقال عضو كتلة الحزب النيابية، النائب حسن فضل الله، إن “الفوائد التي حملتها الباخرة الأولى لم تقتصر على المازوت فحسب، فجردة سريعة تبين أنها حملت معها أيضاً إسقاطاً أميركياً للفيتو المفروض على التواصل الرسمي اللبناني مع سوريا، بصفته جزءاً من مندرجات الإقرار الأميركي بالتراجع عن منع استجرار الكهرباء والغاز عن طريق سوريا، فأعيد هذا التواصل بعد طول تمنُع، وهو الفيتو الذي طالما طالبنا بتحديه لأن الخضوع له يتسبب بأضرار بالغة لاقتصاد لبنان ومصالحه الوطنية. وبالمقابل، روجت له جهات لبنانية هي نفسها التي تروج اليوم لمتغيرات الموقف الأميركي”.