الكاتب منير الحردول- المغرب

في ظل القراءات المتعددة الأبعاد التي رافقت الانفجار الذي هز العاصمة الجميلة بيروت، في بلد يمتاز بأعماق جذور تاريخية عريقة، تمتد للفينيقيين وما قبل، وأمام توالي التحيلات السياسية المختلفة الأهداف، والمرامي، والتي نتجت عنها رزنامة من الدعم والزيارات، والمساعدات العربية، والإسلامية، والدولية، التي رافقت هذا الهول الذي تعرضت له عاصمة التعايش المفعم بالأمل الرهيف، وبعيدا عن الاصطفافات الاديولوجية، التي أنهكت اللبنانيين في حياتهم اليومية اقتصاديا واجتماعيا، لتمتد لمجالات أخرى ذات طابع شخصي وعام، مجالات متعلقة بكيفية تصريف الغضب تحت غطاء حرية التعبير، والحريات الجماعية، والفردية، ومدى ارتباطها بمنظومة حقوق الإنسان.

يبقى التساؤل مطروحا بكيفية متفاوتة بين أهل الفكر والأنسنة والإبداع. بعيدا عن الترسبات الثقافية التي فرقت ولا زالت تفرق بين إنسان بيروت الذي يشترك في كل شيء، بدء  بالحياة ومرورا استنشاق هواء تراب لبنان، وانتهاء بالموت والدفن تحت أرض إسمها مشتق من بياض تلج لبن أبيض! إسمه لبنان.

فكيف لعاصمة يقطنها أزيد من مليوني نسمة، وتعد مركزا اقتصاديا، ونموذجا للثقافة العربية الأصيلة المتنوعة، وبؤرة للفن الذي تخطى الحدود، ومكانا لأهم الثقافات والجامعات الدولية، أن يستمر أهله في الانجرار وراء وهم طائفي، يعتقد أنه أولى وأقدس من أرض مشتركة، تجمع الجميع في سقف واحد إسمه بيروت لبنان!

فإذا كانت بيروت تضم فسيفساء من التنوع الديني والطائفي، من مسلمين سنة، وشيعة، ومسيحيين، أرثودكس وكاثوليك، وأرمن، وطوائف أخرى تشكل زهاء 18 طائفة تشترك في بلد واحد، لكن للأسف تزداد الهوة بينهم في فترة الأزمات والصعاب، لا لشيء سوى التعصب لهاجس ثقافي موروث عن الأجداد، لا يعلم حقيقته في نهاية المطاف، إلا خالق هذا الكون العظيم، هذا التعصب يدفع بسفينة لبنان ككل إلى

الميلان في اتجاه قوى إقليمية أو دولية تتلاعب بالبعض لضرب البعض الآخر، في إطار مقولة سياسة فرق تسد، بين الشعب الواحد، لضمان سيادة التبعية على البلد، وفرض شروط الأمر الواقع!

فبيروت الجميلة المؤثثة بجمال الطبيعة، وطيبة أغلب سكانها، هي في فوهة طائفية مقيتة، لا زال البعض منها يلعب بالنار من خلال زرع خطابات الكراهية والحقد، والوقوف كثيرا عند مآسي تاريخية عقيمة، ومؤسفة، لم ولن تحل بالانتقام من أجيال بريئة لم تكن لها أيدٍ في صراعات تاريخية متجدرة عنوانها الحقد، والأنا الطاغية، الرافضة للمساواة التعايشية على أساس القانون هو الحكم بين أهل عاصمة واحدة إسمها بيروت وبلد أخضر إسمه لبنان.

فلا يعقل أن يستمر أهل الطب والهندسة، وأهل الفكر في تعريف أنفسهم، أو أماكن اشهار عملهم بأسماء طائفية تظهر أصلهم الطائفي المحض، كأن بيروت عاصمة الطوائف وليست عاصمة بشر وإنسان لبنان!

فأصل وجوهر سلامة لبنان، هو توجيه بيروت نحو مزيد من التلاحم المواطناتي المبني على أنسنة الإنسان مهما اختلفت عقيدته، أو طائفته أو أفكاره، على أساس الاندماج المفضي للمواطنة الكاملة، تحت شعار قانون واحد، ومحاكم واحدة، ودستور واحد، وجامعات واحدة، وكلمة واحدة، ملخصها نحن أهل بيروت، في عاصمة لبنان، نتعايش وفق دستور مرتقب يضمن حقوقا وواجبات متساية بين جميع اللبنانيين دون استثناء لأحد، ويضع حدا للطائفية التي أصبحت محاصصتها مضحكة قبل أن تكون نموذجا شاردا لتدبير شؤون اللبنانيين. هذا مع التفكير مستقبلا في التخلص من الفكر الطائفي المدمر لقيم الأخوة المشتركة، التي هي الأصل في وجود اللبنانيين على أرض ترابهم، وهواء فضاء سمائهم، وبحر لبنان أجدادهم.

شكرا من المملكة المغربية لكافة أهل بيروت الجميلة،  وبدون استثناء لأي أحد!