كتب سركيس كرم
«خالف تعرف» مثل شعبي يتردد عندما يريد شخص ما أن يميز نفسه بشئ مختلف عن غيره، ولو كان على خطأ، أو يريد ان يكون له رأي مخالف في موضوع ما، ولو كان على حساب الحقيقة والمنطق. وكم تكاثر هذا النوع من الناس وأتسعت دائرة نشر «أقاويلهم الشعبوية» في أيامنا هذه بفضل منصات و»منابر» وسائل التواصل الإجتماعي التي لا حسيب عليها ولا رقيب.
اليوم، تمر ولاية نيو ساوث ويلز بأصعب وأدق مرحلة وأشدها خطورة صحياً وأقتصادياً جراء وباء دلتا السريع الأنتشار الذي بات يهدد جدياً حياة العديد من الناس. وفي ظل هذه الأزمة ، تتخذ حكومة الولاية برئاسة غلاديس برجيكليان، وبناء على ارشادات السلطات الصحية، اجراءات صارمة يراد منها الحد من انتشار الفيروس، وبالتالي الوصول الى مرحلة تسمح بإنهاء الإغلاق وعودة الأمور تدريجياً الى ما يشبه سابق عهدها.
وكان من بين هذه الأجراءات إعلان برجيكليان زيادة عدد ضباط الشرطة في مناطق معينة من جنوب غرب سيدني حيث سجلت حالات مجتمعية عديدة من كوفيد ليست خاضعة للعزل، وإنما ما زالت تتنقل من محل الى آخر ومن تجمع الى آخر ومن بيت الى آخر، مع ما يعني ذلك من نقل الفيروس الى الكثير من الناس.
وعلى أثر اعلان قرار نشر المزيد من ضباط الشرطة، «ثار» عدد من الأشخاص ودب فيهم الحماس وهبت فيهم روح الغيرة والرغبة في الدفاع عن «كرامة» المناطق «المستهدفة» بالهجمة «العنصرية» الممنهجة، وباشروا بنشر افكارهم «الخلاقة» على وسائل التواصل، وكذلك قام قلة من الشباب بتنظيم تجمعات في الشوارع هدفت الى التصادم مع الشرطة. كل ذلك لأن الحكومة تريد فرض الإلتزام بالقيود لبضعة أيام من أجل منع اصابة الناس بفيروس دلتا.
لم يبادر أي من جماعة «خالف تعرف» و»بتطلع ع التلفزيون» الى طرح بعض الأسئلة البسيطة على نفسه مثل «هل كانت الناس تلتزم كما ينبغي بقيود التباعد الإجتماعي وارتداء الكمامة في «المناطق المستهدفة» قبل مضاعفة دوريات الشرطة؟» و»كيف كانت الصورة في الأسواق والمحلات المزدحمة، وكذلك في البيوت، قبل إعلان القيود الجديدة؟».
المعروف ان البعض من الناس في مناطق معينة، وخاصة المسنين، لا يجيدون الإنكليزية بدرجة تسمح لهم بمتابعة ما يجري وبالتالي لكي يلتزموا بشكل صحيح، وبدلاً من أن يبادر اعضاء جماعة «خالف تعرف» و»ناشطو» التواصل الى التطوع لشرح حقيقة ما يجري، وما هو هدف الأجراءات والقيود، باللغات التي يتقنونها في سبيل زيادة التوعية والمساهمة في ضمان سلامة الجميع وأمنهم الصحي، سارع هؤلاء الى التهجم على الحكومة والسلطات الصحية والشرطة واتهامهم بالعنصرية، وتغاضوا عمداً عن إتباع الشرطة بالأمس القريب تطبيق اجراءات مماثلة في كل المناطق التي شهدت اصابات وصُنفت حينها «مناطق ساخنة».
المفارقة ان «الخبراء» في كل شيء ولا سيما أولئك المختصين في «نظرية المؤامرة» يتغاضون عمداً عن حقيقة ان الحكومة لا تميّز ولم تميّز يوماً بين مواطنيها ولا بخلت ابداً بتوفير المساعدات والمنح وعلاوات الضمان الإجتماعي على أنواعها والتي لا مثيل لها في العالم، ولا هي تقاعست في تسهيل الأستقرار لكل مواطن او مهاجر او لاجىء.
فيا أحباب تذكروا ان المشكلة تكمن فقط في انتشار فيروس دلتا، وان الرئيسة برجيكليان والحكومة والسلطات الصحية والشرطة يتخذون اجراءات ضرورية جداً، ويفرضون قيودا حمايةً للجميع دون استثناء. وأعرفوا تماماً ان الأساليب الحضارية في استراليا وفي كل ولاياتها تقضي بعدم التعرض الى أي شخص إلا عندما «يخالف» وينتهك القوانين والأنظمة. وتذكروا على سبيل المثال لا الحصر انه ونحن نقود سياراتنا لا يوقفنا ضابط الشرطة بحسب مزاجيته، بل فقط عندما نتجاوز السرعة المحددة او نخفق في استعمال الإشارة او ارتداء حزام الآمان او التكلم على الموبايل اثناء القيادة… او نقود بطريقة تشكل خطر على الآخرين. وفي حال أخطأ معنا الشرطي او المسؤول مهما علا شأنه وتصرف بأسلوب يخالف الأنظمة والقوانين، لدينا أحقية ان نلجأ الى القانون الذي يطبّق علينا وعليه العدالة، والذي يحمينا ويحمي وطننا استراليا. وفي حال سلمنا جدلاً بوجود «تمييز» في مكان ما، فالفيروس لا تمّيز أبداً!
أخيرا، تخلوا عن الشعبوية ووظفّوا طاقاتكم بنشر ما يفيد جالياتكم ويصب في مضاعفة المعرفة ويعزز الوعي ويذلل عوائق اللغة في بعض المجتمعات، والأهم التزموا بالقيود، ليس من أجل طاعة السلطات، وإنما من أجل صحتكم وصحة من تحبون.
الرجاء أبقوا في بيوتكم حتى تنتهي هذه الأزمة الصحية الخطيرة، لأنه في حال فقدت السلطات السيطرة على انتشار الوباء «ستندمون ساعة لا ينفع الندم».