حوار: فاديا فهد

تنطلق الممثلة والكاتبة اللبنانية كارين رزق الله في «  350 غرام»   في تجربتها التمثيلية الأولى ضمن عمل عربي مشترك، تقف فيه أمام الممثل السوري عابد فهد، المحامي الشهير والناجح الذي تكتشف زوجته (كارين رزق الله) أنه محامٍ فاسد أيضاً… فتتوالى الأحداث بأسلوب لا يُنصف الزوجة البطلة، بل يُضعفها ويحبسها في مواقف درامية ويُغرقها في بحر من الحزن. الممثلة التي بدأت حياتها المهنيّة بأدوار كوميدية، وشقّت طريقها بنفسها صانعةً لها نجاحاً على طريقتها، لا يشبه أي نجاح آخر، تعترف اليوم بأن خطوتها العربيّة الأولى لم تحقّق طموحها! فتستخلص العِبر وتُعيد حساباتها. حوار من القلب مع ممثلة نجمة لا تجامل ولا تعرف المراوغة، تتبع إحساسها في كلّ شيء حتى آخر رمق.

– أيّ رسالة أحببتِ أن توجّهيها الى القرّاء عبر هذا التصوير الذي حرصت على أن يجمعك بكبار الرسّامين والفنانين اللبنانيين؟

الفنّ هو خلاص الشعوب، ولبنان أيضاً يحيا بفنّانيه وفنونه. أحببتُ أن أكرّم هؤلاء الفنانين الكبار الذين أحترم صداقتهم. إنها فرصة لأقول لهم شكراً على كلّ إبداعاتهم. وكلّي إيمان بأن بيروت ستنهض وتنزع عنها ثوب الحِداد وترتدي الألوان الزاهية بفضل هؤلاء الفنانين المبدعين. وفي سعي لمواكبة كلّ تطوّر وتجدّد، اخترت أن أنضمّ الى شركة خاصّة تهتمّ بحساباتي على السوشيال ميديا وهي شركة Omneeyat  Raw  Talent التي تملك مفهوماً حديثاً وسبّاقاً في العالم العربي والتي نظمت هذا التصوير. ونحن نحضّر مشاريع ونشاطات كثيرة مقبلة معاً، بينها محتوى مميزاً على يوتيوب. ومن ثمار هذه النشاطات والتحضيرات، جلسة التصوير المميزة هذه التي تعكس روحية التعاون بيني وبينهم، إذ أنها تركز على كارين كفنانة تضج بالحياة والألوان، والمرأة المتلونة المتغيرة بحرفية تماماً مثل فنّها.

– أخبرينا أكثر عن خيارك لهذه اللوحات الثلاث…

اخترت ثلاث لوحات لتوجيه رسالة عن لبنان: لوحة شوقي شمعون التي تصوّر أشخاصاً في حالة انتظار، وهي تمثّل لي اللبنانيين الذين ينتظرون الخلاص والفرج والغد الأجمل. لوحة جميل ملاعب الغنيّة بالألوان، وهي الألوان التي بها سنُعيد تلوين بيروت التي خسرت ألوانها وضحكتها، بيروت العائدة من الموت. ولوحة رؤوف الرفاعي التي تمثّل الشخصية البيروتية التي تعشق الحياة والبريئة من إجرام السياسيين.

– تقومين في «  350 غرام»   بدور هو الأول لكِ عربياً، أخبرينا عن هذا العمل وظروفه؟

ظروف هذا العمل لا تشبه ظروف أي عمل آخر، وقد صُوّر في أبو ظبي. العمل مكتوب للنجم عابد فهد، لكنهم قرّروا أن يضيفوا إليه بطولة نسائية، فكان التواصل معي. ووافقت على المشاركة في العمل، بعدما قرأت الحلقات الخمس عشرة الأولى، وتحدّثت مع كاتبة العمل واتفقنا على تطوير الدور ليأخذ منحى أبيض أو أسود في الحلقات التي لم تُكتب بعد، بحيث تكون الشخصيّة مؤثّرة في مجرى الأحداث. وكان الإتفاق ان تتحوّل الزوجة النعجة الى امرأة شريرة تسعى الى الإنتقام. لكن هذا لم يحصل، مع الأسف، وبقيت الشخصيّة رمادية، لا لون لها، وقد حاولت أن أقدّم أفضل ما عندي لتحسين الدور ومنحه طعماً ولوناً. ويمكنني القول إنني غير راضية عن دوري هذا وهو الأول في عمل عربي مشترك، رغم أنني أعطيت هذا الدور الكثير، لكن النتيجة لم تأتِ على قدر طموحي ولم تحقّق هدفي من المشاركة في «  350ُ غرام»  . هذه التجربة أعطيتها من قلبي وروحي، ولستُ راضية عنها، وسأتعلّم منها للمستقبل.

– تقفين للمرّة الأولى أمام الممثل السوري القدير عابد فهد، كيف وجدت العمل معه؟

إنها المرة الأولى التي أعمل فيها مع عابد، وهو ممثل محترف وشخصيّة مُحبّبة ومتعاونة، وهذا أكثر ما أقدّره فيه. كذلك كان العمل مع جميع الممثلين المشاركين، فقد كنّا نعمل معاً كعائلة واحدة.

– لم تأتِك النجومية على طبق من فضّة، فقد تعبت على اختيار نصوصك ومواضيعك والممثلين الذين يشاركونك الأعمال من كبيرهم إلى صغيرهم…. لكن هذا أيضاً أدخلك فقّاعة آمنة يصعُب الخروج منها. في «  350 غرام»   خرجت من فقّاعتك هذه، كيف تعاملتِ مع عالم الدراما المشتركة؟

صحيح أنني تعبت في اختيار نصوصي ومواضيعي والممثلين… فالنجومية لم تأتِني على طبق من فضّة. وأجد أن على الممثل أن يعمل مع كتّاب مختلفين يقدّمون له فرصاً وأدواراً تتناسب ومواهب يرونها فيه وقد لا يراها في نفسه. أدوار كثيرة قدّمتها من قبل، وصنَعت فارقاً في مسيرتي الفنيّة، لكنّ هذا لا ينطبق على «  350 غرام»  . يمكنني القول إن دوري في هذا المسلسل زلّة مهنيّة ولم يحقّق طموحي ولا الغاية التي كانت وراء قبولي للعمل! لذا لا أعتبر أنه أخرجني من فقّاعتي.

– تردّدين دائماً أنك «  حفرتِ في الصخر»   كي تحقّقي النجاح؟ ما أبرز المصاعب التي واجهتك خلال مسيرتك ولم تواجه غيرك من الممثلات، وكيف واجهتها؟

أكبر عقبة واجهتها في مسيرتي المهنيّة، أنني بدأت العمل في مسلسل كوميدي استمرّ عرضه أكثر من 12 سنة، وكنت أجسّد فيه دوراً يحمل اسمي، فانطبع في ذهن الناس أن كارين رزق الله هي ممثلة كوميدية فقط لا غير. وكان من الصعب عليّ أن أنتزع فرصة في الدراما ويتقبّلني الجمهور في أدوار غير كوميدية.

– هل تعتقدين أن الجمال الباهر الذي يعتمد عليه بعض المنتجين اليوم مفتاح أساسي في هذه المهنة؟ وهل يصعُب على المرأة غير الجميلة أو ذات الجمال المتوسط أن تشقّ طريقها إلى النجومية في عالم يعتمد على الصورة بشكل كبير؟

في هوليوود كما في مصر، ثمّة ممثلات جميلات جداً، وأخريات متوسّطات الجمال، وممثّلات غير جميلات. الموهبة إذا اقترنت بالجمال أمر رائع، لكن الجمال بلا موهبة كارثة فنّية. هذه الموجة كانت سائدة في لبنان في السابق، لكن أعتقد أن المنتجين تنبّهوا اليوم الى أهمّية الموهبة وأن الجمال وحده لا يكفي. الجمال يفتح الباب لكنه لا يؤمّن الاستمرارية.

– أنتِ أيضاً كاتبة دراما، كيف تعاملتِ مع نص كتبته امرأة هي ناديا الأحمر في «  350 غرام»  ؟

سبق أن قلت إن الدور المكتوب لم يلبِّ طموحي، ولم ترسم ناديا الأحمر لي دوراً مؤثراً في سياق الأحداث كما اتّفقنا، بل دوراً مبنيّاً على ردود الفعل. لا ألوم ناديا، بل ألوم نفسي لأنني وقّعت مع شركة الإنتاج قبل أن أقراً الحلقات الخمس عشرة الأخيرة والتطوّر الدرامي لدوري في المسلسل. كان هذا خطئي، وقد جرّبت أن أنقذ الدور قدر المستطاع بأدائي وسكب أحاسيس من ذاتي فيه، لكنّني لا أعرف ما إذا كنت قد نجحت في هذه المهمة أم لا. الوقت كفيل بأن يجيب على هذا السؤال.

– اعتبر بعض النقاد أن «  350 غرام»   يُغرق كارين رزق الله في الكآبة، من دون أن يقدّمها بشخصية جديدة… هل باتت الكآبة تلازمك في أدوارك الأخيرة؟

كان من المفترض في الحلقة 15 أن تكتشف البطلة حقيقة زوجها المحامي الفاسد، وتُمسك زمام الأمور وتغيّر مجرى حياتها وتقلبها رأساً على عقب وتخرج من هذه التجربة قويّة. لكن ما حصل هو إغراق «  ياسمين»   في المزيد من الكآبة، وهذا ما رآه المشاهد رغم أنني جرّبت أن أخفّف من الدموع والنحيب المرسوم للدور.

– هل كتابة المرأة للنصوص الدرامية تختلف عن كتابة الرجل في الإحساس والتفاصيل؟

لا أحبّ التعميم في هذا المجال. لكلّ كاتب إحساسه الخاصّ وأسلوبه وطريقته في تفصيل الأدوار. الكتابة لها علاقة بإحساس الكاتب المرهف وأسلوبه في نقل هذا الإحساس إلى الورق، سواء أكان الكاتب رجلاً أم امرأة. على الكاتب أن يكون ملمّاً بالأحاسيس والتعابير كي يرسم الشخصيّة بكلّ تفاصيلها وينجح في إيصالها الى الجمهور.

– بعدما احترفتِ التمثيل، هل اعتزلتِ الكتابة؟

لا لم أعتزل الكتابة، لكنني منذ انطلاق الثورة في لبنان في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس دخلت في علاقة مضطربة مع محيطي أبعدتني عن الكتابة، وكأنني أنتظر أجوبة على أسئلة مصيرية لم تأتِني بعد. لا يمكن فصل الكاتب عن محيطه، فهو جزء منه وما يصيب مجتمعه يصيبه أيضاً. اليوم بدأت التأقلم مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتردّية في لبنان، وأعتقد أنني بتُّ جاهزة للعودة الى قلمي وأوراقي لطرح قضايا درامية جديدة قد تكون من وحي ما عشناه في لبنان والعالم خلال السنتين الماضيتين.

– في «  راحوا»  ، تقدّمين دوراً مختلفاً لا يخلو أيضاً من الكآبة وقوّة الشخصيّة، أخبرينا عن دورك هذا وقضيّة ضحايا الحوادث الإرهابية ومعاناتهم؟

«  لونا»   في «  راحوا»   فنانة مرهفة تضجّ بالحياة، وتخاف من الحياة خارج المشغل الفنّي الخاص بها. المسلسل إنساني يطرح قضايا نفسية وإنسانية مهمّة حول الإرهاب وضحاياه ومعاناتهم كما معاناة أهل الإرهابي في مجتمعهم ونظرة الآخرين إليهم. سعيدة بأن هذا المسلسل أخذ حقّه من خلال عرضه في رمضان 2021 وتحقيقه أرقام مشاهدة عالية.

– تشكّلين وبديع أبو شقرا ثنائياً درامياً جميلاً، كيف بدأتْ هذه الثنائية، وما الذي جعلها متينة وقويّة الى هذا الحدّ؟ ما هي الصفات المشتركة بينكما؟

أنا وبديع مثّلنا معاً في «  مش أنا»   وعرف المسلسل نجاحاً كبيراً. بعدها تعاونّا في «  ومشيت»   ثم «  برداني أنا»   اللذين حققا نجاحاً مماثلاً، ثم في «  راحوا»  . نجحت مع بديع لأننا نفكّر بالأسلوب نفسه، ونفهم بعضنا، كما أننا صديقان خارج الكاميرا… لا أنا ولا بديع نفكّر كيف يسرق الواحد منّا قلوب المشاهدين في مشهد ما أو جملة أو لقطة معيّنة… كلانا يريد نجاح المشهد بلا تجاذبات. بديع ممثل محترف وصديق صدوق أتشارك معه النظرة إلى المهنة والحياة بشكل عام، وهذا نادر وجميل جداً. هو يعرف أخباري وأنا أعرف أخباره. صداقتنا لا تشبه أيّ صداقة أخرى في الوسط الفنّي.

– توفيت والدتك وأنتِ في عمر 13 سنة في عزّ حاجتك إليها، ما الذي تركته في نفسك هذه الفاجعة المبكرة؟

وفاة والدتي وضعتني أمام أسئلة وجودية بلا إجابات عن الحياة والموت. كانت وفاتها صدمة لي. الأم هي الأمان، وبغيابها غاب الأمان عن حياتي. خسارتها لا تعوَّض ولا يمكن الزمن أن يبلسمها أو يرسم فوقها رسوماً جميلة تغطّيها. سأظلّ تلك الطفلة التي تفتقد حنان الأمّ حتى لو بلغت الثمانين.

– كيف كبُرتِ بلا أم؟ ومن هي المرأة التي وقفت إلى جانبك في مرحلة المراهقة وهي الأكثر صعوبةً بالنسبة الى الفتاة؟

أختي ريما، وهي تكبُرني بنحو 12 عاماً احتضنتني وكانت إلى جانبي في مرحلة المراهقة الصعبة. لم تعوّض غياب أمّي، لأن غياب الأمّ لا يعوّض، لكنها كانت دائماً إلى جانبي كلّما احتجت إليها.

– هل مسحة الحزن التي نراها دائماً على وجه كارين سببها هذه المأساة المبكرة في حياتها؟

لا أعرف، لا شكّ في أن الحزن المُقيم في عينيّ وملامحي سببه رحيل أمّي في سنّ مبكرة. الكتابة والشخصيات التي ألعبها هي تعويض عن ذاك النقص في حنان الأمّ الذي عانيته في طفولتي. من عمق المأساة يولد النجاح: المأساة التي عشتها جعلتني أنتقم من الحياة على طريقتي وأفجّر حزني وغضبي في الفنّ، حتى النجاح… وهذه حال الكثير من الفنانين الناجحين محلياً وعالمياً الذين عاشوا في طفولتهم مأساة ما.

– اليوم ماذا تذكرين عن والدتك؟ وبمَ تشعرين أنك تشبهينها؟

لم تتسنَّ لي معرفة أمّي كامرأة بمواقفها وأحلامها وانكساراتها. ما أذكره عن أمّي هو أنها كانت أمّاً حنوناً تُغدق عليّ الغنج والدلال وكأنها كانت تعرف أنها ستغادرني باكراً، وأرادت أن تقول لي «  أنا أحبّك كثيراً»   وتشدّد على حبّها لي. وهذا ما أفعله مع ابنتيّ وكأنني أخاف أن أرحل عنهما في غفلة قبل أن أقول لهما أحبّكما بما فيه الكفاية! أنا امرأة تدلّل ابنتيها رغم أن ابنتي باتت في العشرين، لأن أمّي دلّلتني حتى آخر رمق من حياتها!

– درستِ التمثيل والإخراج رغم معارضة والدك؟ لماذا اخترت هذه المهنة؟

والدي عارض دراستي التمثيل والإخراج، فهو مهندس وأراد أن أختار اختصاصاً جدّياً يكون في رأيه مصدر عيشي. لكنني أصررتُ على اختيار هذه المهنة لأنني كنت أشعر أن في داخلي 200 امرأة وأريد أن أعبّر عن كلٍّ منهنّ. والتمثيل طريقي إلى ذلك! التمثيل حقّق حلمي بأن أكون كلّ هؤلاء النساء أمام الكاميرا.

– وهل اقتنع لاحقاً بأن خياركِ كان في محلّه؟ وهل اعترف بنجوميتك؟

والدي اليوم يعشق عملي، وهو جدّ فخور بي، ويعرف أنني كنت على حقّ في أن ألحق بحلمي وأمتهن التمثيل لأنني ما كنت لأحقق النجاح نفسه في أيّ مهنة أخرى لا أحبّها.

– بداياتك في التمثيل كانت مع زوجك الممثّل فادي شربل، كيف كانت الانطلاقة؟ وماذا تذكرين عن ظروفها؟

الانطلاقة كانت في المسلسل الكوميدي الناجح «  مرتي وأنا»  ، وهو يحكي عن مشاكل الزوجين وكأنه برنامج من عالم الواقع مع القليل من البهار والملح كي يرسم البسمة الى وجوه المشاهدين.

– حققتِ نجاحاً في عالم التمثيل فاق نجاح زوجك، علماً أنكما درستما التمثيل معاً ودخلتما المهنة من خلال أعمال جمعتكما. هل هذا ما أثّر في علاقتكما الزوجية؟

لا أحبّ أن أتحدّث عن حياتي الخاصّة في العلن، وأفضّل عدم الخوض في هذا الموضوع.

– في شباط (فبراير) الماضي، كثُرت الأقاويل عن عودتك إلى زوجك الممثل فادي شربل بعد انفصال دام سنوات من دون أن يصل الى الطلاق… أخبرينا عن هذه العودة.

لا تعليق. اسمحي لي ألاّ أعلّق على الموضوع.

– ابنتاكما ناديا ونايا يتحدّران من والدين يعشقان التمثيل وأدخلاهما إلى هذا العالم منذ الأشهر الأولى، ألا تعتقدين أنكما أثّرتما في خياراتهما الحياتية وفرضتما عليهما مهنتكما بأسلوب أو بآخر، في وقت يحرص معظم المشاهير على إبعاد أولادهم عن أجواء الفنّ؟

الواقع أن التمثيل كان بمثابة نشاط خارج المدرسة لابنتيّ لتقوية شخصيتيهما. ولمَ لا؟ ابنتي الكبرى ناديا تعشق التمثيل، لكنني وجّهتها الى اختصاص آخر، يكون بمثابة سلاح في يدها وخيار آخر إذا لم تجد عملاً في التمثيل. نايا لا تحبّ التمثيل وأعلنت أنها لن تكون ممثلة ولن تشارك في أيّ عمل فني. هذا خيارها… وأودّ أن أوضح أن ناديا ونايا موهوبتان، ولو لم أرَ فيهما مشروع ممثلتين كبيرتين موهوبتين لما أدخلتهما عالم التمثيل منذ النعومة.

– زرعتما في ابنتيكما منذ النعومة أحلاماً فنّية كبيرة، كيف تساعدانهما على تحقيقها؟ وما هي وصيتكما لهما عن الفنّ؟

لم أزرع أبداً فيهما أحلاماً كبيرة، لكنني أشجّعهما على تحقيق أحلامهما الشخصيّة كما فعلت أنا نفسي. أساعدهما وأنا الى جانبهما. في الفنّ وصيتي لناديا ألاّ تبحث عن دور يرضي الناس، بل عن الدور الذي يرضيها. في الفنّ علينا أن نلحق إحساسنا وشعورنا لا ما يقوله لنا المنطق. إحساسنا دائماً هو الصحّ!

– تشارك ابنتك ناديا في مسلسل «  راحوا»  ، هل أنتِ مَن اقترح اسمها؟ وما رأيك في أدائها؟

لم أقترح اسمها في «  راحوا»   وإنما الكاتبة كلوديا مارشيليان هي التي فعلت. الدور الذي أدّته ناديا في «  ومشيت»   لفت الكاتبة مارشيليان ورأت فيها موهبة جديدة وواعدة. لذا اقترحتْ اسمها في «  راحوا»   ووافقت ناديا. وأعتقد أن ما قدّمته ناديا في «  راحوا»  ، خصوصاً مشهد تبلّغها أنها لن تُبصر بعد اليوم، أظهر موهبتها الكبيرة والواعدة في مجال التمثيل. وأنا فخورة بها! لا أحبّ أن أحكي عن ابنتي، لكنني أعرف أنها موهوبة وتمثّل بإحساس عالٍ، وأتمنى لها أن تحقّق أحلامها الكبيرة والتي تتخطّى عالمنا العربي.

– هل ساعدِتها خلال التمارين على دورها هذا؟

أبداً، ولم أكن موجودة خلال تصوير المشاهد الخاصّة بها. النصيحة الوحيدة التي أسديتها لابنتي ناديا عندما رأيتها تتحضّر وهي مربكة لمشهد إبلاغها أنها صارت عمياء: «  انسي النص ومثّلي بإحساسك. مشاهد كهذه يجب على الممثل أن يحسّ بها لا أن يلتزم بنصّها»  . وهكذا كان… لم أكن معها يوم صوّرت هذا المشهد، لكنني اتصلت بها وسألتها: ماذا فعلتِ؟ فأجابت: «  بحسّ طالع حلو!»  . فقلتُ لها: «  إذا حسّيت حلو، يعني أكيد طالع حلو، لأن التمثيل إحساس وليس نصاً أو جملة أو كلمة»  .

– تتحدّثين عن هجرتكِ أنتِ وعائلتك من لبنان، بعد الصدمة التي عشتها في الرابع من آب وكل ما ترافق معها من أزمات اقتصادية وسياسية. إلى أين كارين؟

هذا هو السؤال الصعب الذي لا يمكن المرء أن يجيب عنه! من المؤكد أنني لن أستطيع مغادرة لبنان وهجره، لكنني سأدفع ابنتيّ الى الهجرة وبناء مستقبل لهما في بلد آخر أكثر أماناً واستقراراً. وأعرف مسبقاً أنني سأبقى ممزقة بين وطني وابنتيّ في المهجر… «  الحقّ مش علبنان بل على حكّامه الذين أوصلونا الى هذا المصير البائس»  !

– الرابع من آب (أغسطس)، هل كان حدثاً مفصلياً بالنسبة إليك كمواطنة لبنانية؟ وأيّ أثر ترك فيك؟

الانفجار كان لي النقطة التي جعلت الكوب الملآن يفيض. بعد كلّ ما حلّ باللبنانيين من سرقة أموالهم وإفلاس للدولة وإفشال للثورة… بعد كلّ ما تحمّلناه، جاء الانفجار ليقول لنا لا ينقصكم إلاّ الموت… موتوا في بيوتكم، حتى بيوتكم لم تعُد آمنةً. نعم، فكّرت في الهجرة، لأنني لم أعد أحتمل البقاء في بلد يولّد الأزمات ويُجبرنا على الصمود كي نتخطّاها. لقد فقدنا القدرة على الصمود أزمةً بعد أزمة، وحرباً بعد حرب. لكنني أعترف بأنني عاجزة عن الهجرة وترك الوطن الذي ترعرت فيه.

– يقول غسّان تويني «  الوطن ليس فندقاً كي نتركه عندما تسوء الخدمة فيه»  … ما تعليقك؟

غسّان تويني من الأشخاص الذين تركوا بصمة في هذا الوطن. صحيح أن الوطن ليس فندقاً خمس نجوم، لكنّه في ذاكرتي لم يكن يوماً كذلك. ذكرياتي في لبنان هي ذكريات القصف والتهجير والقتل والموت. فتّحت عينيّ على الدنيا على مشهد والدي يحزم أمتعتنا ويجمع ألبومات الصور ويُخرجنا من بيتنا على عجل هرباً من الموت الزاحف إلينا. كانت أمّي تبكي، وهي تغادر بيتنا الجديد مرغمةً… أذكر دوي المدافع، وموسيقى الأنباء العاجلة ووجوه أفراد عائلتي مع كلّ خبر عاجل. عشتُ المآسي حرباً بعد حرب. خسرتُ بيت طفولتي وخسرت الأمان وخسرت أخيراً أموالي في البنوك… لبنان الذي يتحدّث عنه غسّان تويني هو لبنان الستينيات والذي لم أعرفه أنا ولا أبناء جيلي. أنا وأبناء جيلي لم يكن لبنان لنا سوى مشروع وطن يجب أن نضحّي من أجله ونتحمّل كلّ شيء وأيّ شيء كي نبقي فيه. لبنان مشروع تضحية عظيمة من أجل وطن لا يعترف بتضحياتنا.

– ما هو الأمل بالنسبة إليك… وما المستقبل؟

الفنّ أقوى سلاح تملكه الشعوب المثقفة والمتقدّمة وتُجيد استخدامه. الفنّ يمكنه أن يبني أوطاناً أو يهدمها. أملنا في الفنّ أن نعيد بناء وطننا لبنان ونُصلح ما عجزت الأجيال السابقة عن إصلاحه. الفنّ يستطيع أن يبني وطناً أو يهدمه. أملنا كبير بمبدعينا من الفنانين اللبنانيين الأصيلين لإعادة إعمار وطننا. هؤلاء هم لي الوطن والأمل.

سين جيم…

– كتاب قرأتِه وتعودين إليه دائماً…

أقرأ كثيراً، لكنني لا أعود الى الرواية نفسها مرّتين. واليوم أختار أن أقرأ رواية «  التائهون»   لأمين معلوف.

– شخصية تاريخية تتمنّين أن تلعبي دورها…

الكاتبة مي زيادة.

– أغنية تحبّينها وتردّدينها في ساعات الوحدة…

كلّ أغاني فيروز وماجدة الرومي وكارول سماحة وهبة طوجي.

– دور في الدراما العربية أو الأجنبية تمنيّت أن يكون لك…

أحبّ كلّ أدوار سالي فيلد، وأتمنى أن ألعبها.

– حلم لم تحقّقيه بعد…

نص أكتبه وأقول فيه كلّ شيء بلا رقابة ولا محاذير.