تواصل مؤسسة الدراسات الفلسطينية في مقرّيها بيروت ورام الله نشر قصص وروايات خاصة وعامة، وتقارير لتعزيز الذاكرة الفلسطينية الجمعية من خلال مشروعها «الأرشيف الإلكتروني للتاريخ الاجتماعي في فلسطين»، ومنها قصة «جهاز عروس مقدسية من 1890 «.

وقد تبدو مثل هذه القصص محلية وليست مهمة لكنها عبارة عن قطع صغيرة تكتمل بجمعها لتصبح لوحة فسيفسائية فلسطينية عن واقع الحياة في فلسطين قبل نكبتها، خاصة ما يتعلق بحياتها الاجتماعية.

وتوضح مؤسسة الدراسات الفلسطينية أنها وجدت في أرشيف عائلة السكاكيني وثيقة جهاز عروس مقدسية من عام 1890 ، والعروس هي فروسو بنت قسطندي السكاكيني (أخت  الكاتب المربي الراحل خليل السكاكيني).

وتحوي الوثيقة المرفقة هنا تفاصيل دقيقة لهدايا عائلة العريس وعائلة العروس ، وهي سجل ثمين لأنواع اللباس الذي تحويه أجهزة العروس في عائلة متوسطة تسكن البلدة القديمة من القدس. ومما جاء في الوثيقة: «كتاب جهاز البنت البكر فروسو بنت قسطندي السكاكيني على مخطوبها حنا ابن المرحوم عيسى البزوزي الكائن في اليوم التاسع والعشرين من شهر سيتمبر/ ايلول سنة 1890 « .

الوثيقة التي تتحدث عن تفاصيل حياتية اعتيادية تلقي الضوء على جوانب من الحياة الاجتماعية لدى بعض طبقات المجتمع المقدسي في نهايات الحكم العثماني وهي تشمل الجهاز ووصفا للهدايا من بينها التالي وهي مكتوبة باللغة العامية: « جوز أساور ذهب سناسل، خاتم الماز وذهب، وفسطان مخمل، شرحة (شلحة) بنت، قميص بنت(العدد 3، وكندرا مخمل، ومخدة مخمل لولو، وقبقاب مصدف، وحلق ذهب، وكومود، مراية، وهواية بنت، وببوج مقصب نص كسوة (العدد 2). ويختتم نص الوثيقة الاجتماعية بالدعاء والمباركة: جعله الله مبارك سعيد البداية حميد النهاية وهي مأخوذة من أرشيف عائلة السكاكيني ـ مؤسسة الدراسات الفلسطينية، القدس 1890» .

ويرجح الباحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية سليم تماري أن تفاصيل الجهاز كانت ضرورة لرصد هدايا الأقارب وموازاتها مع التزامات أهل العروس تجاه أقاربهم وربما تقدير أملاكها في حالة الافتراق او الطلاق. منوها أن هذه الوثيقة تأتي من أوراق عائلة السكاكيني التي تقوم مؤسسة الدراسات حالياً بتنظيمها ورقمنتها وأرشفتها. وقد أصبح قسم منها متوفرا لجمهور الباحثين. ويمكن للقارئ المهتم أن يطلع على النص الأصلي للوثيقة في الأرشيف الإلكتروني للتاريخ الاجتماعي في فلسطين.وضمن الأرشيف الرقمي نشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية أيضا أن هالة السكاكيني  مؤلفة كتاب القدس وأنا  قد عاشت في ظل أبيها خليل السكاكيني، وعرفها جمهور السكاكيني من خلال كتاب  كذا أنا يا دنيا  الذي حررته من مذكرات أبيها وغطت السنوات (1907-1948) . وبعد وفاتها بدأت هالة بالظهور كأديبة وكاتبة مذكرات  خصوصاً من خلال كتاب « القدس وأنا «الذي ظهر في الأصل بالإنكليزية، وظهر مؤخراً في نسخة عربية ترجمتها الشاعرة هلا الشروف.

المعروف عن هالة وأختها دمية التزامهما في الدفاع عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين ورفضهما لأية تنازلات سياسية عن هذا الحق، كما تجلى لاحقاً في نقدهما اللاذع لاتفاقية أوسلو. وجاء في مذكرات هالة أنه في 7 أغسطس/ آب 1976 عندما كانت استاذة في جامعة بيرزيت، تعلم السكاكيني القارىء أن «جبهة الرفض في روحي ودمي» ، ثم تنهيها بهذه الجملة باللغة الانجليزية: كل شيء أو لا شيء على الاطلاق» .

كذلك هناك رسالة مستغيثة حول سقوط القسطل واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني، كتبتها ميليا السكاكيني  المُربية المقدسية وأخت خليل السكاكيني  في الأيام الأخيرة لصمود حي القطمون جنوب القدس، إلى ابن أخيها سري السكاكيني.

نجد في الرسالة المعنونة بالأربعاء 21 أبريل/ نيسان 1948 إشارة إلى الدور البطولي لقائد قوات الجهاد المقدس في جنوب القدس إبراهيم أبو دية، ووصفاً مثيراً لأوضاع المدينة الغربية من شاهد عيان:

سلامات وأشواق وقبلات قبلت أو لم تقبل. أما بعد فالحالة عندنا كما هي. ألفنا حياتنا حياة القنابل والمدافع على أنواعها. أما إبراهيم القائد العظيم فأمره غريب لقد نجا من الموت يوم واقعة القسطل وفي مساء يوم الواقعة رجع إلى بيت العمد وقد أخرج من ظهره عدة قطع صغيرة وكبيرة من القنابل وفي اليوم الثاني مشى بجنازة البطل عبد القادر وألقى خطاباً على ضريحه كان أحسن الخطباء.. فتصور في المساء عمل له الطبيب عملية صغيرة أيضا وهو صامت. ويوم واقعة الشيخ جراح كانت الواقعة بقيادة ناهل بك ولكنه استنجد به، فكان بالامام وأصابه رصاصات فسلم والحمد لله. ويوم الاحد الماضي كان مدعو على الغذاء عند ابن خالتي متري وفي الساعة 12 ذهبت المصفحة إلى بيرزيت مع بعض رجاله، وهم أن يركب معهم فقال ابو عطاء: ول يا شيخ والغداء ماذا أقول للسيد متري فراج فذهب للغداء وكان موجوعا من كتفه من قنبلة القسطل ويده من [واقعة] الشيخ جراح ولم يعرف كيف يأكل على رأي ندى ما هو عارف أن يضع اللقمة. وحالا رجع لمقره وانشغل برجاله. وفي الساعة عشرة جاء عندنا. وكانت زليخة (الشهابي) خبرتني أن المصفحة قد نسفت ومات ابراهيم مع رجاله فلما دخل قلت الحمد لله على سلامتك قال ولماذا فأخبرته ما سمعنا فإذا هو يستخبر عن رجاله وراجع مقر الجيش العربي فقالوا لا نعلم وبعد الاستفهام من هنا وهناك عرف ان البعض منهم حالتهم خطرة وقد نقلوا إلى رام الله وهذا الحادث جرى يوم واقعة نفيه يعقوب. اليوم صحة ابراهيم أحسن وهو قائم بعمله ولكن الدراهم قليلة بين يديه، أخبر رجائي بذلك وقل له لا يعرضوا بالبطل الثاني على يد الدراهم ان ابراهيم احق من الجميع الذين يعملون في مصر وهنا وهناك بعد عبد القادر ما لهم إلا ابراهيم فليستيقظوا. الجماعة قصروا مع عبد القادر كثيرا فذهب قبل أوانه، مسكينة زوجته الخسارة عليها وحدها مع انها تحملت كثيرا بحياته. قل لرجائي يسرعوا بالمساعدة قبل فوات الوقت. القدس مهددة. يكفي اجتماعات وجلسات لقد حان وقت العمل. خسائر الناس في الأرواح كثيرة وغالية … أرجو أن تكون بغاية الصحة الآن. سلام للجميع ودمت. ميليا».