سدني – خاص بالتلغراف
« غناء مزمار إن خبا يذوي، العشق نبع، فانغمر». الشعار الذي تبنته الأديبة «أمان السيد» في احتفالها بتوقيع كتابها السردي الخامس «نزلاء المنام» في قاعة البلفيو في ضاحية بانكستاون في سيدني يوم الأربعاء الرابع من نوفمبر تشرين الثاني 2020 حيث يمكن أن يوصف بالاحتفال الثري بالحب، وبالدعوة إلى الانغمار في الآخر تضافرت أيدي الأصدقاء، والحضور، والقراءات التي قدمها عدد من كبار الأدباء العرب في أستراليا لكتاب الأديبة على نسجه والاشتغال عليه، كان النحل يطوف يلثم الزهر فيه، ثم يهدي عسله للحاضرين على عزف ناي الفنان «سمير معرباني» المعتّق بانتشاء الغابات، وتلهفها إلى الاكتمال.
التوقيع الذي جاء بعد تأجيل مرتين استدعاه وباء كوفيد 19 حمل جمالا خاصا، وكأن الجميع تساندوا على مواجهة الوباء بالحب، والاحتفاء بتفاصيل غدا معها التوقيع مهرجانا من الألق انبثقت وسطه الأديبة- التي تخيرت الأحمرلونا لما ارتدته- شعلة من الدفء والوهج والعطاء، وهي تناشد ضيوفها إلى الانصهار، والتمازج في المثيل الإنساني، أما الورود الحمر، ومزيج الطبيعة، وأطياف الشموع التي رتعت في الصالة باطمئنان، وسلام، فقد أتى المرآة لما تتبناه الأديبة في روحها من التّوق إلى التّحرر، والانغماس في المطلق، ونبذٍ للحواجز التي يُعمّق لها المتسلطون على حياة البشر لصدّ أي ارتقاء لهم في النهوض، والتيقظ، ونبذ الكره، وتحطيم العراقيل.
جاء في كلمة الأديبة أمان السيد: «نزلاء المنام، هو الحدثُ المميزُ الذي يعني ليَ الكثيرَ، غيرَ أني قبل أن أنخرطَ في التقديمِ له، أؤْثرُ أن تكون تحيتي لكم بالحبِّ، الضيفِ الخجولِ الذي يجهدون لتنحيتِه من ساحاتِ الحياةِ الإنسانيةِ عن سابق تصميمٍ، وتَرَصُّدٍ، لينشروا التّباغضَ في ساحاتِنا اليوميةِ مُستغفِلنا لصًّا، وشبحا خبيثا يتلذّذُ بنهشِ أجسادِنا، وإقصائِنا في جزرٍ منفصلةٍ، ننأى فيها بأجسادِنا ضاربين صفحًا عن أرواحنا، ويدفعنا إلى التعاويذ نتحصنُ بها من أذى الآخر. ذاك الآخرُ الذي ليس إلا صورتَنا في مرآة الوجودِ، نَعمى إلا عن سوادٍ فيه يتهيأ لنا مقبلا يحثّ خطاه لافتراسنا. إننا نَتَصَعّدُ في الحبّ شِئنا أم أبينا، رَغمَ كل ما تَحشُرُنا فيه السياساتُ، والانتماءاتُ، وخلفياتٌ مُتباينةٌ تَميدُ بنا، ونتعايشُ تحت مَظَلةٍ وارفةٍ نتلقى خبزَها، وننغمسُ في إدامِها. إنه الحبُّ الذي يدرُجُ بنا نحو الشّغفِ الذي يسكنُ جوهرَ القلوب، ويُضرِمُها برحيقه الذي لا يُقاوم».
وتحدثت الأديبة عن تجربتها الأدبية في الكتابة بمزيج من التّصعّد في الحب، والشغف، فقالت:
« المتصوّفُ مولانا جلالُ الدينِ الروميُّ قال فيما قال: « لِيَرتفِعْ منكَ المَعنى لا الصوتُ، فإنّ ما يجعلُ الزهرَ يَنبُتُ، ويتفتّحُ هو المطرُ، لا الرَّعدُ». لذا فقد رُحتُ أبحِرُ في الأبعادِ الكونيةِ مُعرّيا، مَشُوقا، تقمّصتْ نفسيَ ذاك الصوتَ، وجانبتْ طقطقةَ الرعد، فخرجتُ بعضا من أنا في كونٍ أعمَّ، أثرًا من انعكاسِ التأملِ في الخالقِ والمخلوقِ. تذوّقتُ عُنفوانَ العطرِ في المطر، فعبقتُ بالخير رديفًا، وانبعثتُ في الكتابةِ صدًى لذاك المعنى، ولجينًا لذاك السّكبِ.
حين ارتقيتُ في الله، تجلّيتُ في إنسانِه، فحرصتُ عليه، وإليه وجّهتُ رسالتِي في ما كتبتُ، ودوّنتُ، وفي ما يصدرُ عني من فعل، وعمل، رافقني وطنٌ أنتمي إليه ينوءُ بالمواجع، وبالتّباريح، والقهرِ، والظلم، وبآثامِ المجرمين، والأفّاكين موقنا أني سأتشبثُ بظلّه، وسأورِقُ فيه أنى حللتُ. ليس المطلقُ فقط مصدرَ استثارتِي لفعلِ البوحِ، إنه الجزءُ الغافي في ذاك المطلقِ، والذي هو متوارٍ للغافلين عن الجوهر، لي يغدو المطلقُ مدى تَستجدّ بكارتُه أمام شيطان الكتابة، فأقدحُ فيه الزّنادَ، وأتحول إلى كائن مغاير، أستغربهُ أحيانا، لكن في العموم به أنا أغْرَمُ».
وتتابع الأديبة «أمان السيد» رصد عوالمها في الكتابة فتقول: « بالكتابة استطعتُ أن أصفع جمودا بغيضا في العالم يستفزّني حين انبريتُ أساهم في تحطيم الأصنام، والتماثيل، والمورثاتِ الباليةِ»، وأسهبت الأديبة في الحديث عن نزلاء منامها، وخلفياتهم وإسقاطاتهم النفسية، رابطة إياهم بالتأزم الذي يصيب المرء عادة وهو يعاقر الأحداث المعاشة حوله راغبا، أو مكرها، فقالت: «نزلاء المنام» وليدي الخامسُ، فارسُ الليلة، ممن يعشقون الولوج في المعنى، والعمق، إنه النورسُ الأبيض، والنسرُ اللاهثُ وراء الحق، فيه يتلاحم مريدون، وأتباعٌ يئنون من الفقد، هم نزلاء يقيمون، لا ضيوف يمرون ويعبرون، رفاقٌ محبون، ومنهم مبغضون، ولكنهم الماكثون الحالُّون في المنام، إنه «إنسانُ سقراطَ الكاملُ المتأتي من دمج البشرِ جميعِهم في سعيهم إلى الكمال»، فالمجرمون، والقتلة، وبائعو الضمير، وفاقدو العقول، والعشاقُ، وعازفُ الموسيقى، والأوبرجيني المسلوبُ فطرتَه، والمتلصّصون وراء المُتع، والمنفيون، والمشردون، والأطفال معفّرو الوجوه بأتربة القنابل، المذهولون من الحروب، والقادةُ، والعسكريون، والحكماء، والمَكرةُ، والأصنامُ، والطيورُ، والأمكنة، والجمادات، والجلودُ بإسقاطاتها الفوضوية، والهَذِرون، وبائعاتُ الهوى…» .
بدأ الاحتفال بعرض وثائقي لكتب الأديبة، وبعض من الجوائز، والتقديرات التي حصلت عليها في العالم، حمل عنوان « بعض الضوء..» رافقه صوتها بقصيدة شعرية « امدد يدك أيها الكائن الإنساني»، وقدم للاحتفال، وتقديم الأدباء، والمتحدثين الدكتور» عماد برو» الذي يعدّ علما بين أبناء الجالية العربية، والذي تكن له الأديبة تقديرا كبيرا، فوصل الفقرات بقراءات نقدية حول «نزلاء المنام» مهداة من أدباء، ونقاد لهم حضورهم في الشأن الثقافي في الوطن العربي، وبلاد الاغتراب، يذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر: الشاعر والناقد السوري مصطفى سليمان، والناقدة السورية الأديبة د. عبير يحيى المقيمة في مصر، ود. مصطفى حلوة رئيس الاتحاد العربي الفلسفي من لبنان، والأديب الجزائري عبد الحفيظ بن جلولي، والشاعر والناقد السوري إبراهيم اليوسف المقيم في ألمانيا، والأديب والناقد العراقي جمعة عبد الله، لتأتي أولى الكلمات بالإنجليزية للسيد «بلال الحايك» عضو بلدية كانتبيري بانكستاون، أرفقها بالعربية بقصيدة للأديبة، ثم بعدها كلمة الأديب «أنطوان قزي» رئيس تحرير جريدة التلغراف ومنها نقتبس: «أمان ريشة تشدّ إلى بلاغة الجاحظ في مبناه، ويراعٌ يتوق إلى انسياب نجيب محفوظ في معناه، ونورس يرحل إلى صباحات ربيب مدينتها حنا مينا، معه تحمل المصابيح الزرق، ومثله ترود المنارات، وشراعها ثوبٌ لغمامات تقبّل ثغور الموج. في كتابها عليك أن تتخلّى عن الوقت، وتترجّل عن هودج أحلامك لتجتاز مطبّات الجرأة…»، وألقى الشاعر «شربل بعيني» صاحب مؤسسة الغربة الإعلامية، كلمة اتكأت على محور اعتبره شديد الأهمية، ورد في قصة «في متاهة» فقال: «هذا هو الأدبُ التنويريُ الانسانيّ الغائيّ عند «أمان السيّد»، فلقد عكستِ الحبّ تماما، لتجعَلَهُ بين فتاةِ مسلمةٍ وشابٍّ مسيحيٍ، عكسَ ما نراهُ في الأفلام والمسلسلاتِ وما شابَه، فجاءت «أمان» لترخيَ الأمانَ في النفوس وتعلنَ أنّ اللهَ محبةٌ، وأن الحبَّ أقوى من الطوائف كلّها».
أما الدكتور «مصطفى علم الدين»، فورقته سلّطت الضوء على ما وصله كقارئ واعٍ، فقال:
«إن الأديبة في نزلاء المنام تتصدّى لكثير من القضايا الإنسانية التي تتطلّب التجديد، ليس السطحي الذي يعتمد على التقليد الهشّ، بل التجديد الجوهر الذي من شأنه أن يحدث التغيير المطلوب لتجديد المجتمع…»، والأديبة الدكتورة «نجمة حبيب» ذكرت: « في نزلاء المنام تحررت أمان السيد من القوالب والنظريات التي تكبل المبدع/المبدعة، فتركت لموهبتها البكر أن تُسَيّـرَها لتجيء نصوصها (قصصها) حرة منطلقة على سجيتها غير مقيدة بنظريات، ولا منتمية إلى مدرسة أدبية دون أخرى..»، أما الشاعر «وديع شامخ» رئيس تحرير مجلة النجوم، فقد التزم القراءة الأكاديمية، والمقاربة لنصوص الكتاب، فقال:» لنصوص السيد تناصّات معرفية وجمالية مع أساليب مبدعين كبارحيث نتلمّس الأجواء الكافكاوية في بعضها، وبعضها تتنفس مفهوم الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار في جماليات المكان، كما تلمس وجودا لكتاب الواقعية السحرية كماركيز، لكن بطريقة القصة القصيرة…».
تتقدم الأديبة «أمان السيد» بالشكر، والتقدير إلى الإذاعة العربية 2000 ف. م وإلى الدكتور «علاء العوادي» الذي قام بتغطية الحفل إعلاميا، وإلى سفراء الإعلام العربي وسواقي كروب الإعلامية على تكريمها بـ»قلادة الإبداع»، كما تقدّم وافر امتنانها لأصدقائها الأعزاء «السيد طوني بو ملحم، والسيدة سو بدر الدين، والآنسة سارة قاسم، والسيد أحمد شما» على تكريمهم لها بـ» درع ناطور الكلمة والمعاني، وحارس اللغة العربية في بلاد الانتشار»، وتهبُ شكرا خاصا حارّا، لمن تراه النسر في تنظيم الاحتفال «السيد طوني بو ملحم»، والسيدة الرائعة
«سو بدر الدين»، وللمهندس «دانا كركوكي»، وتوجّه شكرها للصبية «سارة قاسم»، ولمن قام بتصوير الاحتفال، السيدان «طوني معماري، ومصطفى حجازي»، ولصالة البلفيو، ولمن دعم الإعلان «الإعلامية ندى فريد، والسيد فادي الصديق»، ولمن ساندوا الأديبة، الإخوة «بلال المقدادي، إليان بولس، الدكتور أيمن السيد».
وقد ختمت الأديبة أمان السيد عرسها الثقافي بقراءة من «العازف» إحدى قصص المجموعة في تحية إلى روح الفنان الشاعر غسان علم الدين، لتتابع توقيع كتابها لضيوفها الكرام ضمن احتشاد تسامى في الحب، والحبور.