علا بياض ـ سيدني
تشهد فرنسا خلال السنوات الأخيرة، منذ عام 2015 واعتداءات باريس الإرهابية التي نفذتها خلايا تنظيم داعش ضد الأبرياء وهي في حالة تأهب وتحدي مع محاربة الإرهاب والتطرف. الجهود الفرنسية في محاربة الإرهاب والتطرف من قبل الحكومة الفرنسية كان لها دورا فاعلا داخل التحالف الدولي والقضاء على معاقله في العراق وسوريا عام 2017، لكن التحدي الاكبر الان مواجهة التطرف والارهاب محليا من الداخل .
دعت فرنسا يوم 25 أكتوبر 2020 حكومات الدول الإسلامية إلى وقف دعوات مقاطعة سلعها التي جاءت بعد تصريحات لمسؤولين، من بينهم الرئيس، إيمانويل ماكرون، تنتقد التطرف الإسلامي عقب مقتل مدرس بعد عرضه رسوما مسيئة للنبي محمد. وقالت الخارجية الفرنسية في بيان إن «الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فورا، وكذلك كل الهجمات التي تتعرض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية متطرفة».
وأشارت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إلى وجود جمعيات معينة توجه إليها أصابع الاتهام بنشر التطرف وتتعالى أصوات السياسيين ضدها على رأسها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والذي وصفه أحد نواب البرلمان الفرنسي بكونه «الجناح العسكري لتنظيم الإخوان» في البلاد، وفق ما أوردته الصحيفة.
ويرى عالم الاجتماع رافايل ليوجيير أن وزيرة المواطنة قد قدمت الوصف الصحيح للمشكلة: «إن تطرف الأفراد بات يحدث تلقائيا عبر الأدوات التي تتيحها وسائل الإعلام اللحظية التي هي في حالتنا ممثلة بوسائل التواصل الاجتماعي». ويستخلص ليوجيير، من أبحاثه التي قام بها، أن هذا التحول في معتقدات الأفراد يكون لحظيا أيضا وليس حسب عملية طويلة كما يحلو لنا القول بذلك غالبا. ويتابع عالم الاجتماع بأن التطرف الإسلامي لم يعد ينتمي إلى إقليم أو منطقة معينة بل بات ينتشر في كل مكان على الشبكة.
مقتل، أستاذ التاريخ بوحشية
تأتي دعوة الحكومة الفرنسية هذه بعد مرور بضعة أيام فقط على مقتل صامويل باتي، أستاذ التاريخ بوحشية بقطع الرأس على يد لاجئ شيشاني في شوارع الضاحية الباريسية كونفلان سانت-أونورين بسبب عرضه صورا كاريكاتيرية للنبي محمد على تلاميذه في حصة دروس حرية التعبير، التقت وزيرة المواطنة الفرنسية بمدراء منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد للبحث معهم في استراتيجيات أكثر فعالية لمكافحة التيار الإسلامي المتطرف في الفضاء الإلكتروني والذي تعده الحكومة مسؤولا عن انتشار أيديولوجية التطرف بين الشباب.
أردوغان يدخل على خط الأزمة
استدعت فرنسا يوم 24 أكتوبر 2020 سفيرها إلى أنقرة للتشاور بعد تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها إن على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فحص صحته العقلية. وقد ندد الرئيس التركي ، بسياسات نظيره الفرنسي حيال المسلمين، وقال إن عليه «فحص صحته العقلية».
دافع الاتحاد الأوروبي عن إيمانويل ماكرون في وجه رجب طيب أردوغان الذي هاجم بقوة الرئيس الفرنسي وطالبه «بعلاج نفسه». وتشهد فرنسا وتركيا توترا على عدة أصعدة أججته تصريحات ماكرون حول الإسلام. و ندّد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل 25 من أكتوبر2020 بتصريحات
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون معتبراً أنها «غير مقبولة»، داعياً أنقرة إلى «وقف دوامة المواجهة الخطيرة».
دعا شيخ الأزهر، أحمد الطيب، يوم 28 أكتوبلر 2020 ، المجتمع الدولي إلى إقرار تشريع يجرم معاداة الإسلام والمسلمين، مشددا على ضرورة الالتزام بالسلمية وبالطرق القانونية في الدفاع عن النبي محمد والدين الإسلامي.
النتائج
ـ رغم ان خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون، في أعقاب جريمة مقتل المدرس الفرنسي صامويل باتي، كان غير واضحا وربما بعض المفردات، كانت تقبل اكثر من تفسير او توضيح مثل : الدين الإسلامي يعاني من الازمة، والاسلام الراديكالي والانعزالي» الا ان ذلك لا يعطي الحق الى الجماعات المتطرفة والاسلام السياسي في فرنسا وأوروبا، من «توظيف» ذلك الخطاب من أجل تحشيد الجاليات المسلمة في فرنسا واوروبا والدول الاسلامية، في شن هجمة اعلامية ضد فرنسا. وفي الوقت نفسه، لايمكن القبول بالتجاوز على الرسول محمد، ولا على رموز باقي الاديان، ولايمكن قبول ذلك ابدا، كون ذلك يثير الكثير من الكراهية والتطرف.
ـ بدون شك هناك صعوبة بالغة تواجهها فرنسا في الوقت الحاضر وهي « الموازنة» في محاربة التطرف والحفاظ على حرية الرأي او التعبير عن الرأي، وهذا مايمثل تحديا ، ليس الى فرنسا، بل معضلة الى دول الغرب ودول اخرى.
ـ ان الرئيس الفرنسي، بدأ يتجه نحو سياسة «اليمين» ربما محاولة منه لعدم خسارة شعبيته، وعدم منح اليمين المتطرف فرصة جدديدة لتوظيف، الحادثة الارهابية الاخيرةـ مقتل المدرس الفرنسي.
ـ ما تريده فرنسا، انها تحترم حرية التعبير عن الرأي، لكن المشكلة، عندما تتحول موضوعات التعبير عن الرأي الى « تجاوز على رموز دينية» وهذا من شأنه يثير الكثير من الكراهية ويدفع الى العنف.
ـ تلعب فرنسا دورا دوليا في محاربة التطرف والإرهاب، ولديها مشاكل تحديدا مع تركيا، وربما كان الرئيس الفرنسي ماكرون، من أكثر الرؤساء الأوربيين، انتقادا الى سياسات تركيا، المتورطة في دعم التطرف والإرهاب في اوروبا وفي سوريا والعراق وليبيا ودول اخرى.
ـ رغم انتقادات الموجهة الى خطاب الرئيس الفرنسي، يجدر بالدول الاسلامية والجاليات المسلمة والمسلمين في العالم، ان لا تنجر وراء خطاب التطرف، كون هناك اطراف اقليمية واحزاب الاسلام السياسي خاصة في فرنسا وأوروبا استغلت بالفعل حادثة مقتل المدرس الفرنسي، وخطاب ماكرون.
ـ إن الفصل ما بين الاسلام والجماعات الإرهابية، هي مهمة الجميع، وان لا يكون هناك خلط ما بين التطرف والاسلام او ما بين المسلمين والاسلامويين او المتأسلمين، الذين يستغلون الدين الإسلامي لأغراض سياسية ومنافع شخصية.
بات ضروريا ايضا ان تحسم دول أوروبا موقفها من قضية التجاوز على الرموز الدينية، وهنا يجدر الاشارة ان التجاوز على الرموز الدينية، لايمكن اعتباره تعبيرا عن الراي والحريات بقدر، مايعتبر سبب الى التحريض على الكراهية، وهذا مايدفع ربما اشخاص اخرين لتنفيذ عمليات ارهابية، بدافع الثأر والانتقام اكثر من ارتباطهم بالتنظيمات الاسلاموية المتطرفة.
ما نحتاجه اليوم، هو عدم الانجراف وراء الحملات الاعلامية والترويجية التي تحرض على الكراهية، علينا بل التمسك، بالتعايش السلمي داخل مجتمعاتنا بين مختلف الاديان والاعراق.