كمال براكس
في البدء خلق الله السماوات والأرض , وكانت الأرض خربة وخالية , وعلى وجه القمر ظلمة , وروح الله يرِفّ على وجه المياه , وقال الله ليكن نور
فكان نور , وفصلَ الله بين النور والظلمة , ودعا الله النور نهاراً والظلمة ليلاً , وكان هذا في اليوم الأول . وقال الله ليكن جَلَد في وسط المياه , وليكن فاصلاً بين مياه ومياه , فعملَ الله الجَلد , وفصلَ بين المياه التي تحت الجلد , والمياه التي فوق الجَلَد , ودعا الله الجَلد سماء , وكان هذا في اليوم الثاني . وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة , ودعا الله اليابسة ارضاً ومجتمع المياه دعاه بحاراً . وقال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً , وبزراً وشجراً مثمراً وكان هذا في اليوم الثالث . وقال الله لتكن انوار في جَلَد السماء , لتفصل بين النهار والليل , وتكون انواراً في جلد السماء , لتنير على الأرض .وكان هذا في اليوم الرابع . وقال الله لتفضي المياه زحاَّفات ذات نفس حية , وليطير طير فوق الأرض , على وجه جلد السماء , فخلقَ الله التنانين وكّل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها , وكل طائر ذي جناح كجنسه , وباركها الله قائلاً , اثمري وأكثري وأملأي المياه في البحار , وليكثر الطير على الأرض , وكان هذا في اليوم الخامس .
وقال الله اخرج الأرض ذوات انفس حية كجنسها , بهائم ودبَّابات , ووحوش ارض كأجناسها , وقال الله نعمل الأنسان على صورتنا , كشبهنا , فيتسَّلطون على
سمك البحر , وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض . فخلقَ الله الأنسان على صورته , ذكراً وأنثى وباركهم الله , وقال لهم , اثمروا وأكثروا وأملأوا الأرض وأخضعوها , وتسلَّطوا على سمك البحر , وعلى طير السماء , وعلى كل حيوان يدّب في الأرض , وكل شجر فيه ثمر لكي يكون طعاماً , وكان هذا في اليوم السادس . فأكملت السماوات والأرض , وفرغ الله في اليوم السابع من عمله , فأستراح من جميع اعماله , وبارك الله اليوم , وقَّدسه لأنه فيه استراح من جميع أعماله الذي عمل الله خالقاً .
هو وحده يشهد ويسمع في زمن تضيع فيه الرؤيا , والقدرة على الأصغاء , الذي يكَّون وجدان التاريخ وصوته الأزلي العميق . فمن هو الخالق المخلوق المنادى والسميع , الوالد والوليد , الأعمق في رحم الوجود , والأعلى في ذرى العاصفة والرعود , الا حركة الجدلية التي تمزج الدم والعرق والتراب ونار السماء , لتجعل التاريخ من صنع ابنائه . ان الأله الذي اراد فداء الأنسانية , فتجسَّدَ جسدها وتكلَّمَ لغتها , واعطى حياته تضحية دائماً للحب الذي لا يتّسم ابداً على الأرض , الذين يرون في حركة الموت والبعث , المولد والمطهِّر بعد الموت , وتلعثمت كلمة الحق تحت لسانه , وكلما اندحرت حيوية الخلق في صلب الأمة , وناء الفساد على هيكل الكينونة , كان لا بد من حدوث انشقاق رهيب في صلب الصخر , لينبجس الينبوع الفوّار الجديد , يُطَّهر مجراه , ويتطهر هو بضوء الشمس واما ” النبي محمد ” الذي انشَّقت عنه غياهب الصحراء , جاء ليحقق صحوة التاريخ من تحت ركام الفساد العام , وما حمله من معان خلقية ومثل عليا , والشريعة اصبحت اساساً لتنظيم المجتمع الجديد , فلقد كان الأسلام بشريعته
السمحاء , هو الموحّد بين ارجاء تلك الدولة الواسعة المتباعدة الأطراف . أن الأسلام قد وحَّد العرب جميعاً فجعلَ منهم امة مترابطة , ودعاهم الى نبذ العصبية القبلية , ومنذ هاجر الرسول الى المدينة اصبح الأسلام ديناً ودولة , فالرسول كان واضع الأساس الأول لهذه الدولة , وقد اكمل اصحابه الذين خلفوه بناء هذه الدولة التي ارسى الرسول الكريم اسسها ودعائمها , واصبح لهذه الدولة الناشئة , شريعة تحكمها وتنظم امورها لقد قضى الرسول في الدعوة الى الأسلام نحواً من ثلاثة وعشرين عاماً : مكثَ منها في مكة اثني عشر عاماً ونصف عام تقريباً , ومكثَ المدة الباقية بالمدينة . واهم ما جاء به التشريع : 1) الدعوة الى توحيد الله وتنزيهه ومحاربة ما كان العرب يتعلقون به من الأوثان , والقضاء على كل ما يتصل بعبادة الأوثان من خرافات واوهام 2) فكرة الثواب والعقاب والدعوة الى الأيمان باليوم الآخر , حيث تُطَّبق العدالة على بني البشر , فيجازى المحسن ويعاقب المسيئ , والترغيب في عمل الخير , والتنفير من ارتكاب المعاصي , والتحذير من الوقوع في الشرور والآثام .
3) الدعوة الى المثل العليا الأخلاقية , والحث على التمسك بأرفع مبادئ السلوك الأنساني .
4) الصلاة التي ذكر انها شرعت في ليلة الأسراء , وقد أمر بها القرآن , وعلم الرسول المسلمين تفصيلاتها.
5) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير . وهكذا لم يمت الرسول أّلآ بعد ان ترك دعوته قوية جداً ثابتة الأركان , وترك لها شعباً ينهض برسالتها , وترك عقيدة سماوية , ومبادئ خلقية رفيعة , وقوانين ونظماً تسير عليها الجماعة الأسلامية في حياتها , فكانت هذه الدعوة بكل
قيمها ومفاهيمها , ونظمها وشرائععها هي المنطلق الذي انطلق منه العرب ليحقُّق ذاتهم ويسهموا بنصيبهم الضخم في بناء الحضارة البشرية فالرمزان الميتافيزيقيان , والتاريخيان معا : “المسيح الأله” “ومحمد الرسول ” يقدمان الجدلية الحيوية , من فكرة انبعاث الأله في الأنسان , الى فكرة تجدُّد الأنسانية الحقيقية والفوز بالأرض الطاهرة , ارض الأبطال سبيلاً وحيداً , متصلة بالسماء , من حيث هي مصدر النور والحقيقة , ولكنه المصدر الذي يحقق ينبوعه بين لمعان الرعود وسيوف الأبطال , وشرر السنابك , حول تفتح العالم تحت اعلام المجد الروحي الأصيل وان مادة الرموز الرائعة الفنية التي تقدمها قصص النضال الحضاري الذي ملأته منذ البداية , ملاحم ابطال الأساطير , ثم الآلهة انصاف البشر والآلهة , ثم الأنبياء الذين قاتلوا بالنيابة عن التاريخ كله .لنلد في جوف الظلمات , حقائق التقدم المبدع , من خلال نسيج الكون , النمو والتراكم , الأزدهار والأكتئاب لدى من يقول ويسمع , ويعرف كيف يضبط , سمفونية العفة الصوتية , لتماثل عفة الخلق جديداً , والبراءة أقحواناً احمر تنسجه الرفاهة والضوء الخفيف الشفاف . ألقَّينَ صغارهن حماية لمولد النبوءة المنتظرة , وبدأت هكذا مشقة الأنفصال عن العالم , الذي أفسدته الهزيمة , ونام العالم وشرب مع المذلة , وضاجعها , وأنسَّل منها نسل العانس الحيزبون . ان رفض الهزيمة ثم رفض الأختفاء عن مواجهتها , كل ذلك جعل الوجدان البريئ , يكتشف درب الرؤيا المنتظرة , بالرغم من نعيق البوم على ابراج القلعة شبه المهدَّمة شبه المحتلَّة . وهكذا تمَّت ولادة الأله يسوع المسيح ابن داوود ابن ابراهيم , وَلَد اسحاق , واسحاق ولد يعقوب , ويعقوب ولد يهوذا واخوته , من امه مريم التي كانت مخطوبة ليوسف الذي كان باراً . وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب ” هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره “الله معنا” . فلما
استيقظ يوسف من النوم فعل كما امره ملاك الرب وأخذ امرأته , ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البار ودعا اسمه “يسوع” . ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية , في ايام هيرودوس الملك . أذا بمجوس من المشرق قد جاء الى اورشليم , قائلين أين هو المولود ملك اليهود , فأننا رأينا نجمة في المشرق وأتينا لنسجد له . فلما سمع هيرودوس الملك اضطرب وجميع اورشليم معه , فجمع كل رؤساء الكهنة , وكتبة الشعب , وسألهم اين يولد المسيح , فقالوا له في بيت لحم اليهودية . حينئذِ دعا هيرودوس المجوس سراً وتحقَّق منهم زمان النجم الذي ظهر , ثم ارسلهم الى بيت لحم , وقال اذهبوا وأفحصوا بالتدقيق عن الصبي , ومتى وجدتموه فأخبروني . وأذ بملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً , قم وخذ الصبي وامه وأهرب الى مصر , وظل هناك حتى اقول لك . لأن هيرودوس مزمع على قتل الصبي . فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف الى مصر . فلما مات هيرودوس , عندها أخذَ يوسف الصبي وامه , وذهب الى ارض اسرائيل , واتى وسكنَ في مدينة تدعى ” الناصرة “