بقلم / هاني الترك O A M
ان الانسان هو الكائن الوحيد الذي لديه تاريخ لان له ذاكرة ووعي وحضارة وصاحب التاريخ والمعرفة أساس الوعي.
والمعرفة بحاضر الجالية هو أساسي لاستخراج العبر والدروس وتصحيح المسار.
وهذه الدراسة اعددتها عام 1988 في الاحتفال المئوي الثاني لإستيطان استراليا وفزت بها بالجائزة الاولى في مسابقة صحيفة «النهار» في ذلك الزمن.
ولم أغيّر فيها الحقائق والاحداث لان التاريخ يظل التاريخ… لهذا تنشرها «التلغراف» على حلقات متتالية أسبوعياً مع تحديث الدرس في الدراسة في آخر فصل من اجل استخراج العبر والهدف من الدراسة.
الخلاصة من الدراسة بعد مضي 32 عاماً
رغم وجود العرب في استراليا منذ القرن التاسع عشر، ورغم مشاهمتهم المباشرة في بناء الأمة الاسترالية. وتأثيرهم على المجتمع الاسترالي كأفراد وليس كمؤسسات او جماعات.. الا انه يمكن القول ان العرب الذي جاؤوا في الستينات وما بعدها هم الأكثر تمسكاً بالثقافة العربية والتراث العربي. فإن ابناء الرواد الأوائل قد اندمجوا في المجتمع الاسترالي لدرجة ان جزاً كبيراً قد نسى الثقافة العربية ولا يتكلم اللغة العربية. مع التسليم ان بعضهم لا يزال يمارس بعضاً من التقاليد العربية. الحق ان الفوجين الثاني والثالث من العرب الذين حضروا لاستراليا في الستينات وما بعدها هم الذين احدثوا حركة احياء الثقافة العربية من جديد ومدهم بالدم العربي الطازج. وهم الذين يقومون بالحمل الأكبر في الدفاع عن القضايا العربية والمحافظة على الثقافة واللغة العربية..
فإن الدرس الماضي وقت إجراء الدراسة هو المحافظة على الثقافة العربية والتراث العربي.. فقد نجحنا في ذلك.. إلا ان الدرس لم يكتمل بعد.. فبعد مضي 32 عاماً على إجراء الدراسة أقول إننا فشلنا أيضاً.. لأننا لم نتفاعل ولم ننخرط ولم نندمج في المجتمع الاسترالي.
فإن ثقافة المجتمع الاسترالي المتعددة الحضارات مع ان التيار الانكلوساكسوني هو التيار السائد فيها لا تزال في مراحل التبلور والصياغة.
وبعد حقبة من الزمن سوف تظهر ملامح ثقافة المجتمع الاسترالي. ومن ثم علينا ان نفهمه حتى يفهمنا مع عدم الذوبان فيه. بل الحفاظ على تراثنا حتى لا ينقرض تراثنا في عصر الانحطاط العربي في العالم العربي.. فلم تؤثر ثقافتنا بشكل بارز في ثقافة المجتمع الاسترالي حتى الآن الا في المأكولات العربية التي اصبحت جزءاً من الثقافة الاسترالية.. والسبب اننا نقلنا كجالية مشاكلنا وإنقساماتنا من العالم العربي مما ادى الى تفرقتنا.. بل ان بروز الارهاب ادى الى تزايد العنصرية ضد المسلمين مع انها كانت في الماضي موجودة الا انها اصبحت عنصرية واضحة يتخوّف الاستراليين من الإسلام.
طبعاً لعب الاعلام الاسترالي دوراً كبيراً في نفور الاستراليين من المسلمين العرب.. فلم نهتم بالجيل الثاني الذي اصبح شبه معزول بسبب تقوقعنا كجالية.. حتى ان نسبة البطالة في صفوف هذا الجيل مرتفعة ونسبة التعليم الأكاديمي والمهني والحِرَفي هابطة.. وعدم شعورهم بالانتماء الى المجتمع الاسترالي اذ ان التعليم يلعب دوراً كبيراً في شعور المواطن بالانتماء للمجتمع.
النتيجة المترتبة على ذلك فشلنا كجالية ان نكون جالية المؤسسات مثل الجاليتين الايطالية واليونانية.. باستثناء بعض المؤسسات التعليمية التربوية التي ترعرعت بعد اجراء الدراسة.. مثل المدارس اللبنانية الكاثوليكية والمدارس القبطية الارثوذكسية والمدارس الاسلامية التي ستظهر ثمرة تأسيسها في الحقبة الزمنية المقبلة.
فلم تؤثر ثقافتنا على ثقافة المجتمع الاسترالي إلا في مجال الاطعمة العربية وخصوصاً اللبنانية.
أما الإدعاء اننا أثرنا على ثقافة البناء في استراليا بسبب عمل الكثير من أبناء الجالية في قطاع البناء فهذا غير حقيقي.. لأننا لم نؤثر على ثقافة البناء في استراليا إطلاقاً.. إذ كل الاعمال المعمارية للجالية هي وفق النهج الاسترالي وليس العربي.
فعلينا الانخراط في المجتمع الاسترالي والاستفادة من ميزاته الايجابية والحفاظ على حسنات وميزات المجتمع العربي حتى نُسهم في ثقافة المجتمع الاسترالي في العصر الرقمي Digital Age .. فإن العالم الغربي يدرس علم المستقبل ونحن في العالم العربي نتخبّط في الظلام.. فإن الفرصة كانت وربما لا تزال امامنا نحن الجيل الاول في ظل فلسفة التعددية الحضارية ان نحافظ على تراثنا وثقافتنا ونقوم بحمل الرسالة الى الاجيال المقبلة في ذات الوقت التفاعل والاندماج في المجتمع الاسترالي.. مع اننا حتى الآن لم ننجح في تحقيق وتجسيد رسالتنا.. مع ان بعض الاشخاص قد نجحوا كأفراد وليس كجماعات ومؤسسات .
هذه هي الخلاصة والدسر من تاريخ الجالية العربية في استراليا.. بعد إنقضاء 32 عاماً على إجراء الدراسة.