> كابل: مجيب مشال
كانت فتاة أفغانية مراهقة هي بطلة ليلة من القتل والذبح والإرهاب، تلك التي خلفت منزلها مليئاً بجثث القتلى عند سفح أحد التلال في غرب أفغانستان.
وقاتلت الفتاة الصغيرة «قمر غول» (15 عاماً) حتى آخر طلقة من طلقات الرصاص لديها، وأردت عناصر حركة «طالبان» الإرهابية قتلى ممن أقدموا على اقتحام منزل أسرتها وفتح النار في وحشية على والدها ووالدتها.
وفي الأيام التي أعقبت الهجوم الدموي خلال الأسبوع الماضي، كانت منصات التواصل الاجتماعي الأفغانية غارقة بالمدونات والصور الرائعة التي تحتفي أيما احتفاء بالفتاة الأفغانية الجسورة، وأطلق الجميع عليها مسمى «بطلتي». وقارن بعض المستخدمين بينها وبين نساء الأكراد المقاتلات في منطقة «عين العرب ? كوباني» في سوريا، اللاتي كن يقاتلن العناصر المتطرفة من تنظيم «داعش» الإرهابي. ولقد نشر المسؤولون المحليون صوراً متعددة للفتاة قمر غول وهي تقف تحمل سلاحها الناري. وكان نائب الرئيس الأفغاني قد أشاد ببطولتها الفريدة النادرة ودفاعها المستميت ضد أعداء البلاد.
بيد أن قصة بطولتها الرائعة غارقة حتى القاع في خضم من الآلام والأوجاع في ثقافة رجعية ومتخلفة تنظر إلى النساء وتتعامل معهن في أغلب الأحيان وكأنهن ممتلكات لدى الرجال، وضمن آتون الحرب الأفغانية المشتعلة منذ سنوات طويلة، تلك التي حولت روابط العائلات داخل المجتمع الأفغاني إلى تشابكات بالغة التعقيد من الولاءات المتضاربة والعداوات الدامية.
ووفقاً لإفادات بعض الأقارب والمسؤولين المحليين، كان أحد عناصر «طالبان» المهاجمين الذي قتلته الفتاة قمر بنفسها هو زوجها الذي كان يقاتل إلى جانب حركة «طالبان»، ويسعى على ما يبدو إلى إعادتها بالإجبار إثر خلافات عائلية مع أسرة الفتاة.
ومع استمرار الحرب الدموية في أفغانستان، تحولت أعمال العنف إلى إحدى أدوات تصفية الخلافات المحلية على نحو متزايد. وعلى خلاف ما تعلنه مختلف عناوين الصحف والأنباء الرئيسية في البلاد بشأن الاشتباكات الكبرى التي تقع ما بين القوات الحكومية وبين حركة «طالبان» الإرهابية، فإن الواقع الراهن لمجريات الأمور يعكس حقائق هي أكثر تعقيداً من التنافسات المحلية على السلطة في البلاد، والصراعات غير المنتهية بين عصابات المافيا الأفغانية وعصابات تجارة وتهريب المخدرات، فضلاً عن المجتمعات الداخلية والعائلات التي مزقتها تلك الحروب تمزيقاً شديداً.
ويعتمد الجانبان ? الجانب الموالي للحكومة والآخر الموالي لحركة «طالبان» ? على المجموعات المحلية نفسها من السكان في استمالة وتجنيد المقاتلين.
وفي القرى والمناطق الريفية لا تعتبر حركة «طالبان» من القوى المجهولة لدى الجميع ? فهي في الغالب تتألف من الأبناء والأشقاء والأزواج الذين يعرفهم جميع سكان البلاد هناك. ووجدت الحكومة الأفغانية نفسها تعتمد على عشرات الآلاف من رجال الميليشيات المحلية المسلحة عبر مساحات الأراضي الشاسعة من البلاد، والتي تُطلق على نفسها ميليشيات «الانتفاضة العامة»، في محاولات منها لفرض السيطرة على الأراضي. وكثيراً ما تتحمل تلك الميليشيات وطأة وأعباء القتال، بيد أن ضحاياهم نادراً ما يظهرون في السجلات الرسمية لأعداد القتلى والمصابين في الحرب على القوات الأفغانية. كانت مقاطعة غور ? التي شهدت الواقعة البطولية المشار إليها ? من المقاطعات الأكثر اضطراباً خلال السنوات الأخيرة وكانت معروفة بالوحشية التي تتعرض لها النساء بصورة خاصة في تلك المناطق. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من تلك المقاطعة، تجري مقايضة الفتيات الصغيرات بالمهور للزواج في سن مبكرة للغاية. وظهرت مقاطع فظيعة للغاية تصور عقوبات الرجم بالحجارة والجلد بالسياط مراراً وتكراراً داخل المناطق التي تسيطر عليها حركة «طالبان» الإرهابية من المقاطعة نفسها.
وتقع القرية التي تضم منزل الفتاة قمر غول في منطقة تايوارا على شريط وسط يفصل ما بين مناطق سيطرة القوات الحكومية والأخرى الخاضعة لسيطرة حركة «طالبان»». غير أن مصير الأسرة قد تشابك في تعقيد غريب مع أعمال العنف السائدة في المنطقة قبل نشوب المعركة الأخيرة بسنوات كثيرة.
كانت السيدة فاطمة ? والدة الفتاة قمر غول ? قد تزوجت مرتين من قبل زواجها بوالد قمر الذي يُدعى شاه غول رحيمي، وذلك وفقاً لإفادة أحد أقارب الفتاة. ولقد توفي أول أزواج السيدة فاطمة من جرعة مخدرات زائدة عن الحد أثناء عمله في إيران، تاركاً وراءه طفلاً صغيراً أصبح بمرور الوقت ضابطاً في الشرطة الأفغانية. ثم تزوجت مرة أخرى لفترة وجيزة من قائد حكومي محلي تعرض للاغتيال في اشتباكات اندلعت مع عناصر «طالبان» في تسعينات القرن الماضي. ثم جاء زواجها الثالث والأخير من المدعو شاه غول رحيمي، وكان الشقيق الأصغر لزوجها الثاني. ورزقت منه بطفلين، الفتاة قمر غول وشقيقها حبيب الله الذي يبلغ من العمر 12 عاماً.
خلال السنوات الأخيرة، تولى غول رحيمي ? الذي بلغ الأربعين من عمره ? مسؤوليات شقيقه الأكبر كمسؤول محلي في مجتمع منطقة تايوارا. وكان كثيراً ما يساعد رجال ميليشيات «الانتفاضة العامة» في صد هجمات عناصر حركة «طالبان» عن المنطقة، وكان يشارك في المعارك التي تشنها الميليشيات على عناصر الحركة. بيد أنه لم يكن واضحاً إن كان غول رحيمي يتلقى الراتب من الحكومة الأفغانية من عدمه ? فلقد كانت الميليشيات تدفع ما بين 50 و150 دولاراً، فضلاً عن توفير الذخيرة، وفقاً لما أفاد به جهاز الاستخبارات الأفغاني، أو ما إذا كان دوره يقتصر على الوساطة المحلية في شؤون المجتمع، وفق ما أفادت به مصادر محلية أخرى.