أحمد الكناني
يعتقد اتباع الديانات في صراعاتهم مع بعضهم البعض وعلى مر العصور انهم يقاتلون من اجل الاله وحده واعلاء كلمته وجعلها هي العليا وكلمة الجاحدون هي السفلى ، و رمزية الله عند هؤلاء الاتباع هي البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر اسمه للصلاة والقداس ، والتاريخ حافل بالحروب الدينية واستهداف بيوت الله وتحويلها من هذا الاله الى ذاك امر ملحوظ في اغلب تلك الحروب ، بدءاً بالفتوحات الاسلامية والى يومنا هذا ولن تتوقف يوما طالما جنود الله والمدافعين عنه بين ظهرانينا …
ما حدث اخيرا في اسطنبول هو امتداد لصراع الاديان الابدي وكأن معركة القسطنطينية مازالت تداعياتها قائمة الى اليوم ، وكأن محمد الفاتح ما زال شاهرا سيفه مدافعا عن شهداء جند الله الذين زهقت ارواحهم على سور القسطنطينية ، فهناك من هلَل لها واعتبرها نصرا من عند الله ، والاخر اعتبر الحديث عن بيت الله الجديد يمس السيادة التركية و الخلافة العثمانية الجديدة وشأن داخلى ليس من حق احد التدخل فيه ، وقراءة سريعة للمغردين العرب والمسلمين على توتير اثناء اقامة صلاة الجمعة بالقرب من بيت الله الجديد يكشف المديات البعيدة لذلك الصراع الابدي الذي هو في حقيقته دفاع عن الله وارجاع الحق الى المعبود الذي دافع عنه محمد الفاتح ، وهو حق شرعي اقره المشرَع الاسلامي للخليفة الفاتح للبلاد عنوة وبحد السيف واجاز له تغيير بيت الله وتحويله من اله المسيحيين الى اله المسلمين ، اما التغيير السلمي للبلاد وما يصطلح عليه في كتب الفقه بالصلح لا عنوة فيحق للخليفة الفاتح ان يتسامح مع اتباع الدين الاخر ويبقي لهم الاله الذي ارتضوه بذات البيت من دون تغيير معالمه ، رغم ان المؤرخين المسلمين اضفوا صفة الرحمة على الخليفة العثماني محمد الفاتح ولم يعتبروه مستغلا للحق الشرعي من فتح القسطنطينية العصية على الجيوش الفاتحة والمحاولات المتكررة من دخولها عنوة والتي خلّفت الاف الضحايا، بل جعلوه متفضلا على اهل القسطنطينية وانه ابتاع كنيسة آيا صوفيا او الحكمة الالهية كما هي التسمية اليونانية من ماله الخاص ، ولا نعرف حقيقة هذه الصفقة التي تبدوا من الغرابة بمكان يصعب تصديقه .
قصة اتاتورك وتحويله لآيا صوفيا الى متحف تتناسب مع القيم العلمانية التي يصبو اليها كصبغة للهوية التركية ، وتبقى قصة مقبولة يصدقَها عدم وقوف اتاتورك بين خيارين ، خيار المسجد او الكنيسة فالمتحف هو الخيار الامثل له بحسب القيم التي يحملها ، رغم عدم مقبولية مثل هذه الخطوات لمن يرى هوية البلد بتعدد ثقافاته وتنوع مرجعياته الدينية ، والعلمانية لا تعني الغاء الكنيسة والمسجد او الوقوف بالضد منهما ليقال ان المتحف هو الخيار الامثل للحفاظ على علمانية البلد ، المتحف والكنيسة والمسجد في مقدمة ما يطرز البلد ويزيده جمالا عمرانيا وحضاريا وثقافيا فضلا عن كونه رمزا دينياً.
اناقة البلد اي بلد بمسجده وكنيسته بأعتبارهما صنوين متكافئين ، وتعاسة البلد اي بلد في صراع المسجد والكنيسة واعلاء احدهم او الغاءه للاخر ، لا سيما ان الامر يتعلق بمعلم حضاري شهد مرحلة تاريخية مهمة من مدينة اسطنبول وهي معركة القسطنطينية ، فالحفاظ عليه كما هو امانة تأريخية .
الخليفة العثماني الجديد واتباعه شككوا في اصل خطوة اتاتورك واعتبروا توقيع التحويل الى متحف مزيف ، ولعلها الاعيب تصب في تحقيق مأرب سياسية ، وهذه اهداف ان صحت فهي قصيرة المدى ، وتبقى الامانة للتاريخ وسمعة البلد في المحافل الدولية هدف سام للحاكم ، والتفكير في اعادة امجاد الخلافة العثمانية لا يتناسب ونظرة العالم الحالية ، العالم تغير كثيرا ونظرة المسلمين انفسهم تغيرت ايضا فبالامس كان القرار الذي اتخذه محمد الفاتح بتحويل الكنيسة الى مسجد عام 1453 يعتبر انجاز عظيم يفتخر به المسلمون لكنه اليوم يعتبر قرارا مستهجنا وسير نحو اسلمة الدولة من جديد ، والغاء للمواطن الاخر ممن لا يتفق مع التوجهات الاسلامية ، وهذا الامر لم يعد امرا مستحسنا ، وكلامي عن المثقفين العرب والمسلمين لا المطبلين والمضللين