كلّهم روزا باركس
بقلم رئيس التحرير أنطوان القزي
الناقمون من الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية، ليسوا وحدهم في المدن الأميركية يحطمون ويحرقون ويعتدون ويواجهون رجال الشرطة.. فالعالم كلّه معهم بين شامت مثل إيران الصين اللتين تقمعان التظاهرات: الأولى في مدنها والثانية في هونغ كونغ، وبين مستنكر وهو موقف دول الإتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي، وبين متوجّس وخائف مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه رأى “أن لا أحد فوق رأسه خيمة”.
هؤلاء لم يتوقّفوا فقط عند مواقف دونالد ترامب المتطرّفة في كل شيء، ضد الأعراق والأديان الأخرى،وضد الإعلام وضد معظم الأميركيين. بل راحوا يتأملون ماذا يفعل الكبت والظلم وفقدان العدالة الإجتماعية.. والأميركيون السود هم نموذج الثورات الآتية.. وكل ديكتاتور يده على قلبه.
ما يحصل اليوم في الولايات المتحد ليس ابن ساعته وليس الأول منذ اغتيال مارتن لوثر كينغ سنة 1968 ، وليس انتقاماً لمقتل جورج فلويد وحسب، بل هو انفجار قنبلة المعاناة منذ زمن روزا باركس حتى اليوم.
ولدت روزا لويس مكّاولي وهي من أصول أميركية- أفريقية، في توسكيجي بولاية ألاباما، في الولايات المتّحدة الأميركيّة، في 4/2/1913م. والداها هما ليونا –وهي مدرّسة-، وجيمس مكّاولي –وهو نجّار-، انتقلت مع والدها إلى باين ليفل بعد انفصال والديها، وترعرعت في مزرعة مع عائلة والدها الذين كانوا أعضاءً في الكنيسة الأسقفيّة الميثوديّة الأفريقيّة.
التحقت مكّاولي بالمدارس الرّيفيّة حتى سنً الحادية عشرة، وأخذت عدّة دورات أكاديمية ومهنيّة، تركت الدّراسة لاحقاً من أجل الاعتناء بجدّتها، ولاحقاً بأمّها بعد أن مرضت.
كانت الحافلات المدرسيّة تنقل فقط الطلاب البيض، في حين كان يتوجّب على الطلاب أصحاب البشرة السوداء أن يذهبوا سيراً إلى المدرسة، لذلك قالت باركس عن معاناتها مع العنصريّة في طفولتها:
«كنت أرى الحافلة تمرّ في كل يوم… لكن بالنسبة لي كان هذا أسلوب حياة، لم يكن لدينا خياراً إلا قبول العُرف، كانت الحافلة المدرسية أول ما جعلني أدرك وجود عالمٍ أبيض وعالمٍ أسود.
في 1/12/1955م، في مونتغمري في ألاباما، رفضت باركس طلب سائق الحافلة جيمس بليك بالتّخلي عن مقعدها في “القسم الملوّن” إلى راكب أبيض البشرة، بعد امتلاء القسم الخاص بالركّاب من أصحاب البشرة البيضاء؛ لم تكن بارك أول من حارب العنصرية، إلا أنها كانت تلقى اهتماماً كبيراً من قبل العالم بعد اعتقالها بسبب مقاومتها وعصيانها لقوانين الفصل في ألاباما.
تشاجر السائق مع باركس وصرخ عليها لكي تترك مقعدها إلا أنّها أصرّت على موقفها، وحتى بعد أن هدّدها بالشرطة لم تأبه بتهديداته وحافظت على رباطة جأشها وثباتها على موقفها.
في اليوم التالي، تم محاكمة باركس بتهمة السّلوك غير المنضبط، استمرّت المحاكمة 30 دقيقة، وتم تغريمها تكاليفُ المحاكمة، استَأنفت بارك محاكمتها، وطعنت في شرعيّة الفصل العنصريّ؛ في نفس الوقت الذي استمرّ فيه السكان بحملة المقاطعة لمدة 381 يوماّ حتى توقفت عشرات الحافلات عن العمل لشهورٍ عديدةٍ.
روزا لويس باركس التي توفيت في 24 أكتوبر تشرين الأول 2005. هي ملهمة أبناء جلدتها بما يقومون به اليوم في المدن الأميركية بعدما ذاقوا الأمرّين على أيدي رجال الشرطة البيض.. ومن سوء حظ دونالد ترامب أن الأميركي الأسود جورج فلويد قُتل في عهده.24 أكتوبر 2005)