يطرح التخبّط الوزاريّ المتفاقم في الأيام الأخيرة علامات استفهام حول مدى جدّية الانطباعات الايجابيّة التي يروّجها فريق العمل الحكوميّ عن المضيّ في تنفيذ الاصلاحات ومسار المفاوضات مع صندوق النقد الدوليّ، استناداً الى ما يدور في بعض المجالس السياسية الموالية والمعارضة على السوّاء والتي ترى أنّ المشهد لا يبشّر بغدٍ حكوميّ ورديّ، خصوصاً وأن البطاقة التي ربحتها السرايا في المرحلة السابقة والمتمثّلة بالورقة الناجحة في التعامل مع جائحة الكورونا بدأت تتفتّت بعدما انعكس الارباك الحكوميّ في اتخاذ القرارات في هذا الملف تحديداً، وضاع توازن الخطّة بين فتحٍ وإقفال ما أثار حفيظة واسعة. لكن، يبقى أبرز ما تضيء عليه أوساط سياسية معارضة، هي قضايا أكثر دسامة، وفي رأيها لم تستطع الحكومة أن تثبت نفسها فيها بعد مضيّ مئة يوم على ولادتها، وأهمّها قضيّة التعيينات القضائية، إذ تفيد معلومات الأوساط أنّها قضيّة معلّقة حتى إشعار آخر وسط كباش سياسيّ مستمرّ ومتواصل وعدم القدرة على التوصل الى حلول. وتردّد إحدى الشخصيات البارزة في مجالسها أن “القاضية غادة عون تحوّلت الى القاضي مكسيميليان روبسبيار أيام الثورة الفرنسية، وأنّنا لم نعد نفهم من أين تأتي بعض الملفات بسحر ساحر وعلى أيّ أساس تُقفَل هذه الملفات بسحر ساحر أيضاً، ولم نعد ندرك من البريء ومن الفاسد”. وتربط معلومات هذه الشخصية بين “تأخير ملف التعيينات القضائيّة وقصّة ابريق الزيت المتعلّقة بالكباش السياسي حول الأسماء”. أمّا القضية الثانية التي تضيء عليها الأوساط نفسها، والتي من شأنها أن تفاقم التخبّط الحكوميّ في المرحلة المقبلة، فهي قضيّة الكهرباء في وقت تستكمل فيه الحكومة السير في العقد الموقّع بين شركة سوناطراك ووزارة الطاقة والمياه، مشيرة إلى أنّ “الاعتبارات السياسية تدخل في الموضوع وشعار حكومة التكنوقراط قد سقط خصوصاً في ظلّ التخبّط الحكومي في ملف النفط والتفاوض في قضية البواخر التي تشكّل أكبر تجلّيات التخبّط وتثير المخاوف من تدخّلات في القضاء تحت مظلّة الفساد السلطويّ”. هل يمكن الحديث إذاً عن ايجابيات في التفاوض مع صندوق النقد في ظلّ كلّ ما يحصل داخلياً؟، تتساءل الأوساط، عازيةّ استمرار الحكومة وعدم سقوطها على شاكلة تصريف أعمال أو حكومة الوقت الضائع بانتظار انتهاء جائحة الكورونا رغم الفرصة التي منحت لها شعبيا وسياسيا. وتعزو الأوساط الاشتباك السياسي الخفيف والمتقطّع وسط أداء الحكومة غير المشجّع، إلى واقع الازمة الصحية الذي لا يزال يفرض نفسه، ما يؤكّد انتفاء البديل وعدم قدرة الناس على النزول الى الشوارع رغم السخط العام. وهنا يتأكد استناداً الى ما يدور في فلك الأجواء السياسية نفسها أنّ شعار إعادة انتاج السلطة والاتجاه نحو انتخابات نيابية مبكرة، خيارٌ لم يسقط سياسياً وشعبياً وسيعود الى الواجهة في اللحظة المناسبة. خيار العودة الى الشارع دائم وواضح لدى الانتفاضة، وهذا ما تؤكّده المعلومات المستقاة من شبابها، في وقت ينظر فيه إلى الحكومة على أنّها صورة للمنظومة السياسية. لكنّ توقيت العودة الى الساحات يرتبط بالواقع الصحيّ. وبدا واضحاً في أحد اللقاءات الأخيرة لناشطين في الانتفاضة أنّ الأداء الحكوميّ خصوصاً في طريقة ادارة الكورونا في الاسابيع الأخيرة قد شكّل ملاحظات جليّة لدى الناشطين، والتي ارتبطت مع محاولات قمعيّة واضحة للانتفاضة. وتشدّد أجواء المنتفضين على أنّ الثورة حاضرة ومستمرّة وليست في حكم الغائبة، في وقت لم يعد هناك قدرة على التحمّل ويتضّح أنّ الانفجار الشعبيّ آتٍ لا محالة، علماً أنه لا يمكن فيه حتى الساعة تحديد سقف زمنيّ لعودة نشاطات الانتفاضة في الشارع. وتحمل الانتفاضة لواء قضية الحريّات الاعلامية في وقت تتّجه فيه السلطة نحو محاولة واضحة للتضييق على الاعلام. ويأتي ذلك في ظلّ تراجع مؤشّر الحريات العامة في السنوات الأخيرة في المنطقة، ما يؤكّد ضرورة اعلاء الصوت بالنسبة الى رؤية الناشطين. وعُلم أنّ ملف الكهرباء يدخل في صلب أولويّات الانتفاضة أيضاً في وقت يستقرئ فيه عدد من شباب المجموعات، مرحلة مظلمة مرتقبة لا كهرباء فيها ولا مولّدات مع بدء المعاناة من شحّ مادّة المازوت. وقد تقدّم عدد من الناشطين باخبار في هذا الصدد لدى النيابة العامة في قضية الفيول المغشوش.