بقلم رئيس التحرير / انطوان القزي
مَن ينصف العدالة الأسترالية وينقذها من بعض القضاء الأسترالي؟!.
من يضع حدّاً للتفاوت الحاصل في الأحكام بين قاضٍ وآخر في القضايا المتشابهة؟!.
٤٠٤ ليالٍ قضاها المطران جورج پيل في السجن لا بل في الزنزانة في قضية تشابكت فيها خيوط كثيرة.
لم تريحهم براءته عندما تنحّى عن مركزه يوم كان كاردينالاً لسدني ليخضع للمحاكمة ويخرج بريئاً.
قاوم الذين تظاهروا منطلقين من شارع أوكسفورد وحملوا الواقي الذكري ودخلوا كنيسة سانت ماري يوم كان راعياً عليها وأرادوا ان يتناولوا القربان المقدس ؟!.
شحذوا كل أسلحتهم وسنّوا سيوفهم وجنّدوا شركاءهم في سلكَي الإعلام والقضاء، وما اكثر شركاءهم هناك.. ولمّا اكتملت الاستعدادات الاعلامية والقضائية وحيكت خيوط المؤامرة تماماً ، لحقوا به الى روما وهو الرجل الثالث تراتبية في الكنيسة الكاثوليكية.. واستتنهضوا الذين كانوا صامتين والذين كادوا ينسون قضيتهم منذ سنوات، حمّسوهم ودفعوهم لاستعادة تقديم الاتهامات وأوكلوا عنهم المحامين بدون مقابل..
عاد پيل الى أستراليا، حاكمه الإعلام بحقد قبل ان يحاكمه القضاء، وضعوه بعد الجلسة الأولى في سجن للمجرمين، وبعد الجلسة الاستئنافية، نقلوه الى سجن خاص بالإرهابيين حيث الحراسة اكثر تشدّداً وكأنه داعشي متهم بالتخطيط لعمليات تفجير واغتيال.
لم يتعرّض جزار الصرب رادوڤان كارادجيتش 2012 في لاهاي لمّا تعرّض له جورج بيل في أستراليا سنة 2019.. حتى السفاح الاسترالي ايڤان ميلات لم يُعامل بالقسوة والمذلّة اللتين عومل بهما جورج بيل.
ربما لأن قتل الناس وتصفيتهم أهون لديهم من شخص يحافظ على القيم الأخلاقية ويرفض تأييد نزوات اجتماعية لا تتماشى مع مبادئ دينه ؟!.
وماذا عن القضاة الذين تناوبوا على تثبيت جورج بيل وطلب سجنه ست سنوات؟!..
وامس الأوّل الثلاثاء وبعد تمضية ٤.٤ ليالٍ في ظلمة السجن خرج جورج بيل بريئاً بحكم قضائي مبرم أصدره قضاة المحكمة الاسترالية العليا السبعة بالإجماع. هؤلاء القضاء تحدثوا عن ثغرات كثيرة في الأحكام السابقة، واستهجنوا كيف استند قضاة قبلهم على وقائع لا يمكن الركون اليها في قضايا كهذه.
ومع إدانتي الكاملة واستنكاري لكل وجوه التحرّش بالأطفال والقاصرين ومع وقوفي الى جانب ذوي الضحايا، لكني ومن باب قضائي بحت أسأل المحكمة العليا بناءً على حكمها أمس الأول الثلاثاء عن العطل والضرر لأن حكمها هذا يعني ان مواطناً أسترالياً كان ضحية أناس ينطقون باسم العدالة والقانون. لأن موضوي هنا هو ليس في جوهر القضية وموضوعها ، بل هو التفاوت والأستنسابية بين قاض وآخر ومحكمة وأخرى حول ذات الموضوع،
من هنا لستُ اليوم لأحاكم قضاة الجلسات السابقة الذين زجّوا الكاردينال پيل في السجن ، ولا لأهنّئ القضاة السبعة في جلسة امس الأول في كانبرا، بل يحق لي كمواطن استرالي أن أسأل: “ من يحصّل كرامة الكاردينال پيل من بعض القضاء الاسترالي، من يردّ اليه الاعتبار، من يعاقب المسؤول عن تهشيم صورته، وهل يقتصّ القضاء الأعلى من قضاة المحكمة إذا أخطأوا.
من يدفع للكاردينال پيل فاتورة ٤.٤ ليالٍ قضاها قابعاً خلف القضبان التي تحوّلت الى ٤٠٤ وصمة عار بحق القضاء الأسترالي؟!.
وأخيراّ من يشتري المناديل ليكفكف دموع إعلاميي ال آي بي سي وال سدني مورنينغ هيرالد والدايلي تلغراف الذين لم يستفيقوا بعض من صدمة براءة جورج پيل؟!.
…ويقولون ان وباء كورونا ظالم؟!.