[slideshow_deploy id=’33310′]
بقلم بيار سمعان
في 28 آذار / مارس، سار البابا فرنسيس وحيداً في ساحة القديس بطرس الفارغة من المؤمنين، وصعد إلى منصة وضعت خصيصاً ليقدم الصلوات إلى إله الرحمة، وليمنح بركة الغفران الكامل مباشرة إلى العالم عبر شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي.
وكانت الحكومة الإيطالية والفاتيكان قد طالبا بإقفال الكنائس في إيطاليا، بعد انتشار فيروس كورونا في البلاد، وارتفاع عدد الإصابات بشكل متسارع، وسجل حتى الآن ما يزيد على 97.759 إصابة ووفاة 10.812 شخصاً وأرغم الوباء سكان إيطاليا على البقاء داخل منازلهم، بعد ان تأكد الإيطاليون أن الوباء هو سريع الانتشار وقاتل ويضر الجميع دون تمييز.
وقدمت الكنيسة 70 كاهناً توفوا خلال القيام بواجباتهم الروحية وقدموا حياتهم وهم يخدمون الشعب ويمنحون مسحة المرضى للمنازعين. لقد عاش هؤلاء كهنوتهم وتوفوا خلال تتميم رسالتهم الكهنوتية، إيماناً منهم أنه يتوجب على الكنيسة أن تبقى دائماً في خضم المعارك مع المؤمنين، مهما تنوعت أسبابها وظروفها، إن كانت معارك روحية أو حروب أو أوبئة، وإيماناً منهم أنه «ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه»؟.
– استراليا تقفل الكنائس ودور العبادة:
عندما سئل الرئيس الأميركي عن رأيه حول فرض حالة الطوارئ وإقفال الكنائس في البلاد، أجاب بكل وضوح أن زمن الفصح هو من أهم الأوقات في الليتورجية الكنسية وفي حياة الشعب الأميركي. وأكد ترامب أنه سيسمح للمسيحيين أن يحتفلوا بهذه المناسبة الهامة قبل إعلان حالة الطوارئ.
غير أن رئيس الوزراء الاسترالي سكوت موريسون، وعلى عكس الرئيس الأميركي، دعا في 22 آذار / مارس إلى إقفال جميع الكنائس والمساجد والمعابد ودور العبادة، عملاً بمشورة فريق المستشارين الطبيين في البلاد، في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا في البلاد. وشمل الإقفال الحانات والنوادي والمطاعم والكازينو ودور السينما والنوادي الرياضية. واستثنى الخدمات الضرورية، من سوبر ماركت وقطارات ووسائل النقل العام.
وأثار قرار رئيس الوزراء تساؤلات عديدة، خاصة من قبل الأهالي، لكن قرار إقفال الكنائس ودور العبادة لم يثر أية ردود فعل من قبل رجال الدين، من مسيحيين وغير مسيحيين. خاصة بعد ان جاء القرار مبتوراً ولم تؤد القرارات إلى فرض حظر على التجمعات البشرية، بحجة أن الحكومة ترغب بمنع انتشار الفيروس في البلاد.
فهل تتسبب الكنائس بنشر الوباء ولا تسببه محطات القطارات ووسائل النقل العام؟ وهل يساعد إغلاق المساجد على الحد من انتشار فيروس كورونا، فيما لا تزال المدارس مفتوحة لأطفالنا وطلابنا؟ وهل فعلاً تحولت دور العبادة في استراليا إلى بؤر خصبة لنشر الوباء، فيما لا تزال المحلات التجارية تشهد حالات من الازدحام والهلع الجماعي للتبضع، خوفاً من المجهول؟
لماذا يعتبر موريسون أن دور العبادة سيئة للصحة العامة، فيما لا تزال الحياة شبه طبيعية في سائر المرافئ الصناعية والتجارية.
الأمر المؤسف والمعيب أن أي مسؤول ديني لم يتجرأ على طرح هذه الأسئلة على الحكومة الاسترالية، ولم يقدم أي رجل دين غيور على إيمانه ومعتقداته على مساءلة موريسون حول ازدواجية المعايير في قرارات الحكومة.
انصاع الجميع لأوامر الحكومة وكأنه شيء اعتيادي، فإقفال الكنائس في هذه المرحلة حيث تحتفل الكنائس بالصوم والآلام والصلب والقيامة، وهي من أسس العقيدة المسيحية، لا تعني الكثير للمسؤولين المسيحيين في استراليا.
لقد تجاهل هؤلاء أن الحالة الإيطالية تختلف كماً ونوعاً عن الحالة الاسترالية.
وان اقفال الكنائس في إيطاليا قد يكون تدبيراً طبيعياً ومقبولاً. لكن قرار إقفال الكنائس ودور العبادة في استراليا استثنى قطاعات عديدة لا تزال تعمل كالمعتاد. وهذا يبطل حجة الحكومة التي تدعي أنها اتخذت هذه التدابير لوضع حد لانتشار فيروس كورونا.
لقد ساوت حكومة موريسون بين دور العبادة والنوادي الليلية والخمارات، وهذا بحد ذاته تدبير لا يخلو من الاحتقار وقلة الدراية والموضوعية.
وأن يؤم المؤمنون الكنائس وسائر دور العبادة مع احترام تدابير الفصل الاجتماعي والتباعد هو أقل ضرراً من قطار مكتظ بالركاب والمسافرين.
لقد أخطأ موريسون المسيحي المحافظ بقراره هذا، وأخطأ اكثر المسؤولين الدينيين الذين نفذوا قرارات الحكومة دون أن يسائلوا فاعلية وسلبيات هذا القرار فلا الأساقفة الكاثوليك ولا الأساقفة الشرق أوسطيين ولا مجمع الأئمة أو غيرهم من المسؤولين الدينيين كان لديه الجرأة والحس بالمسؤولية الدينية. وافقوا جميعهم على إقفال الكنائس والمساجد ودور العبادة. وفضلوا البث المباشر للصلوات والقداديس. وهذه كلها لا تنوب عن الذبيحة الإلهية، لدى المسيحيين التقليديين ذبيحة تحويل الخبز والخمر إلى جسد ودم السيد المسيح.
لقد ارتضوا ان تطفأ شمعة النور في كنائسنا إرضاءً لقرارات مجحفة، إذ طرحت الحكومة نصف حلول لمعالجة مشكلة تطال الجميع وتؤثر في حياة كل المواطنين دون استثناء. فلماذا استثنت الحكومة قطاعات وأقفلت كنائس ومساجد ودور عبادة، يجري فيها الدعاء إلى الله لكي يرفع غضبه عن شعبه ويحمي أوطاناً أصبحت في مهب الريح بسبب سوء إدارتها على مدى عقود، وتحولت استراليا كالسفينة السياحية التي تحمل على متنها مصابون بفيروس كورونا.
– لماذا أقفلت الكنائس؟:
جاء قرار إقفال الكنائس ودور العبادة في استراليا وسائر البلدان في وقت يشهد فيه العالم محنة كارثية يفترض ان تعيد الناس إلى الإيمان ونحو المزيد من التعبد لطلب المغفرة والاستغاثة بالرحمة الإلهية. وهذه ممارسات مألوفة لدى جميع الديانات والشعوب. ويلتزم بها أصحاب كل المعتقدات الدينية. فعندما يعجز الإنسان عن مواجهة مشكلة، يعجز عن معالجتها ومواجهتها ضمن الإمكانيات البشرية والعلمية المتوفرة، غالباً ما يلجأ إلى العزة الإلهية وإلى طلب المساعدة وتدخل القوى الغيبية، كل حسب إيمانه ومعتقداته.
لكن مع إقفال دور العبادة، يجد الإنسان نفسه وحيداً في مواجهة الأزمات فشعور التعاضد والتعاون الناتج عن التفاف الجماعات المؤمنة واتحادها في الصلاة أصبح مغيباً. والعودة إلى رجال الدين (الذين تخلوا عن دورهم بفعل الإغلاق القسري) أصبح صعباً فترك القطيع دون راعي يسهر على سلامة قطيعه.
وتحولت بفعل الإقفال كل المراسم والطقوس شيئاً من الماضي. واسقط إغلاق المعابد الشعور بالذنب بعدم الالتزام بالواجبات الدينية ويخشى ان يتحول هذا الواقع الطارئ إلى نمط حياة، في حال طالت الأزمة أشهراً عديدةً.
فهل المطلوب حماية المواطنين من فيروس كورونا أم إبعاد المؤمنين عن الكنائس ودور العبادة. والوباء هو مجرد حجة ومبرر لتحقيق أهداف اخرى فماذا تقول الأمم المتحدة في هذا الصدد؟.
– الأمم المتحدة والمزيد من السلطة على ديانات العالم:
دعا رئيس وزراء بريطانيا السابق غوردن براون قادة العالم إلى خلق حكومة عالمية «مؤقتة» لمحاربة انتشار فيروس كورونا. كما طالب بمنح تنظيمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية أو الأمم المتحدة صلاحيات تنفيذية تفوق السلطات الوطنية كجزء من نظام عالمي يشرف على إدارة شؤون العالم ويقوده مجموعة من الخبراء في مجالات السياسة والصحة.
من جهة أخرى وصى أحمد شهيد وهو أحد المسؤولين المقررين لسياسة الامم المتحدة حول الحريات الدينية، في تقرير أعده لصالح المنظمة الدولية أن يتم إلغاء القوانين القائمة على الأخلاق التقليدية المحافظة، والتي غالباً ما تكون ذات طبيعة دينية، إذا كانت تتعارض مع آراء علماء حقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة.
وفقاً احمد شهيد، الخبير الخاص للأمم المتحدة يجب ان تعطي وجهات النظر لدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة الأولوية على حساب المعتقدات السائدة لدى العديد من الديانات السائدة، عندما يتعلق الأمر بالسياسة والقانون، مثل تقاطع الدين والمساواة بين الجنسين، ويجب بالتالي إلغاء القوانين القائمة على الأخلاق التقليدية، وهي دينية بطبيعتها، إذا كانت تتعارض مع آراء علماء حقوق الإنسان. ويورد التقرير حق الحرية والمساواة في المعتقد للجميع، بما في ذلك النساء والفتيات، والمثليين والمثليات، ومزدوجي الميول الجنسية، ومغايري الهوية الجنسية.
كما يجب إلغاء القوانين التي تجرم الإجهاض والسلوكيات الجنسية المختلفة.
وأشار شهيد أن القوانين المتعلقة بالإجهاض والسلوك المثلي تنشأ غالباً من تطبيق التعاليم الدينية المبنية على قدسية الحياة والأسر والأخلاق الجنسية. ودعا الأديان الكبرى مثل المسيحية والإسلام لتغيير المفاهيم لديهم، ونقلها من الخلفية الذكورية إلى المساواة بين الجنسين.
وقد شهدنا في استراليا التزاماً بجميع هذه التوصيات، انطلاقاً من إقرار المساواة بين الرجال والنساء ووصولاً إلى تشريع زواج المثليين وعدم تجريم الإجهاض، وإقرار القتل الرحيم في بعض الولايات الاسترالية.
وياتي قرار حكومة موريسون بإقفال الكنائس والمساجد ودور العبادة عملاً بمقولة: «القرار لي وليس لأية سلطة اخرى»، ويبدو أن السيد موريسون، عندما اتخذ هذا القرار، أراد أن يكون منسجماً مع توصيات الامم المتحدة ومطالب رئيس وزراء بريطانيا السابق براون بشأن إقامة حكومة عالمية جديدة تفرض نظاماً جديداً واقتصاداً جديداً ونمطاً جديداً من التدين.
– الله يعاقب والخطيئة تقتل:
في افتتاح جلسات مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، طلب إلى الوزير جو رايت الصلاة التقليدية، وتوقع الجميع أن يتلو رايت صلاة اعتيادية، لكنهم سمعوا ما يلي:
من وحي الحالة المأساوية في البلاد والعالم، أيها الآب السماوي نقدم انفسنا امامك لنستغفرك ونطلب منك أن تمنحنا حكمتك وإرشادك. نحن نعلم أنه مكتوب في كلامك «ويل لمن يصف الشر بالخير»، ولكننا فعلنا ذلك، فقدنا توازننا وقيمنا الروحية.
أهملنا كلمتك الحقة ودعوناها التعددية، عبدنا الأصنام وأطلقنا عليها «فروقات ثقافية».
قبلنا الانحراف وسميناه خيارات بديلة، أهملنا الفقراء وسميناه بالقدر والحظ.
روجنا للكسل وسميناه ترويحاً عن النفس.
أجهضنا أطفالنا وأطلقنا عليه قانون الحق في الاختيار.
دعونا إلى الإجهاض باسم عدم القدرة على الإعالة والتحكم بأجسادنا.
فشلنا في تأديب أطفالنا واطلقنا عليه اسم «تنمية الشعور بالاستقلال».
استخدمنا قوتنا وأطلقنا عليها اسم السياسة.
اختلسنا المال العام بحجة الإنفاق العام.
قمنا بإخفاء الطابع الشرعي على الرشوة.
اشتهينا ما ليس لنا وسميناه الطموح.
لوثنا الهواء بالفحش والمواد الإباحية وسميناه «الحق في حرية الرأي».
انتهكنا قيم أسلافنا وأطلقنا على ذلك «التطور والتنوير».
ندعوك يا رب أن تتدخل وتسكن قلوبنا، طهرنا من كل سبب خطيئة، وطهرنا منها.
وعلى أمل أن تقصر تلك الأيام وتعود الكنائس والمساجد ودور العبادة إلى سابق عهدها، وعلى أمل ولادة إنسان جديد في داخلنا، نكرر فعل ندامة، طالبين الرحمة الإلهية أن تغمرنا، بعد أن تخلى العديد من قادتنا الروحيين عن ادوارهم لأنهم وضعوا اليد على المحراث، وهم ينظرون إلى الوراء، ربما لأسباب نجهلها.