عباس علي مراد – سدني

أعادت تصريحات النائب آندرو هايستي الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأمن والإستخبارات النيابية، والذي ينتمي لحزب الأحرار حول الصين إلى الواجهة مسألة العلاقات الأسترالية مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الصين التي وضعت تحت المجهر مجدداً.

يقول هايستي: يجب أن نبق أوفياء لمعتقداتنا الديمقراطية ورؤية العالم كما هو، وليس كما نتمنى، وويجب أن نوازن بين الأمن والتجارة، ويجب علينا في أستراليا، التمسّك بسيادتنا وازدهارنا».

«من المستحيل التخلي عن الولايات المتحدة اللأميركية، شريكتنا الأمنية والإستثمارية الأقرب، وفي نفس الوقت أيضاً من المستحيل الإبتعاد عن الصين، شريكتنا التجارية الأكبر».

«إن العقد القادم سيختبر قيمنا الديمقراطية، إقتصادنا، تحالفتنا وأمننا كما لم يحصل في أي وقت مضى من التاريخ الأسترالي».

هذا الكلام موزون، ولكن تصرياحت هايستي والتي نشرها في مقالة بعنوان «يجب أن يكون لدينا رؤيا واضحة حول الصين، الفرص والتحديات» في صحيفة «ذي سدني مورننغ هيرالد» الخميس 8/8/2019 لم تتوقف هنا، بل أنه ذهب بعيداً عندما شبّه الرئيس الصيني زي جينبنك بأنه ستالين العصر الحديث، وحذّر من  أن الإسترخاء في  أسترليا اليوم يشبه ما حصل في فرنسا عام 1940 عندما كانت الدبابات الألمانية تتجه نحو حدودها.  وبهذا الخصوص يقول محرّر الشؤون السياسية في (س م ه) بيتر هرتشر بأن اندرو هايستي يعتقد بأنه يجب على أستراليا أن تكون يقظة للخطر الصيني المقترب بسرعة. فهايستي وان أخطأ فانه يحاول ان يجري مقارنة بين المانيا زمن هتلر والصين في عهد زي جينبنك ولكن من دون التطهير العرقي.

سبقت تصريحات هايستى، تصريحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أثناء زيارته لأستراليا الأحد 4/8/2019 حول أولوية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على العلاقات التجارية مع الصين، أو مبادلة الأمن بتجارة الصوايا كما قال، وذلك على هامش الاجتماعات الإستشارية الوزارية الدورية بين وزراء الدفاع والخارجية لكل من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية   المعروفة  AUSMIN.

تعقد هذه الإجتماعات وبشكل دوري في البلدين منذ عام 1985، وكانت قد أثيرت التكهنات حول ما دار في الإجتماعات التي عقدت في أستراليا في الرابع والخامس من شهر آب الحالي التي تصدرتها التوترات في الخليج العربي، والعلاقات مع الصين، واحتمال أن تكون الولايات المتحدة طلبت من أستراليا نشر صورايخ متوسطة المدى في شمال أستراليا والتى نفتها الحكومة الأسترالية. لكن رئيس الوزراء الأسترالي العمالي الاسبق بول كيتنغ ورغم نفي الحكومة صحة المعلومات قال: يجب على أستراليا أن ترفض أي محاولة من الولايات المتحدة لنشر صواريخ متوسطة المدى في شمال البلاد.

وحسب وكالة (رويترز) – قالت الصين يوم الثلاثاء 6/8/2019 أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» وستتخذ تدابير مضادة إذا نشرت الولايات المتحدة صواريخ متوسطة المدى في منطقة المحيط الهادئ والتي تعتزم القيام بها في غضون أشهر…

أثارت تصريحات هايستي العديد من ردود الفعل من القوى السياسية الأسترالية، سواء كانت مؤيدة أو منددة ومعارضة، وحتى من بعض زملاء هايستي في حزب الأحرار وجناح اليمين الذي ينتمي أليه، وكذلك من السفارة الصينية لدى أستراليا التي شجبت بشدة ما جاء في مقالة هايستي، وحثّت بعض السياسيين الأستراليين على خلع عدساتهم الملونة والنظر بموضوعية وعقلانية لنمو الصين بعيداً عن عقلية الحرب الباردة والإنحياز الإيديولوجي.

رئيس الوزراء سكوت موريسون، الذي لم يتبنَ تحذيرات النائب هايستي، لكنه في نفس الوقت لم يعارضها، قال أنه كنائب من نواب المقاعد الخلفية له كل الحق في التعبير عن وجهة نظره.

رئيس الوزراء الأسبق جان هاورد الأحراري، والذي كان دائم التفاؤل في التعامل مع الصين، يرى أن الصيغة القديمة للتعامل مع الصين قد تغيرت لأن النظام الصيني اليوم أكثر إستبداداً مما كان عليه قبل 10 أعوام.

وزير التجارة الأسترالي سايمون برنغهام والذي عاد قبل أسبوعين من زيارة للصين، وهي الأولى منذ أكثر من سنتين لمسؤول أسترالي بهذا المستوى، بعد ان كانت الصين وجهت رسائل سياسية لأستراليا وتوقفت عن استقبال المسؤولين الاستراليين، برنغهام كان قد بحث مع الزعماء الصينيين تطوير العلاقات التجارية أعطى نصيحة لزملائه في الائتلاف بالتفكير ملياً قبل إطلاق تصريحات علنية بخصوص العلاقات مع الصين.

وزير الداخلية بيتر داتون أيّد بدون تحفظ تصريحات النائب هايستي وقال: لا فائدة من التظاهر بأن كل شيئ على ما يرام، وعلينا أن نكون واقعيين، وأضاف أن هايستي يستحق إحترام جميع أعضاء البرلمان، وكذلك أيد موقف هايستي النائب دايف شرما والذي ينتمي لحزب الأحرار، وكان شرما شغل سابقاً منصب سفير أستراليا لدى أسرائيل.

واعتبر السفير الأميركي لدى أستراليا آرثر كلافهوس أن تصريحات هايستي تلقى الترحيب من  إدارة ترامب (س م ه10/8/2019)

وزير المالية ماثيوس كورمن انتقد تصريحات هايستي ووصفها «بالخرقاء» وغير المناسبة بالإشارة إلى التشبيه بالنازية، وكان موقف ملفت لوزير الإدعاء العام الفيدرالي كريستشن بورتر الذي اتهم هايستي «بالإفراط في التبسيط» .

حزب العمال وعلى لسان نائب زعيم الحزب ووزير الدفاع في حكومة الظل ريتشرد مالرز سلّم أن المسالة الصينية مسألة معقدة، خصوصاً في علاقاتها الإقتصادية مع أستراليا، وتموضعها في المنطقة، ورأى انها تشكل تحدياً لنا، ولكنه وصف تصريحات هايستى بأنها استفزازية لاننا لسنا في حالة حرب باردة، والصين ليست الإتحاد السوفياتي.

وقال مالرز يجب أن يكون هناك مقاربة مشتركة من قبل الحكومة والمعارضة، لكيفية التعامل مع صعود وارتقاء الصين، وأضاف أنه من المهم جداً أن تقول أستراليا رأيها  وبثقة وتؤكد على مصلحتها الوطنية عندما تختلف عن تلك الصينية.

وكان للقطاع التجاري الخاص موقف من تصريحات النائب هايستي، عبرعنه مجلس الأعمال الاسترالي الصيني الذي يمثل مؤسسات تجارية وصناعية ومالية وشركات إتصالات وتعدين كبيرة منها شركة الطيران كوانتس، بنك أي أن زد، هاواوي، تلسترا وريو تينتو، فوصفت الرئيسة التنفيذية  للمجلس هلن سوكزاك تحذيرات هايستي بأنها «ليست مساعدة» للقطاع الذي يساوي 215 مليار دولار من التبادل التجاري بين البلدين، وأشارت الى ان أستراليا حققت نمو إقتصادي على مدى 28 سنة متواصلة وبدون ركود بسبب علاقاتنا القوية مع الصين، وحذرت من الأضرار التي  تخلّفها تصريحات بعض السياسيين وإن كانت لا تعكس وجهة النظر الحكومية، وتعهّدت بمواصلة تطوير العلاقات الإيجابية مع الصين.(س م ه 10/8/2019).

رئيس شركة الإتصالات العملاقة هاواوي جان لورد انتقد النائب هايستي وقال أنه تفاجئ بتصريحاته وعليه كرئيس لجنة برلمانية مهمة أن لا يصدر بيانات كهذه، ويجب عليه أن يتجنب الإنحياز. واعترف لورد أن صعود الصين يلقى الإهتمام عند البعض، مضيفاً اعتقد اننا حُشرنا في الحرب الباردة.

وسلّم لورد أن شركته فقدت الأمل بإعادة النظر بالقرار الذي اتخذته الحكومة الأسترالية برئاسة مالكوم تيرنبول في آب عام 2018، والذي منعت بموجبه شركة هاواوي من المشاركة في بناء شبكة الإتصالات السريعة من الجيل الخامس  G5 بسبب المخاوف الأمنية  وعلاقة الشركة مع الحكومة الصينية حسب الحكومة الأسترالية، وعلى خلفية التوترات بين البلدين كانت الحكومة الأسترالية وبالأتفاق مع المعارضة قد مررت في البرلمان مشاريع قوانين تتعلّق بالتدخلات الخارجية لوضع حدّ  للتاثيرات الخارجية في الإنتخابات الأسترالية، وغيرها من القضايا بتحديد لنسبة التبراعات المالية التي تتلقاها الأحزاب الأسترالية من جهات خارجية والإعلان عنها بعد فضيحة السينتور سام داستياري الذي اضطر قبل سنتين إلى الإستقالة بسبب تلقي تبراعات من جهات صينية.

رئيس جهاز الإستخبارت الأسترالية (آزيو) السابق دينس ريتشردسون الذي كان قد انتقد الصين بسبب تجسسها على أستراليا، وموقفها من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي بين الصين وجيرانها، حذّر من التصريحات المثيرة للجدل وأشاد بموقف الحكومة ومقاربتها العاقلة والدبلوماسة للعلاقة مع الصين خصوصاً مع وجود بعض المعلقين المصابين بجنون العظمة الذين يطلقون تصريحاتهم بشكل يومي.

ويقول ريتشردسون أن للولايات المتحدة خطابها الخاص مع الصين، والذي يتعلّق بمصالحهم وليس بالضرورة أن ينعكس على مصالحنا، ورفض بشدة مقولة التنازل عن مصالحنا الأستراتيجية الواسعة لأسباب إقتصادية.

إذن، العلاقات الأسترالية الصينية أمام تحديات عديدة  منها القديم ومنها الجديد، منها السياسي ومنها الاقتصادي، منها الأستراتيجي ومنها التكتيكي، ولكن يبقى السؤال إلى أي مدى ستستطيع أستراليا المحافظة على الوضع القائم والموازنة بين مصالحها الأستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية والتجارية مع الصين في ظل تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأميركية والحرب التجارية التي قد تطال شظاياه الإقتصاد الاسترالي كما الإقتصاد العالمي بأجمعه؟!.

يبدو أن المسالة مسألة وقت، وقد لا يكون أمام أستراليا الكثير من الخيارات والمتسع من الوقت لتحدد موقفها، وهذا ما بدأ يظهر في تعديل مواقف مسوؤلين بارزين في الحكومة، حيث وحسب جريدة «الأستراليين» فان وزير الخزينة جوش فرايدنبرغ والذي كان يقارب المسألة من وجهة نظر الحكومة وبدبلوماسية،  دعى إلى إلى تبني الموقف الأميركي في المحيط الهادئ، لانه من واجبنا أن نكون أقوياء، في ظل التوتر الأستراتيجي المتزايد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

وكما يقول المثل: إن غداً لناظره قريب.