بقلم بيار سمعان

لا يزال حزب العمال يعاني من صدمة خسارته الانتخابات الفيدرالية.

فلا استطلاعات الرأي صحت، ولا تكهنات المحللين السياسيين أصابت، ولا مكاتب الرهانات أثرّت على نتائج الانتخابات.

فالفشل الذي مني به حزب العمال وصفه الزعيم السابق للمعارضة مارك لاثام عام 2005 في كتابه «مذكراتي» عندما ذكر ما يلي:

«لقد فشل حزب العمال في الاستجابة للتغييرات الكبرى في المجتمع الاسترالي والتي احدثتها العولمة وسياسات حكومتي كيتنغ وهاورد، خاصة تحت قيادة كيم بيزلي وسيمون كرين . فشل الحزب في تطوير سياسات جديدة مبتكرة، وتطلع اما الى الوراء، إما الى الداخل، بحثاً عن افكار جديدة، واتخذ موقفاً سلبياً من المبادرات الحكومية.

مارك لاثام الذي استقال من حزب العمال بعد ان كان زعيماً له بين 2003 و2005، اتهم حزب العمال انه تخلى عن تقاليده السياسية القائمة على مشاركة المجتمع   همومه وتطلعاته واحتياجاته، واعتنق دولة الرفاه.

وسيلزم الحزب معجزات كبيرة للسيطرةعلى نزوات بعض القيادات وعلى الحركات العمالية واصلاحها. واتهم لاثام بعض الزعامات العمالية انهم لا يستحقون ان يكونوا عمال تنظيفات في البرلمان.

ويبدو للوهلة الاولى ان مارك لاثام كان قاسياً في احكامه على العمال والقيادات التي تديره. لكن يرد بعض المحللون السياسيون اسباب فشل الحزب في الانتخابات الفيدرالية الى ابتعاد العمال عن تطلعات وحاجات القاعدة الشعبية، والى عدم اكتراث قادة الحزب برغبات عامة الشعب والانطلاق في طروحات «اممية» نظرية تلتزم بآجندا خارجية اكثر مما تلبي حاجات المواطنين. وفي طليعة هذه القضايا، الحريات الدينية، حرية التعليم وحرية الرأي، الى جانب الاستقرار الاقتصادي وعدم فرض طروحات سياسية بيئية على حساب العائلات والاقتصاد الوطني.

فالتبدلات الاجتماعية، الاخلاقية والاقتصادية، يجب الا تحقق على حساب المصلحة العامة والحريات المدنية، بل تأخذ منحىً طبيعياً سلساً يتلاءم مع حاجات الناس وحرية الاختيار لديهم.

الحريات الدينية

وفيما تجاهلت الاحزاب الكبرى طرح حماية الحريات الدينية ضمن برنامجها الانتخابي، كون الإئتلاف يعتبرها مسألة دقيقة وحساسة يجب مناقشتها بتروٍ، احسَّ المواطنون الاستراليون ان الحريات الدينية تأتي في اواخر القضايا التي لا يوليها حزب العمال اهمية.

حتى ان زعيمه السابق بيل شورتن شكك بوجود «جهنم» والعقاب والدينونه، في رده على سؤال حول قضية لاعب الراغبي، اسرائيل فولاو.

وحده، مارك لاثام تقدم، بعد انتخابه نائباً في المجلس التشريعي في نيو ساوث ويلز، عن حزب امة واحدة، بمشروع قانون لحماية الحريات الدينية. ووافق المجلس التشريعي على اقتراح لاثام واقر ما يلي:

أ – دعم حقوق الانسان الاساسية للعمال وحرية التعبير عن آرائهم السياسية والثقافية والدينية في أوقاتهم الخاصة، بعيداً عن مكان العمل، دون التعرض لعقوبات العمل.

ب – دعم المادة 18 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية والتي تشمل حق كل مواطن في حرية الدين.

باعتقادي، ان الرجل الذي نبذه حزب العمال، واستخف به السياسيون في استراليا، اصبح الحجر الاساسي في حماية الحريات الانسانية والدينية، بعد ان اعتقد كثيرون ان قضايا الايمان والالتزام الديني اصبحت من الأمور التي لا تتماشى مع النظرة الحديثة للقضايا الانسانية. ولا يستبعد بعد الآن ان يوافق البرلمان الفيدرالي على ضمان الحريات الدينية، بعد ان اقرت  ولاية نيو ساوث ويلز ضمان هذه الحريات وحمايتها دستورياً.

– اسرآئيل فولاو والحريات الدينية.

يبدو ان اتحاد الراغبي / استراليا وضع نفسه في مأزق لا يحسد عليه. فولاو اعرب عن رغبته بالعودة للعب في صفوف فريق الراغبي، كما قام محاموه بفتح دعوى قضائية ضد الاتحاد، مطالبين بـ 10 ملايين دولار كتعويض لموكلهم اسرائيل فولاو.

مدير الاتحاد بيتر بيتي رفض عودة فولاو للعب في فريقه بحجة انه اخل بشروط التعاقد معه عندما اعرب ،على صفحة فايسبوك الخاصة به، ان المثليين سوف يعاقبون في «جهنم» في حال لم يتوبوا عن خطاياهم.

غير ان بيتر بيتي ناقض نفسه عندما علق على قرار بعض للاعبين من السكان الاصليين عدم مشاركتهم في النشيد الاسترالي. فقال انه يدعم حرية خياراتهم وقرارهم عدم المشاركة في النشيد الوطني، كوننا نعيش في بلد ديمقراطي يحترم الحريات الفردية. وعلينا ان نحترم حرية الآخرين في التعبير عن آرائهم. ويبدو ان بيتر بيتي مفوض اتحاد الراغبي في استراليا، كغيره من المسؤولين في الاتحاد والاحزاب السياسية، يجهلون، او يتجاهلون خصوصية الحريات الانسانية، ويختارون منها ما يتلاءم مع مصالحهم وتطلعاتهم السياسية.

< هل اخطأ اسرائيل فولاو؟

علّق البعض على آراء  اسرائيل فولاو حول المثليين بالقول: ان المسيح كما يعرفونه، هو متسامح ومحب وسيغفر للمثليين انحرافاتهم، ولن يعاقبهم لأنه كان رجل سلام ومحبة ولم يدن الخطأه… وكوننا غير مؤهلين للحكم على الآخرين، غير ان كلام المسيح ، كما ورد في الانجيل، كان واضحاً.

المسيح تحدث مطولاً عن جهنم ووصفها بتفاصيل دقيقة اكثر مما تحدث عن الحياة الابدية. في لوقا 16/32 وصف جهنم انها مكان العذاب الأبدي عندما اعطى مثل لعازر والثري. وفي مرقس 9/34 – ان اعثرتك يدك فاقطعها. خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان وتمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفأ.. ومرقس 9/48، حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ. وفي متى 13/41-42. يرسل ابن الانسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في آتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الاسنان.

وذكر المسيح في آيات عديدة وصفاً لجهنم وللدينونة الكبرى حيث يفصل الرب الديان بين فاعلي الخير وفاعلي الإثم. الاولون الى الحياة الابدية وفاعلو الإثم الى الدينونة في جهنم.

ما ذكره المسيح لا يمكن لأي مسيحي مؤمن ان يتجاهله او ان يخفف من اهميته . وغالباً ما كان المسيح يغفر خطايا طالبي الشفاء اولاً كمدخل للحصول على الاعاجيب. «مغفورة لك خطاياك. قم احمل سريرك وامش». فالندامة والتوبة والعودة الى احضان الآب السماوي هي من الشروط الملزمة للخلاص.

ويفهم من هذا ان ما ذكره اسرائيل فولاو، المسيحي الملتزم، لم يكن بقصد الاساءة الى المثليين، بل كان مجرد تعبير صادق لإيمانه المسيحي ان الخاطئ سيعاقب وان من يسير في الظلام سيعثر ويسقط في الحفرة.

هذه هي قناعة فولاو الصادقة، المبنية على معرفته بالانجيل المقدس.. ولكن ورغم الثوابت الازلية، جرى معاقبته وطرده من فريق الرغبي «الازرق» بحجة الإساءة الى آخرين.

المشكلة الجوهرية تكمن في بعض الأمور كالتالي:

– الناس يجهلون شخصية المسيح وتعاليمه.

بعض رجال الدين ووسائل الاعلام والمفكرين يروّجون لمسيح  آخر يختلف عن مسيح الانجيل.

التلاعب بصورة المسيح غالباً ما يبنى على حدثين هامين: الاول هو طرد التجار من الهيكل، والثاني هو عدم ادانة المرأة الزانية. لكن من يقرأ الانجيل يكتشف الكثير عن شخصية وبشارة المسيح.

وكما اعلن بطرس عندما سأل المسيح تلاميذه: من يقول الناس اني انا؟ اجاب بطرس انت المسيح ابن الله اعلي.

حرية الاديان

وما يقال عن حرية الايمان لدى المسيحيين، ينطبق ايضاً على حرية المعتقد لدى كل الديانات في المجتمع الاسترالي. فللمسلم الحق ان يمارس ايمانه وشعائره ويعبر عن عقيدته دون المساس بحرية الآخرين. كذلك على اليهودي والبوذي والأزيدي.. والملحد ان يحقق ذاته من خلال معتقداته الدينية او الملحدة، لكن ليس على حساب حرية ومعتقدات الآخرين.

وإلا، فما معنى ان نردد شعارات كبيرة كحرية الانسان، والديمقراطية والتعددية الثقافية والتنوع المتناغم والتكاملي.

لقد آن الأوان ان يكرس البرلمان الفيدرالي الحريات الدينية في الدستور وان يضمن حرية الممارسة والتعليم والعيش لهذه المعتقدات الايمانية، دون مضايقات او تهديد او ملاحقات قانونية.

ان اقالة اسرائيل فولاو يجب ان تُصحح، اذا اردنا فعلاً حماية المجتمع الاسترالي بكامله. وان لم يؤكد البرلمان الفيدرالي على هذه الثوابت، فان استراليا تسير نحو مصير مجهول ودولة بوليسية ملحدة، تفقد فيها العائلة اهميتها، والاخلاقيات وزنها، والايمان يتحول الى مجرد شعائر وتقاليد فولكلورية.

بانتظار ان يقول البرلمان كلمته الاخيرة، لا بد ان نمتدح مارك لاثام الذي طرح مسألة الحريات الدينية كمشكلة وجودية، لا يمكن لأحد ان يتجاهلها سوف تحدّد نوع المجتمع الذي سنعيش فيه غداً.

pierre@eltelegraph.com