بقلم هاني الترك OAM

سوف يتم زرع ذراعين للاجئ عراقي في عملية جراحية في استراليا الأولى من نوعها في العالم.. إذ أن استراليا رائدة في العمليات الجراحية إضافة إلى قيادتها العالم في البحث الطبي.. وبهذه المناسبة قال الجراح الاسترالي الرائد في الجراحة في استراليا والعالم الذي أجرى عملية زرع يد ناجحة البروفسور أيزيل أوين أن الخطوة الثانية هي زرع Transplant ثم بعد ذلك زرع المخ Brain ومن ثم استخراج نسخة مطابقة للمخ Replecation.

ولنتناول كل واحد على حدة:

إن زرع الرأس أسهل واحدة من العمليات السابق ذكرها.. لأنه يمكن نقل رأس من جسد إلي جسد آخر.. مع أنها أصعب كثيراً من زرع الذراع.. ولكن يمكن القيام بها بعد عدة سنوات من التطور الطبي.

وقال لي زميلي في العمل حينما علم بتصريح بروفسور أوين أنه يود زرع رأس حمار حتى لا يتعب نفسه في التفكير، وأجاب زميل آخر أنه يا رب اجعلنا من التافهين بزرع رأس شخص بسيط في جسدي لأني تعبت من التفكير والبسطاء هم وحدهم السعداء، فنحن نتعامل بكلام الجد المليان ولابد من الكلام الفارغ الفاضي حتى نستريح ونُريح من الكلام المليان لأن مهنتنا هي مهنة المتاعب.. وقال زميل آخر أنه يود زرع رأس شخص روحاني حتى يشعر بالسعادة الحقيقية القصوى.

أما إجراء عملية زرع المخ فهي صعبة جدا ولكن يمكن تحقيقها بعد عقود من التقدم الطبي، لأن الخلايا العصبية في الجهاز العصبي الذي مركزه المخ يمتد إلى العمود الفقري وأعضاء الجسد هي خلايا معقدة جداً.. إذ أنها تؤلف مراكز عصبية مركبة جدا تختلف في وظائفها.. فمثلا يمكن تركيب مخ شخص ثري كبير السن في رأس شاب وسيم صغير السن، ولا يعرف متى يموت هذا المسن الصغير.. لأن الوفاة تحدث حينما يغادر الوعي consciousness (أي العقل أو الروح) .. إذ أن مصطلح الوعي يستعمله العلماء حاليا لمصطلح العقل الذي استعمله الفلاسفة في العصر الحديث أو الروح كما تسميه الديانات.. حتى ولو كان الجسم سليما في عز الشباب.

أما استخراج نسخة مطابقة للمخ أرى أنها مستحيلة.. لأنها تتضمن نسخ المعلومات من شخص إلي شخص آخر عن طريق الكمبيوتر.. وهذا حلم البشرية الذي لم يتحقق لأن ذلك يعني الإنسان (المخ) مجرد آلة مادية من المعلومات فيه تؤدي إلي الوعي.. يجب التسليم أن تفاعل الوعي (أي العقل أو الروح) مع المخ عملية لا يفهمها العلم حتى الآن.. فكان العلماء يتكهنون أن تواصل العقل مع المخ يتم من خلال الخلايا العصبية بطريقة كهربائية.. ولكني قرأت الأسبوع الماضي في مجلة العلوم الرائدة أن العلماء يتكهنون الآن أن عملية الاتصال بين الخلايا العصبية في الجهاز العصبي الذي مركزه المخ هي عملية ميكانيكية وليست كهربائية.

فإن الوعي (أي العقل أو الروح) حينما يفارق المخ (الجسد) تحدث الوفاة.. واطلعتُ على دراسة علمية حديثة تقول بأن الميت يسمع بعد موته المحيطين به.. إذ أن موجات دماغية تصدر عن الوعي تؤكد بقاءه بعد الموت لمدة ساعات طويلة قبل الانتقال للحياة الأخرى.. فإن العالم الشهير في الأعصاب إيدن الكسندر عاش عمره مستبعداً وجود حياة بعد الوفاة.. ولكن عندما عاد للوعي بعد إغمائه لمدة عدة أيام أكد وجود حياة بعد الموت.. وهناك علماء عديدون أكدوا بالدراسة العلمية حياة الوعي (العقل أو الروح) بعد الموت.

والغريب كما جاء في صحيح مسلم بأن النبي محمد نادى الموتى بأسمائهم وأسماء آبائهم بعد غزوة بدر وقال لهم: هل وجدتم ما وعدكم به الله.. فرد عمر بن الخطاب على النبي محمد وقال له: هل تكلم أجساد ميتين؟ .. فقال له محمد: إن هؤلاء الموتى يسمعون وما أنت بأسمع منهم.

ومن ناحية أخرى فإذا كان المخ مجرد آلة لتلقي المعلومات وتحليلها دون الوعي (العقل والروح) فإن هذا يلغي وجود العقل وعالم الروح ومنافي للدين ووجود الله (Absolute Consciousness).. ويصبح إيماننا باطل وتتغير كل القوانين العلمية والوجودية.. لأن وعي الإنسان (العقل أو الروح) سرّ مغلق على الإنسان.. لأن العقل يظل باقياً بعد وفاة الجسد (المخ).

هنا تبرز حقيقة تقمص الأرواح «اي تناسخ الارواح كما يطلق عليها البعض» وانتقال الوعي من الحياة على الأرض إلي حياة في عالم الروح وإذا أراد العودة إلى حياة الأرض المادية للتعلم واكتساب الحكمة فهذا يتوقف عليه.

جاء في آية قرآنية تؤكد تقمص الأرواح:

كيف تكفرون بالله وكنم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون.. وفي الإنجيل جاء بما معناه : هل تقمص يوحنا المعمدان روح النبي إيليا ؟.. مما يعني اعتراف الإسلام والمسيحية بتقمص الأرواح.. وأنا اطلعت على النواحي الدينية والتاريخية والعلمية في هذا الشأن.

من هنا أرى أن استخراج نسخة مطابقة للمخ ونقلها إلي شخص آخر عن طريق الكمبيوتر هي مستحيلة.. وربما يكون فيها إماطة اللثام عن سر الحياة.. لأن الوعي (العقل أو الروح) هو الأساس وهو السر المغلق على البشر.. وإذا تم ذلك يعني إماطة اللثام عن سر الحياة.. وتكون نهاية العالم.. لأن الوعي (العقل أو الروح) هو سر من أسرار الله (Absolute Consciousness).. فقد ورد في القرآن: قُل الروح من عند ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلاً.. وقد جاء في الكتاب المقدس: ويعود التراب إلي التراب وترجع الروح إلى الله (Absolute Consciousness) الذي أعطاها.. والله أعلم.